أحدث الإبداعات في عالم الطباعة والتصوير: الليزر الملون يرسم الصور بفنية لا متناهية

TT

في السابق، وقبل ظهور آلات التصوير الرقمية والطابعات النافثة للحبر، كانت الطباعة الفوتوغرافية تتم بتعريض الورقة المعالجة كيميائيا للضوء، ثم تغطيسها في أحواض تحوي مزيدا من المواد الكيميائية. وتطورت عملية التصوير لكن ما زالت طريقة الحصول على صور مبهرة تنتهي بتعريض ورق خاص للإضاءة والمواد الكيميائية، لكن الفرق الحاصل هو أن الضوء بات لا يؤخذ من مصباح عادي، وإنما من ليزرات (أجهزة إطلاق الليزر) ملونة في الطابعات الفيلمية التجارية الرقمية الأكثر تطورا.

وقد يتساءل من يرى الصور الرائعة التي يمكن أن تنتجها الطابعات التجارية النافثة للحبر مستغربا حاجتها إلى التطوير، فكلما أصبحت الصور الناتجة عن بعض الطابعات النافثة للحبر دقيقة، تبقى دقتها مقيدة. وتطلق الطابعات النافثة للحبر نفخات دقيقة من الحبر، ولذا تميل حواف النقاط إلى عدم الوضوح، تماما مثل النقاط التي تطلقها علبة دهان الرش، وهذا يجعل التفاصيل الدقيقة في الصور أقل وضوحا وحيوية. وكلما زاد التركيز اللوني زادت الحاجة إلى التركيز في رذاذ الحبر ما يجعل الصورة أكثر ضبابية.

وتفادت المعامل الرقمية الليزرية، المصنّعة من قبل شركات مثل «فوجي»Fuji) ) و«نوريتسو» Noritsu) ) و«أغفا» Agfa)) المستخدمة من قبل محلات التصوير السريع ومستودعات الأدوية تلك المشكلة، لأن النقطة الضوئية الدقيقة تبقى بالحجم نفسه بغض النظر عن مدى تركيز وقوة إطلاقها، ما يؤدي إلى إيجاد تفاصيل حادة عندما تتعرض بلورات الفضية الفضة على الفيلم الفوتوغرافي إلى الليزر.

وليست هذه الليزرات مثل تلك الموجودة في طابعات الليزر المكتبية وحتى الملونة منها، فالطابعات المكتبية تعمل كالناسخات، إذ يضع ضوء الليزر شحنة إلكتروستاتيكية على أسطوانة تلتقط الحبر (إما الأسود أو الملون) وتصهره على الورقة. وتوجد في معمل الصور في الحقيقة ثلاثة ألوان من اللازرات التي تطلق نقاط الضوء الصغيرة على النوع نفســــه تقريبا من الورق الذي لا زال يستخدم منذ 100 عام.

ولم يكن وضع الليزرات الملونة في المعمل بالأمر السهل، إذ كان على المهندسين أن يتغلبوا على مشكلات تقنية عالية الكلفة جعلت الطباعة بالليزر تبدو من المستحيلات. ورغم أنه كان من السهل إنتاج اللازر الأحمر الرخيص والموثوق -الموجود في قارئات الرموز الخطية ذات العشرة دولارات ـ احتاج العلماء إلى ليزر يعطي كلا من اللونين الأخضر والأزرق، فمن دون تلك الألوان الثلاثة، لا يمكن خلط ألوان قوس قزح اللازمة لإعادة إنتاج الصور الفوتوغرافية الملونة. لكن كان الليزران الأزرق والأخضر مكلفين واتسما بفترة حياة قصيرة.

وقد حلت شركة «فوجي»، التي تقول إنها تنتج 60 في المائة من معالجات الليزر المستخدمة في المعامل الفوتوغرافية، المشكلة باستخدام ليزرات تبعث الأشعة تحت الحمراء خارج المدى المرئي. ويمر هذا الضوء الخفي من خلال مولد متوافق يضاعف تردد الشعاع جاعلا إياه مرئيا كأزرق أو أخضر. وقد طبقت الشركات الأخرى طرقا مختلفة، كاستعمال الليزرات الغازية، لتوليد الألوان.

ويحدث الإبداع الحقيقي في هذه الأنظمة الرقمية قبل أن يصل الضوء إلى الورقة، اذ توجد لدى هذه الأجهزة ماسحات ضوئية سريعة يمكنها أن تتعامل مع الصور السلبية Negatives)) والصور الإيجابية الشفافة، كالشفافيات التي تستخدم في عروض الإسقاط الضوئي Projection))، إضافة إلى الصور المطبوعة. كما يمكنها أن تعالج ملفات الصور الرقمية سواء من الأقراص المدمجة أو بطاقات الذاكرة، ليتم بعد ذلك تحليل الصورة ببرنامج يضبط اللون والتباين والسطوع حسب الحاجة. وتفعل الطابعات القديمة المعتمدة على ضوء المصباح الشيء نفسه أيضا، لكنها يجب أن تختار أفضل المعدلات قبل تعريض صورة سلبية إلى ضوء المصباح المكبر. لكن يمكن لطابعات الليزر أن تختار سطوعا حسب الطلب لكل جزء من الصورة، فببساطة تكلَّف الليزرات بتظليم المناطق قليلة التعرض وتفتيح المناطق شديدة التعرض للضوء، مما يمنحها قدرة أكبر بكثير على إنقاذ الصور الضعيفة.

وتعني الميزات المضافة للنماذج الليزرية تكلفة أكبر، إذ يمكن أن يكلف معمل رقمي صغير، مثل «فرونتير» من «فوجي» (Fuji Frontier)، 100 ألف دولار أو أكثر، وذلك اعتمادا على الميزات والسرعة. لكن هناك حدوداً لما يمكن أن تقوم به حتى برمجيات الليزر، فبينما تعمل جيدا على تصحيح اللون، لا تستطيع عمل الكثير لتقليل الظلال السيئة في الصورة، وهو التصحيح الذي ما زال يتطلب برنامج تحرير صور مثل «فوتوشوب» Photoshop)) ومصمما ماهر.

وبمجرد أن يتم مسح الصورة، يجري البرنامج تعديلاته ويرسل المعلومات اللازمة لتهييج الليزرات. ولأن الليزرات نفسها ثابتة، تنعكس نقاط الضوء الصادرة منها عن مرآة دوارة ذات ستة جوانب نحو الورقة. وتدور المرآة لترسم خطا ضوئيا عبر الورقة، فتنتج كل دورة كاملة ستة خطوط على الصورة الملونة، تتقدم الورقة بعدها لاستقبال الخطوط الستة التالية. وتعكس المرآة الدوارة الضوء خلال عدسة وعن مرآتين ثابتتين تضمنان سقوط الضوء بزاوية عمودية على الورقة، وإلا لكان لخطوط المسح حافات ضبابية مثل تلك الناتجة عن نافثات الحبر.

لقد أصبح من الممكن باستخدام آلة تصوير رقمية ومظهّر صور ليزري، إنتاج صور أكثر وضوحا وتفصيلا مما تنتجه آلات التصوير الفيلمية، كما تخلو الصور الرقمية من التحببات الموجودة في الصور الفيلمية والناتجة عما يعلق بالأفلام السلبية من غبار وشعيرات دقيقة. لكن مثلما عُرِفت «فوجي» بنسخة أولى من معالجها الليزري، فقد لا تكون معرفة التفاصيل أمرا جيدا، إذ يقول براد بنك، الاختصاصي التقني الكبير في «فوجي فيلم»: «كان الجهاز دقيقا جدا في الطباعة لدرجة تتيح لك رؤية كل عيب في الصورة». إلا أن الأجهزة الأحدث أضافت ميزة التعرف إلى الوجوه; فعندما يكتشف الجهاز سطحا مدورا بلون البشرة، يقوم البرنامج بتنعيم السطح حتى تختفي كل المسام والعيوب التي فيه. الجميل في الأمر أن هذه الطبعات يمكن أن تدوم لمائتي سنة.

* خدمة أخبار نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»