«كوات» «بلال غيث»

حياة الياقوت*

TT

أسموني عَاقُولاً أو حتى فاعُولاً فنعم العقلٌ عقلي ونِعمَ الفَعْلاءْ تعريبهم لي عقابٌ وإذا أبقوني «كومبيوتراً» نَعقُوا بالعِتابْ يقولون عربوني أسْمَوْني فكَمَّمُوني استوردوني..

ولو صنعوني لقبلت منهم الأسماء! في عالم يقبع فيه كل شيء تقريبا خلف نقطة «Dot»، ما هي إلا ضربات تُسكنها في لوحة المفاتيح حتى يكون عِلم العالَم تحت يديك بكثير وغزير من المعلومات وقليل من السرية أيضا. هذا إذا كنت ممن يملكون «حاسوبا» مؤهلا للألفية الجديدة التي لم يدخلها العرب بعد.

هل قلت «حاسوبا»؟ حسب تجربتي، فانه يفعل اكثر من مجرد الحساب، فلماذا لا نسميه «فاعولا» طالما انه يفعل العديد من الأشياء؟ أو «عاقولا» كونه وافر العقل كامله؟

لقد ظلمنا «الكومبيوتر» واستكثرنا الإبداع عليه ساعة ترجمناه بحرفية قاتلة، غافلين عن أن التسمية الأجنبية جاءت وقت كانت «الحواسيب» لا تفعل شيئا سوى الحساب. وماذا كانت النتيجة؟ استعملنا كلمة «كومبيوتر» في حديثا اليومي بدلا من حاسوب، والقائمة حبلى بأمثلة أخرى، فمن منا يقول هاتف أو مذياع أو ناسوخ؟

السؤال هل تطعيم اللغة بكلمات من غير جنسها توسيع لها أم اتهام لأهلها بعدم الإبداع و غياب المرونة. أم أن هنالك سرا في الفشل المبرم للتعريبات، وإيثار اللفظ الأجنبي في كثير من الأحيان؟

الثابت في الأمر أن الأمم لا تسمي ما لا تصنع. فها نحن ومنذ قرون نسمى الموز موزا والبندق بندقا، والباذنجان مثلهما ـ وكلها غير عربية ـ لسبب بسيط هو أننا لم نفكر آنئذ ـ ولن نفكر ـ في تعريب هذه الكلمات، لأننا ـ واستجابة لقوانين اللغة التاريخية ـ لا نزرعها ـ أي لا ننتجها ـ فمن أعطانا الحق بتسميتها. البعض يرى أن «عقدة الخواجة» هي السبب، ولكن هل كان أسلافنا يعانون منها عندما أسموا الباذنجان باسمه؟

إذا نظرنا إلى التعريبات الحالية سنجد الكثير. فأولا، كثرتها وعدم الاتفاق عليها قد يكونان سببا في كثير من الأحيان للعودة إلى الكلمة الأجنبية المتفق عليها، فبين «مشغل» و«سواقة» يميل معظمنا إلى استعمال الكلمة الأجنبية drive. كما أنها ثانيا لا تخلو من طرافة في كثير من الأحايين، فعملية «تنزيل» البرامج (download) تسبب مشكلة حين تجمع فتصبح «تنزيلات». ولعل هذا يتفق مع نزعتنا في الاستهلاك.

التعبيرات لمصطلحات الاختراق عالم آخر. فـ«الهَكَرَة» تعبير طريف عن المخترقين تم سَبْكُه على وزن «الفعله»، لكن المشكلة أن الجذر غير عربي بتاتا. و«الشارخ» تعبير جميل عن الـ crackلم يلق حظه من الانتشار ربما لأننا ـ ولله الحمد في ذلك ـ لسنا من مصنعي هذه الأمور.

قليل من الخيال لا يضر. فماذا لو اصبح العرب هم رواد تقنية المعلومات؟ سنجد أن نظام «الكوات» ـ جمع كوّة هو البديل لنظام «ويندوز»، وسيكون من إنتاج شركة اللين الصغير (مايكروسوفت) لصاحبها بلال غيث (بيل غيتس)! وسنجد عناوين الأخبار تقول: «حملة عالمية على «القافميمات» المقرصنة». والقافميمات هذه هي جمع لـ«قافميم» وهي الأحرف الأولى من كلمة قرص مدمج. أليس ذلك افضل من قولنا «سي.دي». وعندها سندعو البريد الإلكتروني «الابريد»، والألف الزائدة هي اختصار لكلمة إلكتروني ـ مع العلم أن كلمة إلكتروني غير عربية ـ ومع العلم أيضا بأن هذا الوزن التفعيلي بإضافة حرف يختصر كلمة في كلمة أخرى غير موجود في العربية، ولا ضير في ذلك ما دمنا في عالم الخيال. ثم أليس هذا افضل من قولنا «ايميل».

حتى لا أكون من لاعني الظلام، ها أنا أشعل شمعة ومن الآن، وانتظر «وادي سيليكون» عربي ينتج لنا ولو «كومبيوترا» واحدا. هنا يكون لي الحق أن اقترح تسمية «العاقول» لما أنتجنا، فمن يدفع يأمر، ومن يصنع يسمي.

أودية السليكون (Silicon Valleys) تعبير يطلق على المناطق التي تتركز فيها صناعة العتاد التقني، وأصل التسمية هو كون مادة السيليكون عنصرا رئيسيا في الإنتاج. في بلادنا ما اكثر الرمل لإنتاج السيليكون، لكننا نعوز ما هو أهم من الرمل.. العقل. الحرب القادمة هي حرب أدمغة، ترى هل استعددنا لها؟.

* كاتبة كويتية