أحمد يكتشف ألعاب الكومبيوتر... الله يستر

وليد الأصفر

TT

مع أنه بلغ الخامسة من عمره منذ شهر ونصف الشهر، وخبرته في استخدام الكومبيوتر الشخصي جيدة لمن هم في عمره، إلا أنني اجتهدت أن أخفي عن ابني أحمد حقيقة أن هناك شيئاً اسمه ألعاب كومبيوتر طيلة الفترة الماضية. فما أقرأه (أو حتى أكتبه) عن الآثار السلبية لهذه النوعية من الألعاب، لا أحبه لابني كما لا يحبه أي أب أو أم آخرين. ومع أن هناك فوائد لا يمكن إنكارها، كما قرأت (وكتبت أيضا)، لهذه الألعاب، ولعلمي أنه سيكتشف وجودها عاجلا أم آجلا، قررت أنا وزوجتي ألا يكون ذلك عن طريقنا، بل نتركه ليأتي لوحده، واكتفينا بتعريفه بالبرامج التعليمية.

وبالإضافة إلى ذلك استغللنا (ببشاعة) ميزة غريبة فيه كطفل، وهي قناعته، إذ لم يمر علي طفل مثله يمكن أن تدخل معه إلى أكثر محلات الحلويات أو الألعاب إثارة، من دون أن يفضحك أمام خلق الله إذا قلت له «لا» لشيء أعجبه، كما تفعل معنا أخته العفريتة، إذ يكفيه أن تقول له انك ستشتري له ذلك الشيء في ما بعد، أو أنك لا تريد شراءه أصلا بسبب أنه مرتفع الثمن، أو أي عذر آخر. فتراه بكل بساطة يتركه من دون أي اعتراض، أو حتى إبداء الأسى والشعور بالحرمان، كما هو شائع مع هذه الفئة من البشر التي تصنف بأنها أطفال، بل بإحساس كامل بالمسؤولية وتقدير الظروف. وهذا لا يعني بالطبع أنه محروم من الألعاب، بل أن ما لديه منها ما لم يتح لأبيه أو أجداده في حياتهم من قبل.

المهم أنني استفدت من هذه القناعة أخيرا عندما اكتشف في زيارة لبيت عائلة صديقة، أن هناك في هذه الدنيا جهازا صغيرا يمكن بمجرد وصله بالتلفاز أن يمارس نوعا من التسلية يأخذ بالألباب، قائم على إعطائه قدرة السيطرة على أجسام ملونة من بشر وسيارات ووحوش لها أصوات مرتفعة، من خلال قطعة بلاستيكية موصولة بالجهاز بواسطة سلك. وأقول لكم ان واحدا من أكثر المشاهد إمتاعا هو مشاهدة هذه الكائنات الصغيرة الذكية عندما تكتشف شيئا جديدا من هذا القبيل، وبخاصة عندما تصل إلى مرحلة الطلب من الطفل الآخر أن يسمح لها بفرصة التجربة العملية. وهي لا شك مرحلة خطيرة، تشاهد فيها نماذج لمفاوضات ومناورات دبلوماسية ذات طبيعة استراتيجية حساسة، تتطلب قدرات إدارة موارد عالية المستوى، يتوخى فيها جميع الأطراف الوصول إلى أفضل النتائج بأقل قدر من التضحيات أو الخسائر. اتساءل لماذا لا يستطيع البشر الاستمرار باستخدام هذه المهارات بعد أن يصبحوا بالغين، أو حتى سياسيين؟

المهم (مرة أخرى) حصل المقدر، وبعد أن صبر بهدوء لأكثر من ستة أشهر على وعد أن يكون لديه كما لدى ذلك الطفل الذي زرنا بيته، صار لأحمد جهاز يستطيع أن يمارس بنفسه ألعاب الكومبيوتر من خلاله. المشكلة أنه أصبح يتفاخر علينا بعد كل لعبة ينجزها، بأنه استطاع تحقيق ذلك من دون الاستعانة بأي أحد، وبأسرع مما نستطيع نحن فعله، متناسيا أن دماغه لا تشغلها هموم الدنيا، وأنه غير مضطر للجري وراء لقمة عيشه.

وأعترف لكم، أنني ما زال ينقصني الكثير من المعلومات عن هذه الخبرة الجديدة، التي مر بها الملايين من الآباء والأمهات، ولكن من ملاحظاتي يمكن أن انصح المستجدين في هذا المجال من أمثالي، بأن لا يتردد الواحد منا في أن يطلب من ابنه التوقف عن اللعب عندما يرى أنه من الضروري أن يتوقف، لأن للأطفال قدرة عجيبة على الاستمرار في ألعاب الكومبيوتر لمدد طويلة من دون كلل أو أكل. وأن لا نبدأ بشراء برامج الألعاب الكاملة، بل نحاول الحصول على النسخ التجريبية منها (Demo)، لتميزها بأنها تعمل لمستويات محدودة في اللعبة، وتظهر للطفل أنها انتهت، وهو ما يكسب الأب والأم بعضا من الوقت والمال (إلى أن يكتشف الطفل هذه الخديعة اللئيمة)، مقارنة بالألعاب الكاملة التي تتطلب ساعات طويلة لإنجازها، خاصة أن ذلك يتم بعد ساعات أطول من التجربة والخطأ و«صقل» المهارات. والنصيحة الأخيرة (حتى الآن) أن يحرص الآباء والأمهات بأقصى ما يستطيعون، على عدم شراء أو السماح باستعارة أي لعبة دموية قائمة على القتل، وأن يصروا على أن يشاهدوا بأنفسهم الدقائق الأولى من أي لعبة، قبل أن يسمحوا لأطفالهم بالاستمرار بلعبها. حمى الله أطفالنا وأطفالكم من شر شياطين الإنس والجن، والإلكترون.