مطورو البرمجيات العرب واحتياجات المؤسسة في الشرق الأوسط

بقلم: دني إيرو*

TT

الكل يعلم أن صناعة البرمجيات تسير بسرعة كبيرة جدا، والتطورات فيها لا تنتهي على الإطلاق، حتى أثناء كتابة هذه السطور. والملفت حينما يتعلق الأمر بصناعة البرمجيات في العالم العربي، والغربي على السواء في الواقع، أن هنالك اهتماما كبيرا من قبل المطورين في المنطقة بأهمية النظام التشغيلي في عملية تطوير البرمجيات والتطبيقات. أحب أن أشدد هنا أن النظام التشغيلي لا علاقة له في الواقع. مسيرة تطوير البرمجيات، أو على الأقل، هكذا ينبغي أن تكون علاقته بتلك البرمجيات. قد يبدو هذا التوجه متطرفا بعض الشيء، لكن لو أمعنا النظر قليلا لاكتشفنا أن التطبيقات التي يتم تشغيلها ضمن بيئة النظام التشغيلي، بالنسبة للمستخدمين في المنزل أو بيئة العمل، هي حجر الزاوية، وليس النظام التشغيلي. أما بالنسبة للمطورين الذين يعكفون على تطوير التطبيقات وخدمات الويب الإلكترونية، يكون النظام الوسيط، middleware، (الجهاز الخادم الخاص بالتطبيقات، وأدلة البرمجيات المختلفة، وغيرها) محور التركيز الأساسي في عملية التطوير، وليس النظام التشغيلي. على أن الوحيدين الذين ينبغي لهم أن ينتبهوا إلى النظام التشغيلي ويقلقوا بشأنه هم المسؤولون عن تقنية البيانات داخل المؤسسة والأشخاص المسؤولون عن إدارة موارد الشبكة. فأولئك هم الأشخاص الذين يتناولون قضايا توافرية النظام، ودرجة أمن البيانات فيه، وقدرته على الترقية إلى التطبيقات الجديدة، أي إمكانية نمو النظام دون أي تعقيدات. وعلى المطورين في الشرق الأوسط أن لا يشغلوا بالهم كثيرا بالنظام التشغيلي، عليهم التهديف إلى ما هو أعلى، إلى ما أصطلح عليه ببيئة توليد الخدمات. ونتيجة لهذا التحول غير المسبوق من المنتجات البرمجية الجاهزة إلى الخدمات الإلكترونية المباشرة عبر الإنترنت، بدأت قوانين اللعبة تتخذ منحى جديدا تماما. ففي السابق، كان المطورون يحاولون بيع الملايين من نسخ البرامج الجاهزة، كل منها يتم استخدامه من قبل شخص واحد بوساطة كومبيوتر واحد فقط. أما الآن، فقد اختلفت الصورة. إذ يكمن التحدي الذي يواجه المطورين اليوم في إمكانيتهم تطوير جانب معين من تطبيق ما، ومن ثم طرحه لخدمة الملايين من المستخدمين عبر الإنترنت. وهو ما يشكل فرقا كبيرا بحق. إذ أن الهدف من بيئة توليد الخدمات يكمن في تبسيط مهمة تطوير البرمجيات الخدمية واسعة النطاق وجعلها طيعة وسهلة التنفيذ، كما كان الحال مع البرمجيات الجاهزة في البرامج المنفردة المخصصة لكومبيوتر واحد في السابق. وعلى المطورين هنا أن يعلموا أن هنالك مكونات ستكون موجودة على الدوام في بيئة توليد الخدمات، وهذه المكونات الثابتة هي: مجموعة الأدلة، وخدمة خاصة بإدارة الملفات عبر الشبكة، وأخيرا الجهاز الخادم الخاص بالتطبيقات. ومع أنها جزء من البيئة الأساسية، قد تأتي هذه المكونات من مجموعة مختلفة من الشركات التي تقدم التقنيات ذات البيئة المفتوحة، طالما أنها تمثل مجموعة من الخدمات الرئيسية التي يمكن للمطورين الاعتماد عليها، من دون الحاجة للاعتماد على الملحقات البرمجية التي تتمتع بحماية الملكية التي قد يؤدي استخدامها إلى حدوث مشاكل وتعقيدات لا داعي لها إطلاقا. والدافع وراء هذا التوجه ينبع من عنصرين: عامل التعقيد وعامل التكلفة. إذ تسهم عملية تكامل الخدمات الرئيسية مع البيئة الأساسية في تحقيق الكثير من الفوائد وتوليد سلسلة من الأحداث بالغة الأهمية، مثل: زيادة قدرة المطورين على الابتكار والإبداع، لعلمهم أن عناصر الخدمات الرئيسية متوفرة أصلا ويمكن الاعتماد عليها. وتقليل الكلفة الإجمالية لامتلاك بيئة التشغيل التقنية الرئيسية من جهة، وزيادة القدرة الوظيفية لهذه البيئة داخل المؤسسة من جهة أخرى. ثم الإسراع في الإقبال على اعتماد خدمات الويب الإلكترونية المباشرة، وذلك عبر إتاحة مجموعة أساسية من خدمات البنية التحتية. والآن، ما علاقة كل هذا ببيئة العمل في الشرق الأوسط خصوصا، والعالم عموما؟ أقول إنه مع احتدام المنافسة بين المؤسسات والشركات في كل القطاعات، واضطرار هذه الشركات إلى اعتماد ميزانيات شديدة التقتير، يصبح الحصول على العملاء الجدد، ناهيك من الاحتفاظ بالعملاء الحاليين، أمرا في غاية الصعوبة والأهمية أكثر من أي وقت مضى. وهو الأمر الذي يجعل من خدمات الويب أداة حاسمة في كسب الصراع على حصة السوق، فهي طريقة معتدلة التكلفة للغاية تتيح التعرف على العملاء والاطلاع على تفضيلاتهم الحقيقية ومن ثم مساعدة الشركات في تطوير خدمات تستجيب لتلك الاحتياجات. وفي عالم تهيمن فيه الإنترنت إلى حد بعيد وتكون فيه إضافة الخدمات الجديدة من العوامل الحاسمة في تحقيق الربحية والحفاظ عليها، من المهم للشركات والمؤسسات في الشرق الأوسط أن تنظر إلى ما وراء التكلفة المباشرة للأجهزة والبرمجيات وخدمات الدعم التقني المستمرة، العناصر التقليدية لما يصطلح عليه إجمالي تكلفة الامتلاك. والعامل الأهم الذي من الحريّ لكل من مطوري البرمجيات العرب ومؤسسات وشركات الشرق الأوسط على السواء أن ينتبهوا له هو التالي: ما مدى قدرة البيئة التقنية داخل المؤسسة على التوسع واستيعاب المزيد من النمو في عملياتها؟ ما هو مدى انفتاح هذه البيئة لاستيعاب التطبيقات الجديدة؟ ما قدرتها على تطوير الخدمات الجديدة وطرحها للسوق بأسرع وقت ممكن؟ هكذا ينبغي النظر إلى التكلفة الإجمالية للتملك وصناعة البرمجيات في مؤسسات الشرق الأوسط اليوم!

* المدير العام الإقليمي في شركة «صن مايكروسيستمز» ـ «الشرق الأوسط»