إحياء ذكريات ألعاب «كومودور» و«أتاري» المنقرضة من جديد على يد محبيها

إثبات الذات وحب الألعاب التقليدية القديمة يدفعان إلى إحياء ثقافة الماضي بألعاب من إنتاج منزلي تنافس المنتجات الجديدة

TT

أحيا مالتي منت وأصدقاؤه قبل سنة في هامبورغ بألمانيا حفلة كتلك التي حصلت في عام 1982، في السنة التي تم فيها إطلاق جهاز «كومودور 64» (Commodore 64)، وقد أسس منت ورفاقه من المولعين بهذا الجهاز تقليدا يتم بموجبه الاحتفال كل عام في ذكرى صدوره. احتفل الجميع واستمتعوا، والأهمّ من ذلك أنهم لعبوا، ليس فقط تلك الألعاب القديمة التي علاها الغبار، وإنما الجديدة منها والتي طورها الهواة لذلك الجهاز القديم.

تلك هي الثقافة الغريبة التي تعنى بإنتاج الألعاب في المنزل، والتي تُصمَّم من خلالها الألعاب باستخدام الكومبيوترات الحديثة لتُمارس على الأنظمة القديمة المتوقف تطويرها أصلا، مثل «كومودور 64» و«أميغا» (Amiga) و« أتاري 2600» (Atari 2600). والمبرمج هو الدكتور فرانكينشتاينز المنتمي إلى تلك الثقافة، فهو يقوم بالبحث عن الأجهزة القديمة ويجددها بإبداع البرامج الجديدة. ويمثل الحنين إلى الماضي جزءا من ذلك، في حين أن الجزء الآخر هو التحدّي البرمجي، إذ لا توفر الألعاب البيتية لمحة عن عواطف اللاعبين فحسب، ولكن أيضا عن قوّة بقاء تتمتع بها أجهزة اللعب الرائدة التي يصفها منت بقوله: «إن لدى تلك الأجهزة من الجاذبية ما لم يأت به أي نظام جديد».

وتأتي العودة إلى الألعاب القديمة في الوقت الذي تتمتّع فيه صناعة الألعاب الحديثة بالنجاح الباهر الذي تحققه، فرغم ضعف الاقتصاد والانهيارات الحاصلة في عالم الإنترنت، سجلت ألعاب الفيديو 10.8 مليار دولار السنة الماضية في الولايات المتّحدة وحدها، وجذبت أقوى أجهزة الألعاب الحديثة، وهي «إكس بوكس» من «مايكروسوفت» و«غيم كيوب» من «نينتيندو» (Nintendo"s GameCube) و«بلاي ستيشن 2» من «سوني» اهتمام الناس بإمكاناتها الرسومية المبتكرة وشخصياتها المتطورة.

لكن لم تتم بالضرورة هزيمة اللاعبين القدامى بما يكفي لتذكر أيام «كومودور 64» و«أتاري» بتلك الحداثة وذلك التطوير. ويقول رومان شليبيك من سلوفيكيا، والبالغ من العمر 26 عاما، ومدير موقع «كومودور 64» على الويب www.c64.sk): » إن منصات اللعب الحديثة أقوى وأكثر تسلّية لعامة الناس، لكن أولئك الذين كبروا مع «كومودور 64» لم تغرهم بسهولة قوة الحوسبة أو عدد الألوان». وبدوره يقول ألبيرت ياروسو، من أوستن بولاية تكساس، الذي يدير موقع «أتاري إيج» (www.atariage.com) المخصص للمعجبين بأنظمة «أتاري» التي بدأت في عام 1977وهيمنت على صناعة الألعاب لسنوات: «يمكنك أن تستمر في إنتاج الألعاب التي تتسم بالمرح والإثارة، حتى إذا كانت ضعيفة بالمقارنة مع ألعاب إكس بوكس». وقد قدمت الألعاب الكلاسيكية مثل «بونغ» (Pong) و«باك مان» (Pac-Man) نوعا خالصا من المنافسة التي لم تتطلّب وجود كتيب شرح وتشغيل من عدد كبير من الصفحات. والأهم من ذلك، كما يقول ياروسو، وخلافا للعديد من ألعاب اليوم التي يكلّف تطويرها ملايين الدولارات، ووجود العشرات من المبرمجين والمطورين ضمن فرق العمل، فإن الألعاب الكلاسيكية يمكن أن تكتب من قبل شخص واحد فحسب.

ويتحرك منت، الذي صمم ألعاب «كومودور 64» مع مجموعة من الهواة الذين يطلقون على أنفسهم اسم «بروتوفجن» (Protovision)، حسب التقدير الواقعي لوضع الألعاب. ويقول منت: "تتسم هيكلية ألعاب «كومودور» بالبساطة والوضوح، وهي ليست مثل «ويندوز». وقد ابتكر أعضاء «بروتوفجن» ألعابا مثل «ميتال دست»(Metal Dust) لعبة إطلاق النار، و«ريل فيشينغ» Real Fishing، التي تمثل محاكاة لصنارة صيد وبكرة.

والعديد من منتجي الألعاب المنزلية هم في الواقع موظفون في صناعة الألعاب، لكنهم يبحثون عن التسلية في اختبار قدرتهم على البرمجة. ويعتبر مايك ميكا، البالغ من العمر29 عاما ومدير الإنتاج في شركة «ديجيتال إكستريمز» (Digital Extremes) في مدينة لندن بأونتاريو في كندا، والتي تصمم الألعاب لمنصات «إكس بوكس» و«غيم كيوب» و"بلاي ستيشن 2»، مسؤولا عن إحدى الضربات الناجحة الحالية في إنتاج الألعاب منزليا، فقد قام ميكا، لأجل تطوير إحدى ألعابه المفضلة في «أتاري 2600» وهي «بيرزيرك» Berzerk)، بإعادة هندسة اللعبة لتضمين صوت الراوي المتوفر أصلا في النسخة الخاصة بجهاز «أركيد» من هذه اللعبة. ويشير ميكا إلى أن إنتاج مثل هذه الألعاب عمل شاق في سبيل الحب الذي يجمعه بها، ويوضح قائلا: «للحصول على جهاز 2600 قادر على عمل أي شيء فإن الأمر يتطلب الكثير من البحث». ولأن تلك الأنظمة تدعم كمية صغيرة جدا من البيانات، يتطلب ذلك من المبرمجين أن يستخلصوا أكبر قدر ممكن من أساسيات اللعبة.

ويواجه أولئك الذين ينتجون ألعاب «أتاري» التي تأتي على شكل خرطوشات التحدي الإضافي المتمثل بتغليف ألعابهم، إذ يتطلب منهم الأمر فتح الخرطوشات القديمة وإزالة الرقاقات الإلكترونية منها وتركيب تلك التي تضم شيفرات ألعابهم. ويبيع هؤلاء ألعابهم على الإنترنت وفي أماكن تجمع اللاعبين وفي بعض المحلات المتخصصة بثمن يتراوح بين 20 و30 دولارا.

ولا تبدي شركة «إنفوغريمز» (Infogrames)، التي تمتلك حاليا رخصة «أتاري»، أي اهتمام بذلك. إذ يقول ستيف أليسون، الناطق باسم الشركة في نيويورك: «إنهم عندما ينتجون ألعابا تعمل على نظامنا، فذلك يشكل قوة كبيرة لهم». وفي الحقيقة، تستغل «إنفوغريمز» عراقة تلك الألعاب، فنسخ ألعاب «أتاري» الكلاسيكية الملعوبة مثل «تيمبست» (Tempest) و«سينتبيد» (Centipede) تعرضان الآن خلال شاشات تحميل الألعاب في "إكس بوكس» و«بلاي ستيشن 2».

وبالطبع، إذا كان منتجو الألعاب المنزلية سيصبحون من الأغنياء فهي حكاية أخرى، إذ يقولون إنهم بالكاد، وفي أحسن الأحوال، يحصلون ما يكفيهم لشراء المشروبات الغازية. وقد باعت جماعة «بروتوفيجن» من خلال موقعها حوالي 1000 لعبة، وكسبت متابعة موسعة لجهاز «كومودور 64». إلا أن مبرمجي «بروتوفيجن» لا يسعون ليحلوا محل أي من منصات الألعاب في وقت قريب. وبدلا من ذلك، تجدهم راضين أن يتشاركوا بألعابهم مع الناس خلال حفلات تجمعهم بالأصدقاء. ويسخر منت مما يدعيه الراكضون وراء الوسائط المتعددة وإمكاناتها الهائلة قائلا: «إنهم يزعمون أنه لا يمكن عمل أي شيء بذاكرة سعتها 0.064 ميغابايت وترددها ميغاهيرتز واحد!... لكن ما يمكن عمله بهذا الجهاز أمر مبهر حقا».

* خدمة أخبار نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»