هل الكومبيوتر ذكر أم أنثى؟

وليد الأصفر

TT

في استعراض لكتاب «المعلوماتية في الوطن العربي.. الواقع والافاق» أجراه مكتب «الشرق الأوسط» في الأردن، وننشره اليوم في صفحة تالية، أشار المشاركون في الكتاب إلى العديد من النقاط الحيوية التي تستحق النقاش، يمكنكم قراءة بعضها في المقالة المذكورة.

ومن بين ما لفت انتباهي فيها ذكر مقولة طريفة انتشرت عالميا بين جميع أفراد المجتمعات الإنسانية، مع بدء ظهور الكومبيوتر في كل منها، بما في ذلك أكثر هذه المجتمعات تطورا تقنيا حتى الآن، ثم تحوير هذه المقولة النكتة لتصبح مقياسا لدرجة تخلف العرب التقني، إذ تذكر المقالة على لسان أحد المشاركين في الكتاب قوله «اذكر ذات مرة أننا أجرينا استطلاعا حول أهم الجوانب التي تثير اهتمام الناس في موضوع تقنية المعلومات، وكانت النتيجة أن أهم تساؤل كان يدور في خلد الناس هو: هل الكومبيوتر ذكر أم انثى؟ ذلك كان يمثل أقصى اهتمام من القاعدة الشعبية في هذا الموضوع، وقد برزت تعريفات لطيفة جدا، فالرجال رجحوا أن الكومبيوتر أنثى لان الرجل ينفق راتبه عند شراء الكومبيوتر على تجهيز الإكسسوارات التابعة له، بينما قالت النساء إن الكومبيوتر ذكر لانه سريع التغير والتطور، لذا فإنك إذا امتلكت منه واحدا الآن، فستكتشف أن الانتظار كان افضل لانه قد يجيء واحد آخر افضل منه».

يا جماعة البشر هم البشر، سواء كانوا سمر الوجوه أو بيضها، زرق العيون أو سودها ولا واسعها أو ضيقها، ولا علاقة بأي من ذلك بذكاء أو تخلف. الرجال هم الرجال والنساء هم النساء، ونظرة كل منهم إلى الجنس الآخر متماثلة في مشارق الأرض ومغاربها، وما ذكر في النكتة السابقة يمكن أن يتكرر في جميع المجتمعات وبشتى اللغات، وأستطيع أن أجزم أن اليابانيين استخدموا نفس هذه النكتة منذ عقود وما زالوا يتندرون بها في مجالسهم، وحتى الأفغان سيرددونها بالثلاث لغات أو حتى الثمانية عشر لغة التي يستخدمونها بمجرد أن يصبح بمقدورهم شراء أجهزة كومبيوتر. وفي جميع الأحوال هي نكتة لا أكثر ولا أقل، ولكن أن يصبح ترديدها اشارة إلى مستوى التخلف، وأن تعتبر في أي وقت من الأوقات ممثلة لأقصى اهتمامات القاعدة الشعبية العربية بما يتعلق بالكومبيوتر وتقنية المعلومات، فهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بمزيد من جلد الذات غير المبرر وغير المفهوم، فهي لم وليست ولن تكون مقياسا، بل مجرد نكتة.

المشكلة لدينا ليست في تخلف العنصر البشري العربي نفسه، والدليل على ذلك العدد الضخم من خبراء وتقنيي المعلومات العرب المنتشرين في جميع أنحاء العالم، والذين تبوأ العديد منهم مراكز قيادية (وليست استهلاكية) في العديد من شركات الكومبيوتر العالمية، كـ«مايكروسوفت» و«آي بي أم» و«إنتل» على سبيل المثال لا الحصر، ليس في الأفرع المحلية لهذه الشركات فحسب، ولكن حتى في مقراتها الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا أقول إن ذلك حصل في الفترة الحالية، بل هو حاصل منذ سنوات عديدة. وحتى في داخل الوطن العربي، لدينا من المطورين والخبراء ما تتقاتل على الحصول عليهم دول العالم المتقدم، إلا أنهم ما زالوا صامدين أمام الإغراءات إخلاصا لأوطانهم، ولكن لا توجد أي ضمانات للنفس الانسانية الأمارة بـ«السوء»، أو في الواقع التي تريد لصاحبها أن يتطور وأن يبحث عن أكل عيشه في أي مكان ضمانا لمستقبله ومستقبل أولاده، وبحثا عن التقدير والاحترام، بدلا من أن يضيع تحت الركام.

والزبدة هنا، أنه ما دام لدينا طاقات بشرية جبارة وقادرة على الإنتاج ومن أرقى المستويات والمواصفات العالمية الحديثة، فلماذا نستمر في لوم القاعدة الشعبية وتحميلها هي فقط مسؤولية التأخر عن اللحاق بركب الأمم الأخرى؟