انقراض البشر

وليد الأصفر

TT

هل سمعتم عن نظام مراكز الاتصال الذي تعمل على إعداده واحدة من الشركات العالمية المتخصصة، والذي لن يشعر الإنسان المتصل مع أجهزته أنه يتكلم مع جهاز أصلا؟

ففي هذا النظام، ستسمع على الطرف الآخر من المكالمة الهاتفية التي ستجريها مع المركز صوت انسان تتحدث معه وتطلب منه ما تريد بشكل طبيعي. فعلى سبيل المثال لنفترض أنك تريد أن تسافر إلى الرباط وأنت تسكن في الرياض، فستكون الخطوة الأولى أن تتصل برقم شركة السياحة حيث سيجيبك على الطرف الآخر صوت لشخص (أو شخصة) يرحب بك: «شركة الطائر المسافر ترحب بكم، كيف يمكنني أن أخدمك؟».

* «مرحبا».

ـ «أهلا».

* «أحب أن أسافر إلى الرباط، هل لديكم رحلات إلى هناك».

ـ «نعم، ولكن متى ترغب بالسفر؟».

* «الأسبوع المقبل إن شاء الله».

ـ «وفي أي يوم؟».

* «الخميس».

ـ «لا توجد رحلات إلى هناك الخميس، ولكن لدينا رحلات يومي السبت والإثنين، أيهما تفضل؟

* «الاشنيين برررررررمحت».

ـ «عفوا ماذا قلت».

* «الاثنين لو سمحت».

...

وتستمر المحادثة بهذا الشكل الطبيعي مع صوت هو في الواقع نتيجة لتشغيل برنامج كومبيوتري ضخم، روعي عند إعداده كل ما يمكن استخدامه من كلمات، وبكل اللهجات والنبرات، ولكنني لست متأكدا إن كان يراعي الحالة النفسية للمتصل، كأن يكون صاحب نكتة لا يترك جملة من غير أن يزرع فيها قفشة، أو مغازلجي (أي متخصص بفنون الغزل) يريد أن يتعرف على صاحبة الصوت الجميل على الطرف الآخر، وهكذا.

ولا تملك إلا أن تتساءل بعد ذلك عن وضعنا نحن بني البشر، فإذا أصبح الكومبيوتر يرد على الهاتف، ويكتب الشعر، ويؤلف النكت، ويطبخ، ويصنع السيارات، وأكيد الكومبيوترات، فماذا بقي لدينا لنفعله؟

أعني أنه إذا كان هو (بالمناسبة لماذا الكومبيوتر عندنا مذكر وليس مؤنثاً) يرد على الهاتف، فلماذا لا يكون المتصل كومبيوترا هو (أو هي) الآخر (أو الأخرى)؟ وبما أن هناك من يريد أن يجعله يؤلف الشعر ويلقي القصائد أو يغنيها، فلما لا يكون من يطرب له كومبيوترا أو كومبيوترة، وهكذا؟ وكله كوم والتنكيت كوم آخر، ففي حين أستطيع أن أتخيل الكومبيوتر يهتز طربا، إلا أنني لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكنه أن يضحك. وعلى كل حال لم يترك لنا العلم مجالا لنتفاجأ، وبالتالي فلا بد أن يصل في النهاية إلى حل لهذه المعضلة. يا جماعة لا بد أن نحتاط منذ الآن فما ذكرته أعلاه ليس مبالغات، فكلكم يعرف أن الكومبيوتر يصاب أيضا بالفيروسات والديدان، وفقدان الذاكرة والاعياء، كما نصاب نحن، ويعالج منها جميعا كما نعالج، وبالتالي فليس من المستبعد أن نجد منه تصرفات «إنسانية» أخرى، بما فيها ارتكاب الجرائم على سبيل المثال. فالانتباه واجب.