تشجيع الأطفال وتدريبهم على استخدام آلات التصوير الرقمية يساعدان على توسيع آفاقهم

في الولايات المتحدة مدارس خاصة لتدريب الأطفال على كيفية الاستفادة من هذه الآلات

TT

مثل العديد من الأطفال، تهوى راينون غيل التقاط الصور. وتحاول أمها، سو غالين، دائما أن تشجعها بأن تدعها تلتقط صورة أو اثنتين بواسطة كاميرا العائلة الفيلمية من وقت لآخر. ومنذ سنتين قامت غالين بشراء كاميرا فيلمية عادية لابنتها بمناسبة عيد ميلادها الحادي عشر، ولكنها أخبرتها بأنها ستتحمل هي تكاليف تحميض الأفلام وطبعها. وصار بإمكان راينون أن تتجول بحرية في مزرعة العائلة في وينونا بولاية مينيسوتا، حيث تلتقط الصور للأبقار والماعز والدواجن والحيوانات الأخرى. كان الفيلم يُستنفد سريعا، لكن ولكونها صغيرة السن فإن الصور التي تحصل عليها كانت بالكاد جيدة، وبهذا كانت راينون تفقد نقودها وبالتالي تخبو جذوة حماسها.

بعد عدة أشهر، اشترت غالين لنفسها كاميرا «مافيكا» الرقمية من سوني (SonyMavica) بسعر 475 دولارا. وبرغم بعض المخاوف الناتجة عما يمكن أن يسببه وضع جهاز غالي الثمن بين يدي طفل، قررت غالين أن تسمح لابنتها راينون باستخدام الكاميرا الرقمية الجديدة، وبينت لها كيف يمكن أن تنظر لكل صورة بعد أن تلتقطها باستخدام شاشة البلور السائل (LCD) وكيف تتخلص من الصور غير الجيدة. وتقول غالين: «لقد بدأت راينون بعمل أشياء جيدة حقا بالكاميرا، لا يهم الفشل مادام بإمكانها أن تحذف الصور غير الجيدة وتتخلص منها على الفور بضغطة على زر الحذف (Delete). بعد ذلك، قامت غالين بشراء كاميرا رقمية أصغر لنفسها. وأعطت كاميرا «مافيكا» لراينون، بشرط أن تسمح لإخوتها الأصغر سناً باستخدامها، بمن فيهم أختها ستيفاني البالغة من العمر 6 سنوات.

ومثل الكثير من التقنيات الإلكترونية، لم تعد الكاميرات الرقمية للكبار فحسب، وإنما أصبحت مناسبة لأفراد العائلة الصغار أيضًا، إذ يستخدمها الأطفال لالتقاط الصور أثناء لعبهم مع العائلة والأصدقاء، كما يستخدمونها في المدارس كأدوات لتعلم التصوير. ويستخدم بعض الأطفال، مثل راينون، كاميرات متطورة يتم شراؤها خصيصا أو إعطاؤها لهم من قبل آبائهم. أما البعض الآخر، وخصوصا الأطفال الصغار فيستخدمون طرازات الكاميرات رخيصة الثمن والمنتشرة بكثرة. ومثلما غيرت الكاميرات الرقمية الكثير مما يتعلق بالتصوير بالنسبة للكبار، فعلت الشيء نفسه مع الصغار، وذلك بتحريرهم من القيود المالية والجسدية المترتبة على التعامل بالأفلام. ولكن هل كانت كل التغييرات للأفضل؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه.

لنأخذ شاشة البلور السائل وزر الحذف على سبيل المثال. بالنسبة للكثير من الأطفال، ومن بينهم راينون، فإمكانية مشاهدة الصورة فورا بعد التقاطها وحذفها إذا لم تعجبهم، تساعدهم في التغلب على القلق الناجم عن مسألة أن الصور الرديئة هي خسارة للمال. تقول غالين «بمجرد أن تحصل على كاميرا رقمية، سيزول عامل الخوف من خسارة المال وستحصل على الكثير من الإبداع».

وتقول فاطمة نيجيم، المديرة التنفيذية لمركز بالم بيتش الفوتوغرافي في ديلراي بيتش بولاية فلوريدا إن المعاينات الفورية للصور في الكاميرات الرقمية جعلت التصوير أكثر جاذبية للأطفال. وقد بدأ هذا المركز، الذي يوفر صفوفا دراسية لكل من الكبار والصغار، باستخدام كاميرات كانون (Canon) الرقمية منذ خمس سنوات. وتضيف نيجيم: «أدركنا أنه باستخدام الكاميرات الرقمية سيستمتع الأطفال فورًا بالنتائج، ويحصلون على ملحوظات فورية من المدرس عن التركيب والإضاءة وكل النواحي التي من شأنها أن تعطي صورة جيدة». لكن بالنسبة لنانسي فروهليتش وشان كاربينتر، اللذين يدرسان التصوير في نوادي الشباب بعد المدرسة من خلال جمعية غير هادفة للربح في سياتل تدعى «آرتس كوربس» (ArtsCorps)، فإن زر الحذف يمكن أن يكون مزعجا. ورغم أنها وكاربينتر سعيدان جداً بكاميراتهما الرقمية وأنهما منذهلان من جودة عمل التلاميذ، إلا أن فروهليتش تقول: «العيب في الكاميرات الرقمية يتمثل في إمكانية حذف الصور». يأخذ التلاميذ كاميرات المركز معهم إلى البيت، وهي كاميرات DCs من كوداك التي تعتبر أرخص ما أمكنهم إيجاده من الكاميرات التي تأتي مع شاشة البلور السائل (ثمنها حاليا 180 دولارا)، ويكون عليهم أن يلتقطوا 30 صورة على الأقل لعائلتهم أو لأصدقائهم أو للأماكن المفضلة لديهم. لكن قد يرجع الطفل وقد التقط القليل من الصور في بعض الأحيان. تقول فروهليتش: «تأتي الطفلة لتقول انها التقطت 30 صورة لكنها قامت بحذفها كلها وأبقت على اثنتين فحسب».

وبالنسبة لهؤلاء التلاميذ، فقد تنتقل تلك الأفكار القديمة عن الكاميرات الفيلمية، وخصوصا تلك التي تستعمل مرة واحدة، إلى الكاميرات الرقمية. وتعلق فروهليتش بقولها: «يظن بعضهم أن عليهم أن يملأوا الكاميرا بالصور مرة واحدة وينتهي كل شيء»، وتضيف: «هذا أمر مُسلَم به، وبالتالي فنحن ننسى أن نتحدث معهم حول هذا الشأن».

الكاميرات الأقل سعرا مثل «جام كام» (Cam Jam)، وهي كاميرا الموجهة للأطفال من شركة «كيه بي غير إنترآكتيف» (KBGearInteractive) التي يبلغ سعرها 50 دولارا تقريبا، لا تحتوي على شاشة LCD، وذلك يلغي إمكانية حذف الصور من الكاميرا بالطبع، ولكنه أيضا يلغي بعضا من الميزات الفورية (رغم أنه سيظل بإمكانهم أن يحملوا الصور على الكومبيوتر للحصول على صور بسرعة أكبر من تحميضها وطباعتها).

وهناك عيوب أخرى للكاميرات الرخيصة، وخصوصا الجودة الأقل والأداء الرديء في الأماكن الأقل إضاءةً مما ينبغي. وتقول غالين إنها قبل أن تشتري «مافيكا» ذات 1.3 ميغابيكسل، كانت قد اشترت لأطفالها كاميرا باربي الرقمية (Barbie) بخمسين دولارا وبربع الكثافة النقطية. وأضافت غالين: «لقد استمتعوا باستخدامها، لكن لم يكن هناك ما يستحق الطباعة، إذ لم يكن لدى تلك الكاميرا الكثير مما تبدعه». وبمجرد أن يتم تحميل الصور الرقمية للكومبيوتر ستكون جاهزة للقص وإعادة التلوين وأن يتم تعديلها على أي نحو باستخدام برنامج لتحرير الصور مثل «فوتوشوب». وتقول ليندسي سميث التي تُدرس فصول التصوير الرقمي في متحف مانهاتن للأطفال (ChildrensMuseum) «إن مثل هذه البرامج تشجع الأطفال ليكونوا أكثر إبداعاً، وهي تسمح لهم أن يستكشفوا أكثر، ولن يكون عليهم أن يفكروا كثيرا بخلفية الصورة أو بالمكونات أو بالإضاءة، فهم يعرفون أنه يمكنهم أن يرجعوا إلى مختبر الصور».

وتقول فروهليتش إن خاصية التغييرفي الصور ستقل في نهاية الأمر، وتضيف: «في البداية يقوم التلاميذ بالكثير من عمليات المعالجة". وذكرت تلميذا يقوم باستعمال كل المرشحات (الفلاتر) المتاحة في برنامج تحرير الصور «فوتوشوب» ويطبقها على الصورة نفسها ثم يقوم بطباعة كل تأثير وحده. تقول فروهليتش: «لكن بينما يكمل التلاميذ فإنهم يريدون فقط أن يطبعوا صورهم ويشاهدوها، ثم يستخدمون البرنامج في النهاية لتعديل عيوب الكاميرا، مثل الخلفيات غير الواضحة (المضببة blurring) لكون الكاميرات الرقمية ومع العمق المتاح في مجالها، تميل إلى إبقاء كل شيء في المركز البؤري لها.

ويقول جويل غلاسمان، معلم التصوير في مركز أرموري للفنون في باسادينا، بولاية كاليفورنيا، وفي مدرسة ثانوية في سان مارينو المجاورة: «على أية حال، تبقى المعامل الرقمية والكاميرات الرقمية مجرد أدوات فحسب، فأخذ الصور الرقمية هو تماما مثل النظر من خلال كاميرا بولارويد الفورية، إذ لا يمكن أن تلتقط كمية كافية منها». ويضيف: «على الأطفال أن يتعلموا الأساسيات، فالتقنية موجودة، لكن الشيء المطلوب هو مساعدتهم على التفكير بطريقة مبدعة، وهذا هو التحدي».

ويعرف الدكتور هولاند جون هذا أيضا، من خلال تجربته مع ابنته آمبر البالغة من العمر 8 سنوات. فقد بدأ الدكتور جون وهو طبيب في سان ماركوس بولاية تكساس استخدام الكاميرا الرقمية منذ ثلاث سنوات، إذ اشترى كاميرا من نوع أوليمبوس (OlympusDR) ذات كثافة نقطية قدرها 1.3 ميغابيكسل. ثم ومنذ سنة قام بشراء كاميرا رقمية ذات جودة أفضل وأعطى الكاميرا القديمة لابنته آمبر وهي تستخدمها الآن باستمرار. يقول الدكتور: «أحيانا تلتقط صورا جميلة حقا. وبالطبع، فلأن عمرها 8 سنوات تظن أن الصور الأخرى جميلة أيضا». دكتور جون ليس متأكدا من أن التقاط الصور بالكاميرا الرقمية يُحدِث اختلافا كبيرا، ويعلق قائلا: «الأمر الأهم عند التقاط صورة جيدة هو الشخص الذي يحمل الكاميرا».

ولأن أسعار الكاميرات الرقمية ذات الجودة العالية تستمر بالانخفاض أكثر فأكثر سيستطيع الأطفال بالتالي استخدامها. وستنتشر المعامل الرقمية في أي مكان يتم فيه تعليم التصوير. لكن على النقيض من ذلك، فربما تحتفظ معظم المدارس والبرامج الدراسية بمعاملها المظلمة ويلتقط الطلاب صورا بالأبيض والأسود ليحمضوها فيها. في تلك المعامل المظلمة، ذات الطابع الكيميائي الذي يحول الورقة الفارغة إلى صورة، غموضٌ لا يمكن أن تجده في أجهزة الكومبيوتر.

تقول نيجيم من مركز «بالم بيتش» الفوتوغرافي: «يواصل مجلس إدارتنا القول إنه ينبغي علينا أن نوقف عمل المعامل المظلمة ونعتمد على معمل الكومبيوتر»، لكن الكومبيوترات أصبحت شيئا اعتياديا يوميا، وبالنسبة للصغار ليس هناك أي سحر فيها، لكن السحر يوجد في تلك المعامل المظلمة».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»