هل الاستشارات الطبية عبر البريد الإلكتروني هي أيسر الطرق للوصول الى الطبيب؟

البريد الإلكتروني جسر يضيق الفجوة بين الطبيب والمريض وتبنيه سينتشر بين الأطباء بسرعة عندما ينضم لهم أطباء شباب

TT

د. آدم شنايدر طبيب باطني يسكن في أوستن بولاية تكساس، وهو ماهر في استخدام الكومبيوتر بشكل يقل نظيره بين الأطباء. ويستخدم شنايدر كومبيوتر «آي باك» الكفي من «كومباك» للوصول السريع إلى المواد المرجعية والسجلات الطبية ولتصفح الإنترنت. ولديه في المنزل ثلاثة أجهزة كومبيوتر وهو الوحيد الذي يقوم بإدارتها لعمله الخاص. لكن شنايدر البالغ من العمر 36 عاما، قد وضع حدا للتواصل الإلكتروني مع المرضى، فعندما يسألونه عن عنوان بريده الإلكتروني يعرض عن منحهم إياه مدعيا أنه يفضل الاتصال عن طريق الهاتف. يقول شنايدر: «هناك الكثير من المتغيرات التي تبرز عند استخدام البريد الإلكتروني، ذلك بعكس استخدام جهاز الهاتف، فالبريد الإلكتروني برأيي ليس فعالا مثل الهاتف».

ومثلما أصبح استخدام الإنترنت شيئا عاديا هذه الأيام، فإن بعض الخبراء يدعمون استخدام البريد الإلكتروني كطريقة مبتكرة للتواصل بين الأطباء والمرضى. والكثير يراه جسرا يضيق الفجوة المتسعة في التواصل بمهارة وسهولة. وفي الحقيقة، قام الكثير من الأطباء بإضافة بريدهم الإلكتروني اليومي. لكن التوقعات اصطدمت بصخرة الواقع، فقد ظهر أنهم أنفسهم غير متحمسين لتبادل البريد الإلكتروني مع المرضى. وطبقا لنتائج دراسة قامت بها «هاريس إنترآكتيف» (Harris Interactive) في إبريل (نيسان) الماضي، فإن 90 بالمائة من المرضى يودون تبادل البريد الإلكتروني مع أطبائهم في حين أن 15 بالمائة فحسب من الأطباء سيفعلون ذلك. إذ إن هموم الأطباء عديدة في هذا الشأن، فبعضهم قلق من المخاطر التي تترصد سرية العلاقة بين الطبيب ومرضاه وخصوصيتها، بينما يعتبر آخرون أن تتبع الرسالة الإلكترونية قد يزيد من احتمال تعرضهم للمساءلة القانونية. وتذهب هموم البعض الآخر إلى قلب الممارسة الطبية في زمن الرعاية الكاملة التي توفرها المؤسسات الصحية، عندما يجد الأطباء أن الوقت المخصص للمرضى يقل بصورة متزايدة وأن المقابل المادي ينخفض. يقول بعض الأطباء إن إعطاء بريدهم الإلكتروني للمرضى يمثل دعوة للمشاكل وزيادة في المشاغل المثقل بها يومهم أصلا، وإذا تم التجاوب بتعاطف مع المرضى فإن هذا يمكن أن يسقطهم أمام تيار جارف من الطلبات والأسئلة.

يقول د. نورمان شينفين البالغ من العمر57 عاما وهو مدير طبي لعيادة في أوستن: «هناك فرصة واضحة للمريض كي يستحوذ على وقت الطبيب، كما أن هناك احتمالا لوجود اختلاف بين توقعات المريض واستجابة الطبيب له». لكن الأطباء الذين يتبادلون الرسائل الإلكترونية مع المرضى يقولون إنه بينما يدركون بعض تلك المخاوف، إلا أن أي منها لم تصادفهم في عملهم. فمثلا يتبادل الدكتور ريتشارد باركر، البالغ من العمر 45 عاما، والذي يتدرب في مركز طبي في بوسطن، البريد الإلكتروني مع المرضى منذ ثلاث سنوات تقريبا. ويقول إنه يتلقى في اليوم العادي من ست إلى عشر رسائل إلكترونية من المرضى وأن الأمر يستغرق دقيقتين للرد على كل واحدة، وهذا بالمقارنة مع عشر اتصالات هاتفية يوميا يقضي في كل واحدة منها ما معدله 3 إلى 5 دقائق، ولا يتضمن ذلك الوقت الذي يذهب في التحية والشكر والوداع. يقول باركر: «إنه توفير كبير بالوقت دون شك، وإذا لم يكن كذلك لما قمت به أنا أو أي طبيب آخر».

ويشير العديد من الأطباء الذين يقومون عادة بتبادل البريد الإلكتروني مع المرضى إلى أن مرضاهم لا يهملون رسائلهم. ومن هؤلاء د. دانيل ساندز البالغ من العمر 40 عاما، وهو أستاذ مساعد في مدرسة «هارفرد» الطبية حيث يتعلم الاتصال الإلكتروني بين المرضى والأطباء، يقول ساندز: «من الاعتقادات الخاطئة أن يقوم المرضى بإرسال الرسائل الإلكترونية في كل الأوقات»، مشيرا إلى أن لديه 600 مريض يتبادل نحو 20 بالمائة منهم البريد الإلكتروني معه بمعدل رسالة واحدة يوميا. ويمكن ألا يمثل الكومبيوتر طريقة مرغوبا بها لتقريب الأطباء من مرضاهم، لكن الأطباء الذين يستخدمون البريد الإلكتروني يقولون إن البقاء على اتصال إلكتروني مع المرضى يؤدي بالنتيجة إلى ذلك التقارب. ويقول باركر: «لدي مريض يعاني من التهاب البنكرياس وقد طلبت منه أن يرسل لي رسالة إلكترونية كل يوم يطلعني من خلالها على أية تطورات تحدث له أو حتى أي شيء آخر مهما صغر. أظن أن المريض قد شعر أنني مهتم به فوافق على ما طلبت منه، أظنه قد شعر بالراحة والطمأنينة لأننا سنتواصل معا بشكل دائم ودون أن يشعر أنه يضغط علي».

وقد تكون حداثة العهد بالبريد الإلكتروني جانبا من جوانب تردد الأطباء الذين لا يرغبون بتبادل الرسائل الإلكترونية مع مرضاهم كوسيلة للاتصال. وبسبب شهرة البريد الإلكتروني وانتشاره يظل وسيلة اتصال مهمة، فهو بالنسبة إلى البعض مدعاة للكتابة بطريقة مختزلة، بينما يعني لدى البعض الآخر التفكير جيدا والتأني وتوخي الدقة والمصداقية عند الكتابة.

ويشير ساندز وآخرون إلى أن على الأطباء أن يكونوا حذرين ليتجنبوا إمكانية حدوت سوء فهم أو إرباك ولكن ذلك يجب ألا يمنعهم من استخدام البريد الإلكتروني كوسيلة للاتصال بمرضاهم. ويقول ساندز بهذا الخصوص: «من المهم أن نفهم أن تبادل الرسائل الإلكترونية بين المرضى والأطباء قد يسبب بعض سوء الفهم أحيانا، لذلك فعلى الأطباء أن يقرأوا ما يكتبونه لمرضاهم بضع مرات قبل النقر على زر Send لإرسال الرسالة».

وقبل سنتين صادقت الرابطة الطبية الأميركية (American Medical Association) على مجموعة من القوانين التي تنظم تبادل البريد الإلكتروني بين المرضى والأطباء. ونصح الأطباء بأن يخبروا مرضاهم ما إذا كان هناك أحد غيرهم سيقرأ رسائلهم، وتم تحذيرهم من إرسال رسالة إلكترونية لمجموعة من المرضى في حالة وجود أسماء المرضى ظاهرة في قائمة المرسل إليهم، كذلك طلب منهم أن يقرروا الطريقة التي يريدون من خلالها أن يتواصلوا مع المرضى وأن يقوموا بأرشفة الرسائل المتبادلة.

وقد لوحظت الحاجة بين المرضى للاتصال مع الأطباء عبر البريد الإلكتروني. وحسب دراسة أجريت أخيرا من قبل «هاريس إنترآكتف» فقد وجد أن 90 بالمائة من المرضى الذين يستخدمون البريد الإلكتروني قالوا إن لديهم القابلية للتواصل مع أطبائهم عبر البريد الإلكتروني، وأكثر من ثلثهم قالوا إنهم على استعداد للدفع مقابل ذلك.

ويقول ساندز: «يريد المرضى أن يقضي الطبيب معهم وقتا أكثر للاتصال بهم، أضف إلى ذلك، أنه عندما يعلم المريض بوجود خط مفتوح للتواصل مع الطبيب فإن الحاجة لزيارة الطبيب بالشكل المعتاد في عيادته تقل، وذلك أمر مريح، فالناس يشعرون بالتوتر والحنق إذا لم يحالفهم الحظ بالدخول إلى عيادة الطبيب». لكن مثل هذه الضمانات غير كافية لإقناع الدكتور هارولد وينبيرغ، طبيب الأعصاب الذي يبلغ من العمر 50 عاما ويعيش في نيويورك. إذ يستخدم وينبيرغ نظام التراسل الفوري المباشر خلال اليوم ليبقى على اتصال مع أفراد عائلته لكنه يتجنب تبادل البريد الإلكتروني مع المرضى. يعلق وينبرغ على هذا الأمر بقوله: «تتطلب مني كل الأسئلة التي يسألها المرضى أن أسألهم الكثير من الأسئلة بالمقابل». وقبل شهرين، أصيبت كارول بت، وهي ممرضة متقاعدة عمرها 59 عاما وتعيش في وينشيستر بولاية ماساشوسيتس، إصابة بالغة في يدها. وقد قررت ألا تقود سيارتها مسافة 30 دقيقة للوصول إلى بوسطن حيث د. باركر الذي تتعالج عنده، وانما، بدلا من ذلك، صار زوجها يلتقط صورا رقمية لإصابتها ويرسلها لطبيبها عبر البريد الإلكتروني. وتقول بت: «اعتقدت أن أخذ الصور للجرح أمر سهل، وتصورت أن الطبيب سيأخذ فكرة كافية عن وضع الإصابة». وفي نهاية الأمر قام د. باركر بإرشادها إلى طبيب جلدي قريب منها ليوفر عليها مشوار الطريق إلى عيادته، وقد وفر عليها ذلك نحو 5 أو 6 ساعات.

ويشير العديد من الأطباء الذين يترددون في إرسال البريد الإلكتروني إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقهم بالنتيجة، لكن المدافعين عن تلك الفكرة يقولون إن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة. يقول ساندز الذي لديه مرضى في بوسطن أيضا: «من الأمور جيدة التوثيق أن الذين يتواصلون مع أطبائهم كثيرا عبر البريد الإلكتروني تقل لديهم فرصة رفع دعاوى قضائية»، ويقول أنه لم يعرف أية قضية إهمال طبي كان للبريد الإلكتروني دور فيها. ولكن ساندز يذهب أبعد من ذلك بقوله: «قد يكون تتبع البريد الإلكتروني مفيدا أكثر من كونه خطيرا، فالبريد الإلكتروني توثيق شخصي، وعلى أية حال ليس أمرا مقبولا أن تقول شيئا غبيا سواء كان ذلك على الهاتف أم عبر البريد الإلكتروني، إذ عليك عندئذ أن تكون حاضرا للمواجهة». ويرى المرضى الذين تقبلوا حقائق الرعاية الطبية على مضض بصيص أمل في البريد الإلكتروني المتبادل بين الأطباء والمرضى. ويعلق دون آركر، البالغ من العمر 47 عاما، وهو محام يعيش في بيركلي بكاليفورنيا، قائلا: «أحب أن أرسل بريدا إلكترونيا لطبيبي، لكن يبدو أن ذلك الأمر يسير ضد نهج العناية الطبية المتعارف عليه، والتي تلزم المرضى بالوصول إلى الأطباء». وظلت «بيرمانينت ميديكال غروب» (Permanente Medical Group)، وهي مجموعة عيادات لخدمة المرضى في شمال كاليفورنيا تابعة لبرنامج «كيزر بيرمانينت» (Kaiser Permanente) أكبر البرامج الصحية غير الهادفة للربح في الولايات المتحدة، لفترة طويلة تشجع أطباءها على إرسال البريد الإلكتروني لمرضاهم اعتمادا على تشريعات قامت بسنها. ويقوم حوالي ربع الأطباء البالغ عددهم 4200 طبيب في المجموعة بتبادل الرسائل الإلكترونية مع المرضى. ويقول د. روبرت بيرل، الرئيس والمدير التنفيذي في «بيرماننت ميديكال غروب»: «حدسي يقول إن 90 بالمائة من الأطباء سيتبنون هذه التقنية». ويضيف: «الهم الأكبر لدى أطباء المجموعة هو الثقة المتبادلة بين الطبيب والمريض، ولتحقيق ذلك، تقوم «كيزر بيرمانينت» ببناء نظام مراسلة آمن معتمد على الويب، وحتى يتم إعداد نظام البريد الآمن هذا، سيظل لزاما على الأطباء التقيد بقوانين معينة للتراسل، كما أن عليهم ألا يقوموا بأي اتصال لغرض تشخيص حالات حساسة أو تقديم معلومات طبية دقيقة، أو التحدث بأية تفاصيل خاصة يمكن أن تمثل مشكلة إذا قرأها أحد أفراد العائلة».

ويؤمن بيرل بأن تبني استخدام البريد الإلكتروني سينتشر بين الأطباء بسرعة عندما ينضم لهم أطباء شباب. ويقول بهذا الخصوص: «قمنا بتوظيف عدد كبير جدا من الأطباء الشباب، نحو 500 طبيب في السنة الماضية، وقد نشأ هؤلاء جميعهم بصحبة الكومبيوتر، وبالتالي فهم يؤمنون بشدة أن بإمكانهم ليس فقط أن يثبتوا فعالية الممارسة الطبية، وإنما أيضا مساعدة مرضاهم. وكلهم يقولون: «نرجو أن يخرج ذلك النظام الجديد إلى حيز الوجود سريعا».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»