مدينة دبي للإنترنت في عيدها الثاني تعرض نفسها كنموذج وكداعم للمبادرات العربية المماثلة

عمر بن سليمان المدير التنفيذي: بدأنا الآن بالتركيز على المدينة كمجتمع إنساني ونعتبر جميع أفرادها شركاء لنا لا زبائن

TT

لم تعد مدينة دبي للإنترنت كما تصف نفسها كأول مركز متكامل لاقتصاد المعرفة يتم إقامته داخل احدى المناطق الحرة في العالم وكنموذج أول يمكن أن تحتذي به الكثير من الدول فحسب، بل أصبحت كذلك نموذجا لأسلوب حياة متميز وفريد، وهو أمر قد لا يصدقه من لا يعرفها عندما يعلم أن عمرها لا يتجاوز العامين، فهي قد انطلقت في مثل هذا الشهر من عام 2000. وبالإضافة إلى تميز هذه المدينة بخطة عمل واضحة المعالم، فإنها محظوظة كذلك بالعنصر البشري المتميز الذي يتم انتقاؤه بعناية بالغة لتطبيق هذه الخطة. فبعد محمد القرقاوي الذي قادها لتتحول من فكرة في مخيلة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى مدينة حقيقية على أرض الواقع في وقت قياسي قل نظيره، قبل أن يكلف بمهمة أخرى بالغة الأهمية لدعم اقتصاد بلده، ثم أحمد بن بيات الذي يتقلد الآن منصب مدير عام سلطة منطقة دبي الحرة للتقنية والتجارة الإلكترونية والإعلام، التي تضم مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي للإعلام، سلمت إدارة هذه المدينة التقنية إلى شاب متميز آخر هو الدكتور عمر بن سليمان كرئيس تنفيذي لها. والعامل المشترك الأساسي بين جميع هذه القيادات، بل وقيادات الصف الثاني، وبقية الصفوف الأخرى في المدينة، ليس المعرفة الكافية والإخلاص لفكرتها فحسب، بل كذلك في طابع البساطة في التعامل والتواضع والحرص على أن تتم جميع الأمور بسلاسة فائقة، بحيث أنها خرجت من عباءة الجمود المتوقع من بيئة الأعمال التقنية التجارية ليصبح لها واقع الحياة الاجتماعية التي تجمع بين أفرادها كعائلة واحدة.

وفي حوار أجرته «الشرق الأوسط» مع الدكتور بن سليمان أحببنا أن نتعرف أكثر على هذا الجانب الذي لا تتناوله الصحافة في الغالب في خضم متابعة التقنية وما يتعلق بها من أمور جافة. وبالمناسبة فإن ابن سليمان رجل يحمل كل الخبرات المناسبة لمنصبه، فمن خبرة عملية حقيقية في شركات «دوت كوم» حصل عليها في الولايات المتحدة، في جميع مراحل حياة هذه الشركات سواء في عصرها الذهبي أو عندما انفجرت فقاعتها، إلى شهادة في الهندسة الصناعية، ثم ماجستير في التعليم وآخر في إدارة الأعمال والتمويل، ثم أخيرا وليس آخرا دكتوراه في علم القيادة. هذا بالإضافة إلى خبرة تسويقية اكتسبها عندما كان يعمل أثناء وجوده في الولايات المتحدة على الترويج للإمارات العربية المتحدة ودبي وللمنطقة التجارية الحرة الخاصة بها، وذلك في بلاد القارتين الأميركيتين. وعن مدينته الإنترنتية حدثنا عمر بن سليمان قائلا: «لقد بدأنا الآن بالتركيز على مجتمع مدينة دبي للإنترنت أكثر، إذ أنها أصبحت تضم أكثر من سبعة آلاف موظف معلومات ينتمون إلى 380 شركة، وهم معا يشكلون مجتمعا بدأ أفراده بالتفاعل بعضهم مع بعض. وهو ما كنا نسعى لتأسيسه منذ البداية، وبدأ يظهر الآن». ويضيف «ولتشجيع ذلك أنشأنا دائرة خاصة لشؤون الشركاء (Partners Relations Department)، فنحن نعتبر جميع من في المدينة هم شركاء معنا، فمن يفتح مكتبه لدينا نسميه شريكا وليس عميلا أو زبونا، والسبب وراء ذلك هو أن هدفنا جميعا هو النجاح، فبما أن نجاحي يتحقق بنجاحه، فهو بالتالي شريكي». وأوضح ابن سليمان، أن الدائرة الجديدة تساعد الشركاء على تطوير أعمالهم وتسهيل أمورهم ومساعدتهم على دخول الأسواق، كما تساهم حتى في حل مشاكلهم المالية.

ويقول الدكتور عمر ان هذه الدائرة تضم مجموعة من الموظفين المتخصصين ذوي الكفاءات العالية، يتم انتقاؤهم بشكل احترافي، ويتميزون جميعا بقدرتهم على الاستماع إلى الناس وتفهمهم، بحيث يكون كل منهم مسؤولاً عن شركاء معينين ويعمل على تلبية احتياجاتهم باستمرار، لدرجة أن أرقام الهواتف الجوالة لهؤلاء الموظفين موجودة لدى الشركاء ومتاحة للاتصال بهم في أي وقت طيلة الأربعة والعشرين ساعة من ساعات اليوم، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يعمل هؤلاء الموظفين على بناء علاقات صداقة مع الشركاء حتى لا يشعر هؤلاء الشركاء بأي حرج عندما يحتاجون للاتصال بهم في أي وقت. ويعلق الدكتور عمر على ذلك قائلا ان العلاقة أصبحت شخصية لدرجة أصبح فيها هؤلاء الموظفين يدافعون عن حقوق الشركاء ويهاجمون إدارة المدينة نفسها (مع أنهم يعملون لحسابها) لو بدا منها أي تقصير، وبسبب هذه العلاقة القائمة على الثقة تحسنت العديد من الأمور لدرجة أن حدة شكاوى الشركات قد انخفضت بشكل ملموس».

* العنصر البشري

* ولتأكيد الاهتمام بالعنصر البشري فإن مدينة دبي للانترنت تحرص على إدراج بند واضح في العقود التي توقعها مع الشركات التي تنضم إليها أو تعمل معها ينص على ضمان انتقال المعرفة (Knowledge Transfer)، وأن يكون ذلك حسب جدول زمني واضح المعالم والخطوات، ويعلق على ذلك قائلا «فعلى سبيل المثال عندما أقامت شركة «آي بي ام» مركز البيانات(Data Center) في المدينة فإن ذلك تم بمساهمة من شبابنا العرب العاملين في دائرة تقنية المعلومات التابعة للمدينة، والذين تلقوا تدريبا في بريطانيا على هذه المهمة بواسطة «آي بي ام» نفسها، بفضل الشروط التي وضعناها لتحقيق أهدافنا بنقل المعرفة والخبرات لهم». وأكد الدكتور عمر على أن أكثر من 75 بالمائة من موظفي دائرة تقنية المعلومات في مدينة دبي للإنترنت من العرب بمن فيهم مدير الدائرة نفسه. وأشار إلى أن المدينة شهدت تأسيس شركات جديدة من أشخاص كانوا يشتغلون في شركات أجنبية تعمل في مدينة دبي للإنترنت، وهذا يعني أنه إذا قررت الشركات الكبرى في الخروج فإن الخبرات ستبقى في منطقتنا.

واستفسرنا من الدكتور عمر بن سليمان عن رأيه بما يتم من مبادرات مماثلة لمدينته في المنطقة العربية، فقال انه من الواضح أن الحركة بدأت والكل يرغب بالتغيير والتطوير، وان العقلية والتفكير لدى المسؤولين في المنطقة تعمل نحو تحقيق الهدف المطلوب، ورأى أن الجهود في الأردن تسير في الاتجاه الصحيح، خاصة أنه يتميز بطاقات بشرية متميزة على حد تعبيره، وشدد على ضرورة التعاون بين الدول العربية وأن التطوير في دبي يفيد العالم العربي ويساهم بتوطين العرب في بلادهم بدلا من أن يهاجروا إلى الخارج. وأكد على المنافسة صحية وساهمت في جعل سمعة المنطقة الجيدة تنتشر في جميع أنحاء العالم، وقال «أصبح لمدينة دبي للإنترنت سمعة كبيرة ولكن هذا لا يكفي، فنحن نريد أن نسمع الأخبار الطيبة من الأردن ومصر وبقية الدول الشقيقة، لتصبح سمعتنا جميعا أفضل».

وأشار الدكتور عمر إلى برنامج الخطوة الأولى (First Step) المخصص للأفراد والشركات الصغيرة، وبالذات التي تعمل في قطاع البرمجيات، حيث يتيح لها الاستفادة من الموقع المتميز للمدينة لاختراق أسواق المنطقة والعالم، ثم يترك المجال أمامها للتطور إلى أن تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها. ويتم ذلك بأن تأتي إلى المدينة وتجربة الفكرة لمدة سنة ليحددوا بعدها مدى ما حققوه من النجاح، وذلك مقابل تكلفة قليلة نسبيا من أجل تشجيعهم.

واستفسرنا الدكتور عن حقيقة شكوى البعض من ان المدينة تتقاضى رسوما عالية مقابل تقديم خدماتها فأجاب «من الضروري التأكيد على أن الشركة التي تعمل على خدمة سوق دبي فقط من غير أن تتعداها، فلن يكون من الداعي أو المناسب لها أن تنضم إلى مدينة دبي للإنترنت أو مدينة الإعلام. أما إذا كانت الشركة تسعى للعب دور إقليمي وعالمي، فإنها تحتاج إلى بنية تحتية ملائمة تحقق لها ذلك، وفي هذه الحالة فإن التكلفة التي ستحصل عليها في المدينة ستكون أقل بحوالي 20 بالمائة عن خارجها. فالأمر لا يتوقف على مقارنة أسعار إيجارات بل عند الخدمات الإضافية، فثمانون بالمائة من الوقت الذي يضيع خارج المدينة هو على أمور جانبية غير أساسية وبعيدة عن العمل الأصلي، في حين أن جميع ذلك متوفر أصلا عندنا، ولهذا يكتشف العديدون من العاملين ميزة التوفير والتسهيلات، خاصة فئة رجال الأعمال كثيري السفر والتنقل، إذ أن المدينة تقدم التسهيلات حتى في إجراءات تأشيرات الدخول».

وأوضح ابن سليمان أن الشفافية واحدة من أهم عناصر النجاح في مثل هذه النوعية من المشاريع، وضرب على ذلك مثالا الحرص على أن يتعامل الجميع بشفافية كبيرة في مدينة دبي للإنترنت، قائلا «نعقد في كل شهر اجتماعاً موسعاً نلتقي فيه أنا وفريقي بالشركات ونتحدث بانفتاح، ونترك للجميع المواجهة الصريحة مع المسؤولين في دوائر المدينة المختلفة حتى يتعرفوا على أخطائهم إن وجدت، فكل شيء يحتمل الأخطاء، ولكن المهم أن نعمل على حل المشاكل بشكل فوري».

وبمناسبة دخول المدينة في عامها الثالث هذا الشهر أعرب الدكتور عمر بن سليمان عن اعتزازه بالنجاحات الباهرة التي حققتها المدينة، خاصة أنها تأتي لخدمة قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة في وقت تشهد فيه أسواقها معدلات نمو تزيد عن ضعف ما تحققه أسواق العالم، وأن المستقبل سيشهد العديد من الانجازات التي ستزيد من تميز هذه المدينة الفتية.