«المعلوماتية في الوطن العربي.. الواقع والآفاق» دراسة تأتي في وقتها المناسب

أربعة عشر خبيرا عربيا يحللون الواقع العربي والعوامل المؤثرة عليه ويطرحون الحلول ويتساءلون عن المستقبل

TT

عن المعلوماتية في الوطن العربي أصدرت مؤسسة عبد الحميد شومان في الأردن، بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كتابا ضم آراء أربعة عشرة خبيرا في هذا المجال من مختلف الدول العربية، وهي آراء سبق أن كانت محل حوار على مدى عام في أروقة مؤسسة شومان.

ونظرا لصعوبة تلخيص الكتاب المليء بالافكار حول واقع آفاق المعلوماتية في الوطن العربي فإن من المفيد إلقاء الضوء على ابرز ما يلفت النظر ويستدعي بدء العمل العربي الجاد في هذا المجال المهم، الذي لم يلق الاهتمام الكافي عربيا حسب آراء المختصين وبخاصة بعد أن أصبحت تقنية المعلومات والاتصالات إحدى ابرز سمات القرن الجديد.

يسلط د. رأفت رضوان أمين عام الاتحاد العربي للمعلومات الضوء على الوضع عربيا فيقول: «عموما لو حاولنا اختصار مواصفات العرب في العام 2000 فنستطيع أن نقول باختصار شديد جدا إن العرب حصلوا على اكبر ثروة في تاريخ البشرية في ظرف 20 عاما وبمجموع قدره أربعة تريليونات دولار، لكن في المقابل فإن هذه الثروة تبددت بسرعة حيث تم انفاقها خلال 20 سنة ولا يدري أحد أين ذهبت».

ويضيف «اذكر ذات مرة أننا أجرينا استطلاعا حول أهم الجوانب التي تثير اهتمام الناس في موضوع تقنية المعلومات وكانت النتيجة أن أهم تساؤل كان يدور في خلد الناس هو: هل الكومبيوتر ذكر أم انثى؟ ذلك كان يمثل أقصى اهتمام من القاعدة الشعبية في هذا الموضوع، وقد برزت تعريفات لطيفة جدا، فالرجال رجحوا أن الكومبيوتر أنثى لان الرجل ينفق راتبه عند شراء الكومبيوتر على تجهيز الإكسسوارات التابعة له، بينما قالت النساء إن الكومبيوتر ذكر لانه سريع التغير والتطور ولذا فإنك إذا امتلكت منه واحدا الآن فستكتشف أن الانتظار كان افضل لانه قد يجيء واحد آخر افضل منه.

وينتقل رضوان إلى موضوع أخر هو موضوع الأمية، حيث يشير إلى أن منطقتنا العربية تتصدر العالم فيها وبنسبة عالية جدا، فالامية بين الذكور تبلغ 25% وبين الإناث 47% وعليه فإن نسبة الأمية لدينا تعد مسألة خطيرة جدا وتدعو للأسى حقا، ولو حللنا هذه النسبة لرأينا أن الدول العربية الكثيفة السكان تزداد فيها نسبة الأمية بشكل مطرد كالمغرب والجزائر ومصر وتونس وسوريا والإمارات العربية، وهذه الأرقام واردة في تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2001. صحيح أن هذه الأرقام قد لا تكون دقيقة تماما لكنها تعطي مؤشرا على هذا الجانب، وسواء اختلفنا حولها أو لا فهي معتمدة في جميع أنحاء العالم ضمن الأرقام الأخرى الواردة في التقرير، بمعنى أننا حين نناقش نسب الأمية على مستوى العالم فعلينا أن نطبق هذه الأرقام لأنها جدية.

ثم قضية الإنفاق على البحوث والتطوير في بعض الدول إذ نرى أن واقع الاهتمام بتقنية المعلومات نظرا للعلاقة الوطيدة بينهما، فنحن نجد مثلا أن اليابان تنفق 3.76% من الناتج القومي الإجمالي على شؤون البحث والتطوير، أما الولايات المتحدة فتنفق 2.8% وألمانيا 2.63%. وفي المقابل لو استعرضنا هذه النسب في عالمنا العربي فسنكتشف بونا شاسعا بين الطرفين فتونس مثلا تنفق 0.20% فقط والأردن 0.26% ومصر 0.22% وسوريا 0.2% والكويت 0.16%.

أما بالنسبة لحجم الصادرات من المنتجات التقنية فالعالم العربي ضعيف جدا في هذا المجال، أما آخر مؤشر أصدرته الأمم المتحدة في نيويورك فهو مؤشر الإنجازات التقنية مقسما على 72 دولة فقط على مستوى العالم وكانت أول دولة عربية تظهر على هذه القائمة هي تونس التي كان ترتيبها 51 على مستوى العالم وجاءت بعدها سوريا بترتيب 56 ومصر 57 والجزائر 58 والسودان 71.

* تحديات وآفاق

* ويوضح الكتاب بناء على ما سبق ذكره أن العالم العربي يواجه بحق تحديات حقيقية تقتضي النظر بجدية إلى بعض الموضوعات، فالتقنية ليست من قبيل الكماليات التي نتزين بها ولا هي مجرد أجهزة نضعها على مكاتبنا، أما التحول من الواقع الحالي إلى الفضاء التقني فإنه يقتضي أن ندرس معا العوامل المؤثرة على واقعنا، ومن بين هذه العوامل:

1ـ هنالك مثلا عوامل اقتصادية، فمتوسط الدخل القومي لدينا خصوصا في الدول ذات الكثافة السكانية العالية يعتبر متدنيا، كما انه كثير التذبذب، ففي مصر يبلغ متوسط دخل الفرد 1240 دولارا في السنة أي ما يعادل سعر كومبيوتر واحد فقط، بينما يعادل ذلك المبلغ دخل المواطن في الولايات المتحدة في نصف شهر بالضبط وهذه المسألة تعني أن التقنية بالنسبة لنا تمثل تكلفة عالية جدا تتطلب منا أن نفكر بطريقة مختلفة.

كذلك فإن هذا المبلغ (1240 دولارا) موزع بطريقة خاطئة فهناك 20% من عدد سكان مصر يحصلون على حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، في حين لا تحصل النسبة الأكبر أي 80% إلا على حوالي الثلث الباقي من الدخل ولذا فإن خارطة توزيع الدخل مختلة اصلا.

2 ـ يوجد خلل مؤسسي وتشريعي في هذا المجال، فنحن نعاني من نقص القوانين والتشريعات اللازمة للتقنية خصوصا ان العالم برمته يتحدث الآن عن التجارة الإلكترونية.

3 ـ ضعف القدرات المؤسسية للمنظمات والمؤسسات المالية، ذلك أن لدينا بنوكا مثلا تتعامل مع التقنية بوصفها قيودا محاسبية ليس إلا، ولا تتصور أبدا أن تلك التقنية ستتغلغل إلى داخل منظومة العمل. ويقول أحد المشاركين في الكتاب، ان أحد البنوك المصرية حاول في أحد الأيام أن يفتتح شبكة للبطاقات الائتمانية الخاصة به على الإنترنت، لكن بعد اقل من شهر استطاع طالب في أحد المعاهد أن ينقل ربع مليون دولار من بعض حسابات بطاقات الائتمان إلى حسابه الخاص لان البنك لم يتصور أن مثل هذا الأمر قد يحدث، ظنا منه أن هناك نظاما امنيا يحمي الدخول إلى الحسابات عن طريق الكلمات السرية وهو نظام آمن وكاف تماما.

4 ـ ضعف حقوق المستهلك، ففي مصر مثلا هنالك مقولة دارجة في السوق ومفادها أن «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل» وهذه مسألة غريبة جدا وقد يفهم منها أن المنتج يخاف من مستوى بضاعته ولذا فإنه سيكون سعيدا بالتخلص منها وبيعها إلى أول زبون، ولدينا أيضا شعار قانوني يقول: «فحص البضاعة فحصا نافيا للجهالة» وهذا يعني انه يتوجب على من يشتري سيارة مثلا أن يكون عالما بالميكانيك، وحين يشتري ثلاجة فيجب أن يفهم بالكهرباء، وحين يشتري تلفازا فيجب أن يفهم بالالكترونيات وهكذا، وثمة شعار آخر رائج عندنا يقول«إذا انتهت البيعة فانس الزبون «وهذا يعني انك إذا اشتريت بضاعة من بائع ووجدتها تالفة فإنه لن يتعرف عليك وسيقول لك «اذهب الى المصنع ليصلحها لك»، وفعلا تعد هذه قضايا مرتبطة بفهم اجتماعي غريب للغاية، وهناك شعارات أخرى مثل «الشيكات ممنوعة» أو بالتعبير الدارج «الدين ممنوع والعتب مرفوع»، وهذا يعني أننا لا نبيع ببطاقات الائتمان بل بالكاش فقط علما بان هذه الطريقة لا تصلح للعالم الجديد.

5 ـ ضعف البنية المؤسسية الحكومية، وهنا يمكن الحديث بإسهاب ودون حرج، فالبيروقراطيات العربية معروفة ومشهورة وثمة مقولة مفادها: أن الهرم الأكبر في مصر جمع من شكاوى المصريين القدماء لانهم كانوا يكتبون على الحجر ولكثرة الشكاوى تم بناء الهرم، خصوصا إذا عرفنا أن عدد الأحجار التي يتكون منها الهرم يصل إلى 20 مليون حجر في حين لم يكن عدد السكان يتجاوز في ذلك الوقت مليون نسمة، أي أن كل مواطن تقدم بعشرين شكوى.

6 ـ ضعف البنية التقنية الأساسية في المؤسسات الحكومية والاقتصادية، فنحن ادخلنا الكومبيوتر إلى اماكن كثيرة كزينة لا اكثر، ومعظم هذه الأجهزة لا يعمل لكنه مطلوب من باب الوجاهة الاجتماعية.

7 ـ ضعف كفاءة شبكات الاتصالات، صحيح أننا حققنا قفزة في هذا المجال غير أننا مازلنا بحاجة إلى كثير من عناصر التحديث والتطوير بغية تحقيق مستوى عالمي معقول في هذه الشبكات.

كما أننا نعاني أيضا من نقص في شبكات النقل والطرق والكهرباء والماء سيما ان كثيرا من القرى والمناطق في البلاد العربية لم يصلها الماء أو الكهرباء.

8 ـ تدني مفاهيم وقواعد العمل الاقتصادي، فمثلا نحن نعاني من مشكلة تدعى «سياسة وجه القفص» التي تعني انك حينما تذهب لشراء سلعة ما تجد أن وجهها جميل لكن عندما تتعمق فيها تكتشف بأنك دخلت «القفص» وهذا نموذج عام يشير إلى أننا نفتقد مفاهيم الجودة أو مفاهيم المنتج المتماثل المتطابق.

9 ـ الاختلال بين حجم مؤسسات الأعمال وحجم الأعمال ذاتها، فهناك تشرذم كبير في اسواقنا التي هي عبارة عن أسواق صغيرة لا تسمح بنمو مؤسسات ضخمة بينما يتجه العالم في هذا الزمان نحو المؤسسات العملاقة.

10 ـ العوامل الثقافية، وتدخل فيها نسبة الأمية ومستوى التعليم، فنحن نتوهم أن التعليم قد تزايد في الفترة الأخيرة، غير أن الحقيقة المرة تفيد بان التعليم قد ازداد من ناحية الكم فقط، بينما بقيت جودته متدنية، فمثلا ثمة نقص في معرفة اللغات الأجنبية في عصر يشهد فيه العالم انفتاحا في هذا المجال وثمة لغات عالمية كثيرة، وقد كنا حتى وقت قريب ندعو إلى تعريب العلوم، بينما عمد اليابانيون إلى توطين العلوم لغويا وبشكل فوري، أي أن الكتاب الذي يصدر يترجم تقريبا في اليوم ذاته في الوقت الذي تستغرق ترجمة الكتاب عندنا مدة ثلاث سنوات أو اكثر وهذا يعني أن معارفنا متأخرة ثلاث سنوات في المعدل.

11ـ نقص المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، فنحن نشجع شبابنا العربي على الدخول إلى شبكة الانترنت بشكل متواصل لكنهم حين يدخلون يفاجأون بقلة المواقع العربية على الشبكة فيضطرون إلى الدخول إلى مواقع غريبة جدا عنهم وذلك قد يحمل بعض المخاطر والمحاذير من قبيل الاستلاب الثقافي التام أو فقدان الثقة بالاقتصاد الرقمي، وما إلى ذلك.

* نظرة مستقبلية

* وبعد كل ما ذكر الكتاب من عوامل سلبية يطرح السؤال: ترى هل ثمة أمل في المستقبل أم أن قدرنا أن نبقى في أدنى مراتب التخلف التقني والتنموي على مستوى العالم؟ إن الحقيقة المؤكدة في هذا المجال تنفي ذلك باختصار، لان تقنية المعلومات نفسها هي الحل، فهناك ميزة في هذه التقنية تدعى «المقبلون من الخلف»، ذلك أن التقنية الجديدة هي اكثر سرعة وكفاءة واقل ثمنا وهذه مسألة تتيح الإمكانية لمن بدأ متأخرا أن يلحق بالمتقدمين. ويقول الكتاب «نحن نتحدث هنا عن سباق يشبه سباق الماراثون إذ ليس المهم من يسبق في البداية بل المهم من ينجح في الوصول إلى المقدمة في اخر السباق».

عموما هناك رؤية تشير إلى أن مجتمعا عربيا معلوماتيا يمكنه أن يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والعادلة على أن يكون من ضمن أهداف هذا المجتمع الارتقاء بالصناعة وإنشاء بنية أساسية وترسيخ ثقافة عربية وهوية عربية واضحتين، إضافة إلى تحقيق مستوى خدمات كبير وقادر على التنافس فضلا عن ضرورة وجود شكل من أشكال التعاون العربي بغية وضع العرب على خريطة العالم.