البرمجيات الإعلانية والتجسسية... خوف يجتاح مستخدمي الإنترنت

المنتجون: برامجنا واردة في اتفاقيات الترخيص... * المستخدمون: معظمها يعمل في الخفاء ويعيث خرابا في الأجهزة

TT

في فبراير، اعتقدت جينفير بازدان أنّ كومبيوترها قد أصابه الجنون. وتراجعت بازدان، البالغة من العمر 21 عاما، والتي تخرجت الشهر الماضي من جامعة إلينوي في أيربان كامبين، تراجعت عن تحميل برمجيات تشارك الملفات الموسيقية الشهيرة «مورفس» (Morpheus) و«كازا» (KaZaA) بالإضافة إلى لعبة الفيديو التي تبعث على الإدمان والمسماة «سنود» (Snood). إذ أخذ كومبيوترها فجأة يتصرف بغرابة، فبدأت نوافذ إعلانات صغيرة تفتح على سطح المكتب، وأصبح الجهاز السريع يستغرق 10 دقائق لتنفيذ مهمات بسيطة، وبدأ البرنامج الذي لا تعرف انه لديها يعطل متصفح الإنترنت ما اضطرها إلى إغلاق جهازها عدة مرات. لاحقا، وجدت بازدان أن البرامج التي قامت بتحميلها على جهاز الكومبيوتر تحمل كمية صغيرة من البرامج بأسماء مثل «بونزي بدي» (Bonzi Buddy) و«غيتور» (Gator) تهدف إلى عرض الإعلانات وتتبع مسارها على الإنترنت.

ورغم أن اتفاقية الترخيص، وهي تلك القائمة الطويلة من القوانين التي يجب أن يوافق عليها المستخدم، الموجودة في البرامج التي قامت بتحميلها تذكر ذلك البرنامج الصغير، فقد أخذت بازدان المفاجأة ولم تعرف كيف تعيد جهازها إلى وضعه الطبيعي. وتقول بازدان: «إنها تجربة مزعجة ومضيعة للوقت»، مضيفة أنها غير متأكدة من البرنامج الذي يحمل البرنامج الغامض.

هذه البرامج التي تعرف بالبرمجيات الإعلانية أو التجسسية Adware or Spyware، والتي كانت السبب في بطء جهاز بازدان، تظهر في الإنترنت بشكل متكرر. ويقول مايك هيلان، البالغ من العمر 26 عاما، والمسؤول عن موقع مكافحة البرمجيات الإعلانية والتجسسية www.spywareinfo.com، إن هذه البرامج تصمم لتجذب الناس لمواقع التجارة الإلكترونية، وفي حالات نادرة لمواقع إباحية، وهي تثير الجدل كلما استعملتها شركات أكثر.

وفي الجانب الآخر، يقول مؤيدو هذه البرمجيات إنها تختلف عن الفيروسات والديدان فهي غالبا غير مؤذية بل تزوّد الناس بالخدمات. لكن إريك هويس، وهو مدرس لغة إنجليزية وناشط في مكافحة البرمجيات الإعلانية في جامعة إلينوي والذي ساعد بازدان على التخلص من برامج التجسس التي في جهازها، يقول: «إن معظم الناس لا يعرفون أنهم قاموا بتحميل هذه البرمجيات».

وتقدم معظم البرامج التي شاهدها خدمة معينة، مثل حفظ كلمات المرور على الإنترنت أو تسريع الاتصال بالشبكات المحلية، بالإضافة إلى عرض الإعلانات أو تتبع استخدام الويب.

أما هويس، البالغ من العمر 33 عاما فقد نال حصته من مشاكل برمجيات التجسس، وهو يقول: «أعلم من تجربتي مع أجهزة الطلبة أن معظم أجهزتهم تحتوي على مجموعة ولو قليلة من برمجيات التجسس، وعادة ما يصدمون عندما أخبرهم بذلك». ويضيف قائلا: «طلبة الكليات بالطبع ليسوا دقيقين تماما في اختيار البرنامج الذي يحملونه».

ومن جهة أخرى فإن برامج تشارك الملفات التي تحمل البرمجيات الإعلانية أخطأت في جانب آخر، فالناس الذين يعملون في صناعة الموسيقى مثل «نابستر» ساهموا في انتشار انتهاك حقوق الملكية الفكرية. وإحدى الحالات الشهيرة تتعلّق بمجموعة «رادلايت» (RadLight)، وهي مجموعة صغيرة من المطورين مقرها سلوفاكيا وتنتج مشغل وسائط متعددة يمكن تحميله من الإنترنت متضمنا برنامجين هما «نيو دوت نت» (New.Net) و«سيف ناو» (SaveNow). ويقول إيغور جانوس، مطور «رادلايت» إنه قرر أن يضمن هذين البرنامجين بعد أن أدرك أن الزبائن لا يدفعون لمنتجه بشكل طوعي. ويضيف: «في نوفمبر 2001 قدمنا تصميما تشاركيا مجانيا، ومنذ ذلك الحين لم يسجل سوى 45 مستخدما فقط بمبلغ مجموعه 450 دولارا، وبالنسبة لمجموعتنا فإن هذا المبلغ لا يكفي بأي حال من الأحوال لإدارة عمل حقيقي». لذلك فهو يحصل على العوائد من منتجي برنامج «نيو دوت نت»، وهو برنامج يقوم ببيع أسماء نطاق جديدة تنتهي بالمقاطع mp أوxxx، و«سيف ناو» الذي يقوم بفتح نوافذ إعلانية. وتقوم هاتين الشركتين بالدفع لجانوس لقاء تضمين البرنامجين في المنتج «رادلايت».

ويقول جانوس إنه تعتقد بأنه قد تم إعلام المستخدمين بأنهم يحملون «سيفناو» و«نيو دوت نت»، لكنه ليس خطأ شركته بأي حال من الأحوال إذا لم يقرأ المستخدم اتفاقية الترخيص. وهو يقول: «لا يمكن أن نضع اللوم على «رادلايت» أبدا». وكذلك فقد قام جوناس وفريقه مؤخرا بإضافة وظيفة لبرنامجهم تقوم بالبحث عن برنامج «آد ـ أوير» الشهير من «لافاسوفت» ( LavaSoft"s Ad-aware) والمتخصص بمكافحة برمجيات التجسس، من أجل حذفه، مثلما قد يقوم فيروس ما بالبحث عن برنامج مضاد للفيروسات وحذفه، يقول جوناس: «إذا كانت »لافاسوفت «محقّة وكانت برامجي خطرة، فإنني أحب أن أرى الدليل، وحتى ذلك الحين فإنني أعتبر «آد ـ أوير» مزيل برامج غير شرعي».

ويقول هيلان: «المشكلة في معظم البرامج الإعلانية هي أن منتجيها يعلمون أن مستخدمي البرامج الشائعة مثل »رادلايت« لا يقرأون التحذيرات أو اتفاقيات الترخيص خلال عملية تثبيت البرنامج». إنها الاستراتيجية التي تغضبه. ويضيف واصفا منتجي تلك البرامج: إنهم طفيليات في جسم الإنترنت. ويصل الأمر إلى حد ألا تعلن بعض البرمجيات الإعلانية عن وجودها; إنها ببساطة تخفي نفسها في القرص الصلب وتعيد توجيه مستعرضات الويب لعرض الإعلانات وإحداث الفوضى العامة على الكومبيوتر. ويقول آفي نيدر، الرئيس التنفيذي لشركة «وين يو» (WhenU) المنتجة لبرنامج «سيف ناو»: «تلك هي البرامج التي تعطي البرامج الإعلانية ككل سمعة سيئة». ويدافع نيدر عن برنامجه باعتباره أداة تقدّم الإعلانات بضع مرات في اليوم اعتمادا على مواقع الويب التي يزورها المستخدمون ومفردات البحث التي يدخلونها في مستعرضات الويب، على حد قوله. ويضيف نيدر: «إنه مصدر إحباط كبير بالنسبة لنا ألا يقرأ المستخدمون اتفاقية الترخيص الخاصة بنا وألا ينظروا إلى ما نفعله ومن ثم يضعوننا جنبا إلى جنب ومن دون تمييز مع غيرنا من الشركات التي لا تلتزم بمعاييرنا المتعلقة بالخصوصية». ويقول نيدر البالغ من العمر 30 عاما إن ثلة قليلة من مستخدمي «سيف ناو» اشتكوا من البرنامج، وأن شركته لم تجمع أية معلومات عن مستخدميه. ويضيف: «عندما تجمع كلّ البرمجيات الإعلانية معا وتصفها بأنها برمجيات تجسسية فأنت تدمر منتجي البرمجيات المجانية الذين يطمحون إلى تحقيق نموذج للربح القانوني الذي يحمي المستخدمين في الوقت ذاته». أما سكوت إيغل، مدير التسويق في شركة «غيتر» Gator منتجة أحد البرامج التي وجدتها بازدان على جهازها، يقول: «في حين أن البرمجيات الإعلانية قد تكون غير منتشرة إلا أنها تؤدي الغرض». وتساعد برمجيات «غيتر إي واليت» (Gatore Wallet) الناس على تذكر اسم المستخدم وكلمة المرور لمواقع الويب مقابل استقبالهم لنوافذ الإعلانات. ويقول إيغل: «تعتبر شركة «غيتر» داعما قويا للبرمجيات المجانية المعتمدة على الإعلانات، وهو ما يمنح منتجي البرمجيات عائدا مستمرا ويتيح لهم التركيز على تطوير برمجيات جميلة مجانية يحبها المستخدمون».

لكن إيغل يقول: «ليست كل البرمجيات الإعلانية متكافئة، ودعونا نضع البرمجيات الإعلانية الجيدة جنبا إلى جنب مع تلك التجسسية وتلك الإعلانية غير المرغوب فيها (التي لم يطلبها المستخدم)، وهي عادة برامج ليس لديها أية قيمة أو فائدة للمستخدم تتجاوز عرض الإعلانات، ولا يعلم المستخدمون أنها لديهم، وتتسم بصعوبة إزالتها غالبا; فهذه هي البرامج التي يجب الخوف منها».

واحتج مناوئو البرمجيات الإعلانية هذا الربيع عندما علموا أن البرنامج الإعلاني الذي يعرض إعلاناته بالأبعاد الثلاثية «آلت نت» (AltNet) قد جُمع مع برنامج «كازا» (KaZaA). وقد أنتجت ذلك البرنامج شركة التقنيات الإعلانية «برلينت ديجيتال إنترتينمينت» (Brilliant Digital Entertainment) التي تتخذ من وودلاند هلز بولاية كاليفورنيا مقرا لها، والتي منحت الترخيص لتقنية تبادل الملفات لبرنامج «كازا».

وشركة «برلينت ديجيتال» جزء من «شارمان نتووركس» (Sharman Networks)، وهي شركة أسترالية اشترت برنامج «كازا» في مايو الماضي بعد أن أعلنت شركة «كازا إن في» (KaZaA NV) الهولندية عن إفلاسها. وتقول الشركة المفلسة إنها أغلقت أبوابها بعد أن عانت من شحّ الموارد الضرورية لحماية نفسها ضد التحديات القانونية التي تمارسها استوديوهات «هوليوود» ولتسجيل الملصقات.

لكن الخدمة والبرامج المشابهة تبدو متمكنة من البقاء وذلك لكون التقنيات والبنى التحتية التي قامت عليها شركة «كازا» تتميز بكونها ذات أساس متين في عالم تبادل الملفات.

وقد صممت «برلينت ديجيتال» برنامجها «آلت نت» لتنشط نفسها تلقائيا على الكومبيوترات التي تشغل «كازا» متى ما تلقى «آلت نت» إشارة من الشركة. ورغم أن الشركة أوضحت أن هذا التنشيط سيحدث فقط بإذن المستخدم، فإن مستخدمي «كازا» شعروا بالضيق مما اعتبروه انتهاكا لخصوصياتهم.

وبالنسبة لبازدان، فقد قالت إنها ستكون أكثر حذرا عندما تقوم بتحميل برامج من الإنترنت. لكن حتى هذا السلوك قد لا ينجح في بعض الأحيان. وتقول بازدان: «لقد كانت لي تجربة أخرى مع البرمجيات التجسسية، إذ قمت بتحميل برنامج من الإنترنت، لكن وحتى قبل أن أستخدمه امتلأت الشاشة بالكثير من الأخطاء، خطأ في كل ثانية». البرنامج الذي تم تعريفه على أنه خال من البرمجيات الإعلانية كان يحتوى على ثلاثة برامج إعلانية خفية.

تقول بازدان في النهاية: «أظنني قد تعلمت الدرس».

*نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»