أعطني ربع كيلو برامج لو سمحت!

وليد الأصفر

TT

حكاية غريبة عجيبة حصلت مع أحد أصدقائي وأحب أن أقصها عليكم. والقصة يا سادة يا كرام، أن أحد أصحاب الشركات التجارية العاملة في إحدى الدول العربية كان يستخدم الكومبيوتر في أعماله منذ سنوات وفي مجالات مختلفة، بحيث أصبحت لديه خبرة لا بأس بها. إلا أنه كان يعاني من مشكلة تتمثل في التعامل مع نوعية معينة من الملفات، كان يضطر لإدارتها يدويا باستخدام الكومبيوتر مع انها تشكل جزءا هاما من عمله، وكانت هذه العملية نقطة سوداء في سجل تقنية المعلومات الأبيض التي يفتخر به في شركته. وحصل أنه بث شكواه هذه إلى صديق لي محترف بالبرمجة ومتمرس بها، وذي عقلية متفتحة ولماحة، ورجاه أن يحاول أن يكتب له برنامجا لحل مشكلته.

طلب صديقي منه أن يترك له الأمر مدة، عله يخرج له بدواء لمصابه. وبالفعل فقد صمم له صديقي بعد بضعة أيام أداة برمجية متميزة وسلمها لصاحب الشركة ليجربها. طار ذلك الرجل إلى شركته ليجرب الأداة الجديدة، وأوسعها تجربة وفحصا، إلى أن وجد أنها كانت هي ضالته، وفيها الخلاص من مصيبته. فعاد إلى صديقي هاشا باشا، لا يكاد يسعه السرور، ووجهه ينير بالسعادة والحبور. إلى أن جاءت لحظة الحساب.

احتار صديقي فيما يطلب، فالرجل أغدق عليه من عبارات المدح والشكر والاعجاب ما أثقل بها معنوياته، ولم يبق سوى أن يعبر عن سروره عمليا بما يثقل جيوبه. ففكر وقدر وقرر أن يرضى بالقليل، وبدلا من أن يطلب خمسمائة دينار كمبلغ معقول، اكتفى بمائتين فقط لا غير، حتى تزداد سعادة ذلك التاجر عند دفعه لذلك الملبغ الزهيد. وكانت المفاجأة.

فقد اكفهر وجه التاجر، بما أرعب صديقي الشاطر، وقال له «ماذا تقول؟ ومقابل ماذا ترديني أن أعطيك هذا المبلغ غير المعقول؟» فأجابه «مقابل ذلك البرنامج الذي حل مشكلة شركتك». وكان الرد الصاعق «ولكن برنامجك لم يزد حجمه عن 24 كيلوبايت فقط لا غير»، وكان الرد السريع «وهذا أدعى لسعادتك، فكم تظن من المبرمجين يستطيع حل مثل مشكلتك بهذا الحجم الصغير من البرمجة، إن هذا وحده يستحق المكافأة». لم يعجب هذا الكلام التاجر الذي سارع قائلا «اسمع 24 كيلوبايت تعني 24 دينار، ولمهارتك فسأجعلها 25، ولا داعي لزيادة الكلام». صدم صديقي صدمة شديدة لما سمع، فما «تكرم» به عليه التاجر لا يزيد عن ربع ما طلبه منه، والذي هو أصلا أقل مما يستحقه. فحاول وناضل، إلى أن استطاع أن يرفع المبلغ إلى 75 دينارا، وهو يتحسر على ما آلت إليه البرمجة والمبرمجين في العالم العربي، وتساءل هل كان سيلقى نفس المعاملة لو كان أشقر الوجه أزرق العيون ويحمل لقب خبير أجنبي؟

انتهت الحكاية ولن أزيد، وأترك لكم الاعتبار يا أولي الأبصار.

[email protected]