في عالم صناعة ألعاب الكومبيوتر: «العصا والجزرة» السياسة الجديدة لمنتجي الرقاقات الإلكترونية

«إنتل» و«إيه إم دي» تستدرجان المطورين إلى «مكاملة» الألعاب مع رقاقاتهما... معظم الشركات تبنتها لكن البعض يرى في استراتيجية العمل الجديدة «منفعة ذاتية»

TT

في ظل الركود الذي تعاني منه صناعة أشباه الموصلات، بدأت شركتا إنتاج الرقاقات الإلكترونية «إنتل» Intel)) و«أدفانسد مايكرو ديفايسز» (Advanced Micro Devices) (AMD) استدراج صانعي الألعاب كي ينتجوا ألعابا أضخم وأسرع تستنفد قدرة أجهزة المستخدمين فيسارع هؤلاء إلى شراء أجهزة جديدة.

وطالما ساعدت الشركتان مطوري البرمجيات على ابتكار برامج قادرة على استنفاد طاقة المعالج الدقيق في الكومبيوتر، إلا أنهما رفعتا أخيرا من مستوى جهودهما في هذا المجال لتطال محبي الألعاب، والسبب هبوط مبيعات الرقاقات في الولايات المتحدة بنسبة 44 بالمائة في العام 2001، بينما حققت مبيعات ألعاب الكومبيوتر نموا قدره 4 بالمائة لتصل إلى 1.42 مليار دولار. ويقول ستيف كويانغ، المحلل في شركة أبحاث السوق «إن بي دي إنتيليكت» NPD Intelect):) «تحاول الشركات المنتجة للرقاقات استغلال كل ما يخطر ببالها من أسباب في سبيل استدراج الناس لتطوير أجهزتهم، وتعد ألعاب الكومبيوتر سببا كبيرا ورائعا للعديد من المستخدمين».

وقد أصبحت «إنتل» تحديدا أكثر عزما خلال الشهور القليلة الماضية، فقد دفعت الشركة الواقعة في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا أكثر من مليون دولار كي يتم وضع شعارها في لعبة «ذي سيمز أون لاين» (The Sims Online) المقبلة التي تطورها «إلكترونيك آرتس» (Electronic Arts). كما أطلقت الشركة عدة حملات إعلانية مطبوعة موجهة تحديدا إلى اللاعبين، وعززت رعايتها للمنافسات المهمة في عالم صناعة الألعاب، كما زادت بشكل ملحوظ من حصة ميزانيتها المخصصة لمحالفة جهود التسويق مع ناشري الألعاب.

ولكي لا تتخلف في الركب، خصصت «إيه إم دي» فريقا من أربعة مبرمجين للمحافظة على توثيق عُرى التعاون مع مطوري الألعاب. ويقول مارك دي فرير، مدير التسويق في «إيه إم دي» بمدينة سنيفيل بكاليفورنيا: «نحن لا نقدم التسلية للاعبين، وإنما نقودهم إليها».

وتشير شركات التقنية إلى أنها سعيدة بالنتائج. إذ يقول براين فافل، مدير تسويق أجهزة الكومبيوتر المكتبية في «إنتل»: «أردنا أن نفهم اللاعبين بصورة أفضل، وأن نبني ونرعى علاقة معهم، آملين أن يوصوا بنا عند الأهل والأصدقاء، لذا كنا سعيدين جدا بالنتائج، فنحن نكسب المزيد من الناس في عالم الألعاب الذين يأتون إلينا باحثين عن الشراكة، كما أننا نحصل على الكثير من الملحوظات الإيجابية في مواقع الويب الخاصة بالمعجبين. إننا نحاول بجد أن نصغي إليهم ونفهم ما يريدون».

لكن لم كل هذا الاهتمام؟ لقد بلغت احتياجات التطبيقات المكتبية، مثل برامج إعداد الجداول الإلكترونية ومعالجة الكلمات، من قوة وحدة المعالجة المركزيةCPU) ) مرحلة من الاستقرار ولم تعد بحاجة إلى المزيد منها، بعكس الألعاب التي تتطور وتزداد حاجتها إلى السرعة باستمرار. يقول بيتر غلاسكاوسكي، المحرر في نشرة «مايكروبروسيسر ريبورت» (Microprocessor Report) الإخبارية الصناعية: «بمجرد أن ندخل في مدى 400 ميغاهيرتز، يحصل معظم مستخدمي تطبيقات «أوفيس» (Microsoft Office) على جل ما يطمحون إليه من قوة المعالجة. لكن بمقدور الألعاب أن تستهلك كامل طاقة وحدة المعالجة المركزية، وستبقى دوما قادرة على ذلك». ويضيف غلاسكاوسكي: «إذا حصل مطورو الألعاب فجأة على عشرة أضعاف القوة فإنهم يستطيعون استغلالها على الفور بإضافة عشرة أضعاف من أعداد الوحوش إلى ألعابهم. لكن، وإضافة إلى ذلك فقد جعلت الألعاب تلك الوحوش أقوى، فهي لا تقف حيث تطلق عليها النار، وإنما تراوغك وتحاول إيقاعك في الأشراك، وهذا هو ما يسمى بالذكاء الاصطناعي الذي يضيفه مطور والألعاب بشكل متزايد للاستفادة من قوة المعالجة المتاحة».

ولنأخذ مثلا «إيفركويست» EverQuest)) ، وهي لعبة تمارس عبر الإنترنت أنتجتها «سوني أون لاين إنترتينمنت» (Sony Online Entertainment). عندما ظهرت هذه اللعبة أول مرة قبل ثلاث سنوات ونصف كانت بحاجة إلى معالج بنتيوم بسرعة 166 ميغاهيرتز و32 ميغابايت من ذاكرة الوصول العشوائيRAM). ) أما بالنسبة إلى الإصدارة الأحدث من هذه اللعبة «إيفركويست: بلاينز أوف باور» (EverQuest: Planes of Power)، فتوصي «سوني» بمعالج بنتيوم 3 بسرعة 800 ميغاهيرتز وبذاكرة سعتها 512 ميغابايت. ويقول سكوت ماكدانييل، نائب الرئيس للتسويق في «سوني»: «ما فعلناه هو حمل المستخدمين على ترقية أنظمتهم من أجل ممارسة اللعبة، لذا فإننا قمنا ببساطة بفرض وسيلة لترقية الأجهزة مع كل طرح لمنتج جديد».

* الإلهام الأساسي

* وقد مارست الألعاب كذلك دورا حيويا في إطلاق سوق البطاقات الرسومية في منتصف التسعينات، إذ عملت ألعاب مثل «كوايك»Quake) ) و«نيد فور سبيد»Need for Speed) ) على زيادة حاجة اللاعبين إلى بطاقات رسومية بإمكانها تقديم بيئات لعب غنية وتوفير حركة سريعة وسلسة أثناء اللعب. ويسعد لاعبو الكومبيوتر بالموافقة على ما يطرح من جديد التقنية، وهم عادة أول من يقومون بترقية أجهزتهم ويدفعون باتجاه زيادة قوة «المعالجة. ولسنوات ظل اللاعبون يتبادلون النصائح حول كيفية تسريع معالجاتهم من خلال تكليفها بأداء يفوق قدراتها المعلن عنها. وقد تعرفت «إنتل» و«إيه إم دي» منذ فترة طويلة على الدور الأساسي للاعبين، الذي لم يتمثل بالقوة الشرائية فحسب، وإنما بتأثيرهم على المشترين المفتقرين للخلفية التقنية والباحثين عن النصيحة للشراء. فعلى سبيل المثال، عملت «إيه إم دي» في العام 1998 مع شركة «آي دي سوفتوير» Id Software) ) لإنتاج نسخة خاصة من لعبة« كوايك II» Quake II) ) تستفيد تحديدا من قدرة رقاقة «إيه إم دي»، وهي عملية معالجة هندسية تُدعى تحقيق التكاملية Optimization). ) وقد ساعدت هذه اللعبة على تعزيز سمعة «إيه إم دي» بين اللاعبين. لكن بقيت مثل هذه الجهود، وحتى وقت متأخر، غير رسمية لا سيما في «إنتل».

ويقول ييفس بليوت، كبير نائبي رئيس شركة «إنفوغرامز» Infogrames)) ، ناشرة ألعاب اتسمت بالقوة مثل «نيفروينتر نايتس» Neverwinter Nights)) و«أنريل تورنامينت» (Unreal Tournament) و«سيفيلايزيشن III» Civilization III))، والذي يعمل مع «إنتل»، إن تلك الجهود اتسمت في الماضي بكونها أكثر اعتمادا على الفرص، لكنها الآن أكثر تنسيقا وتخطيطا».

وقد بدأت «إنتل» برنامجا قبل أربعة أشهر لوضع شعار معالجها «بنتيوم 4» على ظهر علبة لعبة كومبيوتر، وهو ما تفعله «إيه إم دي» منذ سنوات، كما بدأت «إنتل» العام الماضي رعاية المنافسات التي تجري في عالم الألعاب، مثل منافسات اتحاد محترفي الرياضة السايبرية (Cyberathlete Professional League) والمهرجان الكندي للاعبين المسمى «فراغابالوزا» .(Fragapalooza)

* مساندة تقنية للمطورين

* من وجهة نظر صناعة الألعاب، توفر شركات الرقاقات شيئين اثنين، الأول هو مصادر التسويق، مثل رعاية المنافسات والإعلانات المشتركة، فقد دفعت «إنتل» على سبيل المثال جزءا كبيرا من تكاليف حافلة متجولة تقوم بالدعاية للعبة «سوني» الجديدة «إيفركويست» في المدن الأمريكية. أما الأمر الآخر، فهو المساندة الفنية، إذ تعرض «إنتل» و«إيه إم دي» عادة إرسال مهندسين لمساعدة مطوري الألعاب على الاستفادة من قدرات الرقاقات الإلكترونية التي يطورون ألعابهم لها. وتتراوح تلك المساندة ما بين الإجابة عن الأسئلة عبر الهاتف والجلوس بجانب المطورين وكتابة الشيفرات البرمجية. فعلى سبيل المثال، توفر شركة «ديسكريت» Discreet))، التي تنتج الأدوات البرمجية لمطوري الألعاب ومقرها سان فرانسيسكو، مكتبا خاصا بمهندسي «إنتل» الذين تستقبلهم.

إلا أن بعض المطورين يرفضون المساعدة العملية التي يقدمها المهندسون، سيما إذا ما تضمنت تغييرات كبيرة في البرمجة الداخلية للعبة لتتوافق مع رقاقة بعينها. ويقول جون كارماك، الذي يطور سلسلتي إصدارات اللعبتين «دووم» Doom) ) و«كوايك» Quake))، إنه رفض العديد من تلك العروض. ويضيف قائلا: «بعيدا عن الاستفادة من السرعة المضافة لوحدة المعالجة المركزية، لم تسفر مكاملة لعبة ما عن تعاظم في سرعة الأداء بشكل كاف فتستحق جهود الحفاظ على القاعدة البرمجية بمرور الوقت. أنت تتحدث عن زيادة في الأداء قدرها من 10 إلى 15 بالمائة في أحسن الأحوال، وقد وجدت في معظم الحالات أن الأمر لا يستحق عناء ما يبذل من أجله من جهود».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص ـ«الشرق الأوسط»