عندما يبصر الكومبيوتر سيتمكن من قيادة السيارة وسيمنع سقوط الأطفال في المسبح

شركة أمريكية تطور تقنيات تمنح الكومبيوتر القدرة على الإبصار اعتمادا على رقائق إلكترونية قادرة على إتمام 50 مليار عملية حسابية في الثانية الواحدة

TT

مضت ستة وثلاثون عاما على تلك الحفلة التي نُظمت في « ستانفورد آرتيفيشال إنتيليجنس لابوراتوري» أو مختبر «ستانفورد» للذكاء الاصطناعي (nStanford Artificial Intelligance Laboratoryf) التي قامت خلالها ذراع آلية تجريبية بمحاولة صب أقداح الشراب من تلقاء نفسها. وفي ذلك الوقت سخر علماء الكومبيوتر في مختبر « ستانفورد» من مدعاة الإنفاق على نادلهم المنحوس الذي لم تستطع شريحة معالجه القديم مواكبة سرعة نظام الرؤية البدائي فيه. ويعتبر منح الأجهزة القدرة على الرؤية جهدا مستمرا تطور إلى حد بعيد منذ ذلك الحين، ولربما كان أشهر مثال على ذلك هو المركبة الاستكشافية التي قادت نفسها بنفسها على سطح المريخ في عام 1997.

والآن، ومنذ مشهد التجربة الفاشلة لصب أقداح الشراب، تعمل شركة أحد الطلبة السابقين المتخرجين من «ستانفورد» واسمها « تيزيكس» (Tyzx)، في تقنية الرؤية بالكومبيوتر التي أريد لها أن تكون متطورة بما فيه الكفاية، ولكن بتكلفة معقولة، لتجد طريقها في تطبيقات الحياة اليومية. وربما تتضمن الأمثلة نظام إنذار رخيص الثمن يراقب المسابح ويعطي الوالدين إنذارا إذا ما اقترب أحد الأطفال الصغار كثيرا من الماء، أو لعبة فيديو يمكنها السماح لشخصين عن بعد بمحاكاة مباراة في الملاكمة. وبمسألة الأمن العام التي أضحت ملحّة هذه الأيام، قد تكون أنظمة المراقبة التي تكشف المشتبه بهم في الزحام ضرورية بالنسبة لقوات الشرطة، بصرف النظر عن قضايا الرقابة التي تعرف عادة باسم «الأخ الأكبر».

ويرى د. جون وودفيل، أنه باماكنهم إنشاء صور ثلاثية الأبعاد بسرعة وكلفة زهيدة وبقليل من الطاقة، وهو عالم كومبيوتر يبلغ من العمر 42 عاما، ومؤسس مشارك في « تيزيكس» ويعمل في التقنية منذ عام 1990 عندما كان طالبا في مرحلة التخرج. وكغيرها من الشركات المهتمة بإيجاد تطبيقات تجارية خاصة بالأجهزة التي يمكنها الرؤية، تستفيد « تيزيكس» من التطور المستمر لرقائق السيليكون التي أصبحت أقوى وأرخص ثمنا. ويقول إيريك غريمسون، عالم الكومبيوتر في معهد ماساشوسيتس للتقنية (Massachusetts Institute of Technology) : « كانت أنظمة الرؤية المتزامنة ثلاثية الأبعاد تمثل حلما لموضوع الرؤية بالكومبيوتر منذ ستينات القرن الماضي، ولقد تطلب الأمر وقتا طويلا للوصول إليها». وتعمل في مختبرات « تيزيكس» مجموعة من الباحثين الذين يضعون اللمسات النهائية على نظام رخيص التكلفة يعطي صورا متزامنة ثلاثية الأبعاد. وتتحرك سلسلة من النقاط الدائرية الملونة على شاشة محطة كومبيوتر طرفية ممثلة مشهدا طوره الكومبيوتر ليحاكي من الأعلى حركة خمسة أشخاص يدورون حول الغرفة، كما تُظهر نافذة منفصلة على الشاشة مشهدا جانبيا للغرفة نفسها وثالثة تُظهر الغرفة من الأمام. وإذا تعانق اثنان من الأشخاص أثناء الحركة، تستطيع نظام « تيزيكس» تحديد كل شخص منهما وتعقبه بشكل صحيح حال انفصالهما عن بعضهما. ونظام « تيزيكس» هذا مبني على الرؤية المجسمة، إذ يتم تثبيت كاميراتين رخيصتي الثمن بشكل جيد لتغطية زاوية معينة، وتوصلان بوساطة قناة توصيل سريعة للبيانات ببطاقة معالجة مثبتة في جهاز كومبيوتر شخصي عادي. وتعمل الشركة الآن في عملية اختصار النظام برمته في رقيقة إلكترونية واحدة، وهو التطور الذي ربما من شأنه أن يتيح الحصول على رؤية مجسمة متزامنة.

وقد جذب التطوير الذي قامت به « تيزيكس» اهتمام عدد من الباحثين في مجال الإبصار بالكومبيوتر. إذ يقول تاكيو كانادي، أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة « كارنيجي ميلون» الذي يعتبر رائدا في مجال الرؤية بالكومبيوتر: «تعتبر الرؤية المجسمة نظريا مسألة بسيطة للغاية، لكنها عند التطبيق دقيقة جدا". وفي عام 1995 قام فريق من الباحثين يعمل مع د. كانادي بتزويد سيارة نقل صغيرة أو « ميني فان» بنظام رؤية مكّن أجهزة قيادة آلية مثبتة في السيارة من القيام بجميع حركات السائق تقريبا في رحلة من مدينة بيتسبيرغ إلى سان دييغو. ويقول د. كانادي إنه فوجئ بتمكن الباحثين في « تيزيكس» من تطوير مسألة الرؤية المجسمة وتخفيض كلفتها عبر مكاملة كافة الوظائف» في رقيقة سيليكونية واحدة.

إنجاز « تيزيكس» في تمكين الأجهزة من الرؤية واضح تماما في الأحرف الأربعة لاسمها، فالحرف T يمثل الزمن (Time) والحرفان X وY يرمزان إلى العرض (Width) والارتفاع (Height)، أما الحرف Z فيمثل العمق (Depth). ويتشكل مفهوم العمق، في نظام « تيزيكس» عند مقارنة صورتين وحساب الإزاحة الدقيقة الحاصلة في كل صورة بالبيكسل، وهو أصغر عنصر تتكون منه الصورة.

وأصعب ما في الأمر هو مقارنة الصورتين وتحديد النقاط المتماثلة بشكل موثوق في الوقت الذي تتحرك فيه الصور بسرعة تبلغ 132 إطارا مجسما في الثانية. ولتحقيق هذا الأمر ضمّن الباحثون الرقائق الإلكترونية لنظام خوارزميات (لوغاريثميات) أو معادلات رياضية فائقة التطور.

وبمجرد أن يتم تحديد مكان النقطة (البيكسل) نفسها في كل صورة من الصورتين، يجعل حساب معامل المسافة الفاصلة بين الكاميرتين بالإمكان تكوين الصورة المجسمة بكثافة نقطية تستطيع التفريق ما بين الأجسام والفراغات لحجم يصل إلى مليمتر واحد.

ويتطلب هذا المستوى من الأداء أن تكون الرقائق الإلكترونية قادرة على إتمام 50 مليار عملية حسابية في الثانية الواحدة، وأن تنتقل البيانات من الكاميرتين إلى المعالج بسرعة 220 مليون نبضة (bit) في الثانية. كانت إمكانات الكومبيوتر لبضع سنوات خلت تتطلب وجود كومبيوتر خارق أو سوبر كومبيوتر لأداء تلك المهمة.

وبعد أن غادر د. وودفيل الجامعة عام 1992 إثر نيله شهادة الأستاذية في علم الرؤية بالكومبيوتر، توجه للعمل كمستشار في « إس آر آي إنترناشيونال» (SRI International)، مركز الأبحاث الواقع في مينلو بارك بولاية كاليفوريا، والذي يشتهر بريادته في مجال الرؤية الإلكترونية خلال ستينات القرن الماضي. ومن هناك انتقل د. وودفيل عام 1993 إلى « إنتيرفال ريسيرتش» (Interval Research) وهو مركز كومبيوتر للأبحاث والتطوير في بالو آلتو، أسسه كل من بول ألين، الشريك المؤسس في مايكروسوفت، وديفيد ليدل، عالم الكومبيوتر السابق في مركز أبحاث بالو آلتو التابع لشركة « زيروكس» (Xerox Palo Alto).

لاحقا، قام مركز « إنتيرفال» بمقاضاة مركز « إس آر آي» متهمة إياه بسرقة تصاميم وودفيل البرمجية، وقد جرت المحاكمة في صمت، في ظل رفض مديري المركزين التعليق على مجرياتها. ويقول البعض ممن هم على اطلاع بشؤون التقنية إن البرمجيات أخذت طريقها عبر نماذج لمركبة مريخية صممت من قبل « إس آر آي».

وتتطلع « تيزيكس» حاليا إلى تطبيقات تجارية ستساعد في تمويل إتمام عملية انكماش وتصغير تقنيتها. وقد تكون استعمالات مثل الكشف عن سرقات المحال التجارية أمورا ممكنة التطبيق. ويمكن للمسوقين إيجاد استخدامات أخرى على كل حال، وهو السبب الذي يدعو بعض مناصري حماية حقوق الخصوصية إلى مراقبة التطورات الحاصلة في مسألة الإبصار أو الرؤية الكومبيوترية بشيء من الشك والقلق. واحد من هذه الجماعات هو مركز الخصوصية والمعلومات الإلكترونية (Electronic Privacy and Information Center) وهو جمعية ناشطة في واشنطن تقوم بحملات مناهضة لاستخدام كاميرات المراقبة.

ويتمثل خوف تلك الجماعات من إمكانية أن يتيح استخدام نظام « تيزيكس»، والمسمى « ثري دي أوير» (3D-Aware) للمحلات التجارية أن تتتبع زبائنها وتجمع عنهم كل أنواع المعلومات التي قد تتسم بكونها إقحامية وفضولية. ويقول مارك روتنبيرغ، مدير جماعة الخصوصية الإلكترونية معلقا: « إن المسألة دائما هي: من الذي يقف خلف الكاميرا؟».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»