أوقفوا هذه المهزلة: حب الأذى للاعبين «سادية إلكترونية» وتحد سافر للترفيه على الإنترنت

مسببو الأذى يثيرون الأعصاب وينفرون اللاعبين... فهل يستفزون مطوري الألعاب ليقفوا لهم بالمرصاد؟

TT

عندما يعود كيرت فريريتش لبيته بعد يوم عمل طويل في إصلاح أجهزة الكومبيوتر، يحب تناول العشاء مع عائلته، ومن ثم يُدخل طفلته ابنة العامين إلى سريرها، ليستقر أمام كومبيوتره مع فنجان من القهوة الساخنة ويبدأ في صب دناءته المستمرة على الآخرين. يستمتع هذا المستشار التقني، 25 عاما، بالتقتيل العشوائي للاعبين الآخرين في الألعاب التي تمارس على الإنترنت، مثقلا ضحاياه بالازدراء ومستغلا الأخطاء البرمجية في تلك الألعاب لصالحه.

يمثل فريريتش نموذجا لما يطلق عليه اللاعبون على الإنترنت اسم «غريفر»Griefer) ) أو «مسبب الأذى»، وهو الشخص الذي يلعب من أجل أن يُبكي الآخرين!! ويطارد مسببو الأذى اللاعبين ويهينونهم ويحاولون ابتزازهم، كما يشكلون عصابات للقتل والسلب. ورغم أنهم يشكلون نسبة ضئيلة جدا من ملايين اللاعبين على الإنترنت، فهم بارعون في التضييق على اللاعبين وبالتالي تنفير الآلاف ممن يدفعون لقاء اللعب.

وكنتيجة، أصبحت ممارسات «مسببي الأذى» أولئك من أمثال فريريتش تشكل هاجسا لشركات «سوني» و«مايكروسوفت» و«إلكترونيك آرتس» التي تصرف مئات الملايين من الدولارات لتبني ألعاب الإنترنت متأملة أن تحرك بها سوقا كبيرة. فبالنسبة إلى هذه الشركات، تبقى ألعاب الإنترنت نموذجا نادرا للعمل المربح على الإنترنت، فقد يكون لألعاب مثل «إيفركويست» EverQuest)) و«ألتيما أون لاين» Ultima Online)) و«دارك إيجز أوف كاميلوت» (Dark Ages of Camelot) بضع مئات آلاف من المشتركين فحسب لكل منها، لكنّها مع ذلك تُعد وسائل لجمع المال بثبات.

وأوشكت الحصص المالية أن تصبح أكبر بكثير، فمن المتوقع أن تحقق عائدات هذه الألعاب في الولايات المتحدة نموا من 300 مليون دولار إلى 1.8 مليار بحلول العام 2005. ومن الجدير بالذكر أن هناك حوالي مليون لاعب على الإنترنت في الولايات المتحدة وملايين غيرهم حول العالم، خصوصا في كوريا الجنوبية التي تضم وحدها عدة ملايين من اللاعبين.

ويخشى صناع الألعاب من أن يعرّض المخربون الافتراضيون نمو ألعاب الإنترنت للخطر عبر إخافة اللاعبين الذين سيدفعون 10 إلى 14 دولارا بالشهر ويحاولون تكريس مصادر فعالة من أجل إيجاد الطرق لإيقاف الفوضى على الإنترنت.

وقد بدأت ألعاب الفيديو ذات الأعداد الهائلة من اللاعبين، والتي تسمى ألعاب «العالم المثابر» لقدرتها على استيعاب آلاف اللاعبين بالوقت ذاته، قبل عقود كألعاب أساسها نصوص بسيطة. وفي الوقت الذي نمت فيه الكومبيوترات الشخصية بقوة أكبر، اكتسبت هذه الألعاب رسومات تطورت في عوالم غنية وغارقة بالخيال، يستطيع اللاعبون فيها اكتساب وظائف افتراضية وتبني حيوانات أليفة وحتى الزواج والتملك.

ففي أساسها، كان المقصود بهذه الألعاب أن تكون مدنا أسطورية على الإنترنت حيث يلتزم اللاعبون بمبادئ شرف محددة، لكن بدلا من ذلك انحدر عدد منهم بسرعة تجاه الفوضى ليسرقوا ويقتلوا ويمارسوا كل أشكال السلوك المشين ضد الشخصيات الأخرى في هذه الألعاب، فيطارد اللاعبون ذوي الخبرة مثلا أولئك المستجدين ويقتلونهم مرارا وتكرارا.

وبالنسبة لأولئك المخربين، أو من يمكن أن نسميهم مسببي الأذى, ليس القتل هو المتعة المنشودة لأن القتال موجود أصلا في العديد من هذه الألعاب، لكن ما يمتعهم حقا هو التعاسة التي يسببونها للاعبين الآخرين. يقول فريريتش، الذي يتلذذ بشخصيته الشريرة على الإنترنت ويحفظ كل بريد إلكتروني سيئ يصله ممن يثير عداوتهم من اللاعبين: «يستمد المخربون نشاطهم من ردود الأفعال السلبية الصادرة عن الناس الذين يقتلونهم، فليس هناك أجمل من أن يبدأ شخص ما بقذفك بالإهانات لساعات عندما تقتله. يبدو الأمر قاسيا جدا، لكنه ممتع». وقد تلقى فريريتش رسائل من آباء اللاعبين، يلتمسون إليه فيها أن يلعب بلطف مع أبنائهم الذين يبكون نتيجة ألاعيبه.

وبينما تدفع فريريتش رغبتُه في لعب دور شخصية شريرة، فإن أكثر مسببي الأذى أولئك هم من الأولاد المراهقين الذين يجدون من الممتع رؤية مدى تأثيرهم على الحدود الاجتماعية. ويقول روبرت لي، البالغ من العمر 16 عاما، من مدينة أوماها والذي يمارس لعبة «ألتيما أون لاين»: «بدأت في التسبب بالمصائب للآخرين، وذلك يمنحني شعورا بأني في مستوى أعلى منهم، وأنا أجد أن طرق الإيذاء أكثر متعة من القتل على الإنترنت».

ويتبنى مسببو الأذى في الغالب أسماء عدوانية على الشاشة، كما تتسم ترسانة التخريب التي يملكونها بالضخامة والتنوع. فمثلا أصبح اللاعب ذو الاسم Ninja Stealing أخيرا كثير الإزعاج; إذ ينتظر لاعبا آخر حتى يقتل وحشا، وعندما يسقط الوحش ميتا فإنه يتخلى في الغالب عما لديه من أسلحة وعملات معدنية ومواد أخرى مرغوب بها، لكن وقبل أن يتمكن اللاعب من التقاط غنائمه، يسرع المخرب إلى سرقتها والهرب بها.

وسيلة أخرى مثيرة للسخط يمارسها المخربون، وهي إغراء مجموعة وحوش بالتوجه نحو اللاعبين السذّج. الوحوش، التي يتحكم بها الكومبيوتر مبرمجة عموما لقتل أقرب من تراهم من اللاعبين. وبالتخلص من اللاعبين الآخرين يمكن للمخرب أن يخدع الوحوش في مهاجمة شخص آخر.

ويمكن أن يشكل مسببو الأذى عصابات افتراضية أيضا، مانعين الوصول إلى المناطق المرغوبة في اللعبة وطالبين الرشوات من اللاعبين، كما أنهم يديرون الاتحادات الاحتكارية بتخزين مكونات اللعبة مثل عين سمندل الماء أو صبغة الشعر الحمراء فارضين رسوما مرتفعة للحصول عليها. وفي أغلب الأحيان، رغم ذلك، تجد الإيذاء البسيط أساسا في لعب المخرب.

ويقول ريتشارد غاريوت، الذي ابتكر لعبة «ألتيما أون لاين" قبل عقدين وهو الآن مدير التطوير في شركة إنتاج الألعاب "إن سي سوفت«NCSoft)) في أوستن بتكساس: «كان لدينا في وقت ما فرقة متجولة من المجرمين، وكلهم من الحرفيين الذين يمكن أن يذهبوا إلى لاعب مع شحنة من الخشب ويبنوا بسرعة قطعا كبيرة من الأثاث يضعونها حول اللاعب فتمنعه من الحركة، وهو سلوك مخادع».

لكن ليس كل عمل مسببي الأذى القتل. إذ يقول غوردن والتن، الذي كان رئيس خدمات الإنترنت في «ألتيما أون لاين» والآن المنتج التنفيذي في «إلكترونيك آرتس» للعبة المقبلة الموجهة لشريحة واسعة من اللاعبين «سيمز أون لاين» (Sims Online): هناك كل أنواع الاعتداءات الافتراضية التي يواجهها الناس بطرق لم يعتقدوها ممكنة الحدوث; فهناك مواد إباحية وأخرى عنصرية وغيرها مما قد لا يخطر على بالك». ويعلق والتن على بذاءة تلك الطرق بقوله: «أنا حتى لا أخبر زوجتي عنها، فهي طرق أكثر من بذيئة»! وتقول باتريشا تي أوكونر، المؤلفة المشاركة لكتاب You Send Me حول الكتابة على الإنترنت، إن سرية الاتصال بالإنترنت غالبا ما تشجع الناس على قول أشياء لا يقولونها في حياتهم الحقيقية. وتضيف قائلة: «بسبب السرية التي تتسم بها الكتابة على الإنترنت، يفلت الناس بسلوكهم دون عقاب، وما كانوا ليفلتوا في دنياهم الحقيقية، فما هو أسوأ ما يمكن حدوثه؟».

قليل جدا كما يظهر; فيمكن أن يوزع مطورو الألعاب التحذيرات ويعلقوا اشتراكات اللاعبين لبضعة أيام أو في أسوأ الحالات يمنعونهم من اللعب نهائيا. وكنتيجة، فإن ألعاب الإنترنت مستعدة لكل أساليب السلوك اللااجتماعي على الإنترنت. ويقول غاريوت: «لكن الألعاب على الإنترنت عبارة عن مرايا تعكس، مهما تكن مشوهة، واقع العالم الحقيقي، حيث يتعايش الشرير والطيب، وحيث لا يخلو كل صف دراسي من الأشقياء. وحسب هذا المنطق فإن مسببي الأذى هم جزء حتمي من النظام البيئي الافتراضي». وهناك مدرسة فكرية تتبنى طرحا يقول إن المخربين يلعبون دورا حيويا، إذ يكتشفون الأخطاء التقنية في اللعبة، كما أنهم يسبغون على الألعاب شعورا حيا بالتوتر. وبهذا الصدد يقول ريك كوستا، الذي يمارس الألعاب منذ مدة طويلة على الإنترنت معتبرا نفسه فاضلا: «عندما نجتمع مع الأصدقاء القدامى من هذه الألعاب، لا نتحدث عن الأشياء الجذابة، ولكن عمن جعلوا حياتنا جحيما، فهم نوع من قوى الطبيعة، وأنت لا تزال تذكرهم».

ولكن لا توجِد أكثر شركات الألعاب مثل هذه الفوارق بين المؤذي الجيد والسيئ. فالآن تتمتع ألعاب الإنترنت بمناطق آمنة لا يمكن أن يتعرض اللاعبون فيها للأذى، ومرشحات أسماء ترفض الأسماء البذيئة. لكن وبالسرعة التي يقيم فيها المطورون تعزيزاتهم, يجد المخربون طرقهم للالتفاف حولها. والنتيجة هي جولات لا نهائية من لعبة القط والفأر التي، وإن كانت ممتعة بالنسبة للمخربين، أصبحت تكلف مطوري الألعاب غاليا جدا. ويتوقع ألان كروسبي، مدير خدمات الزبائن في «سوني»، أن يقضي كل واحد من موظفيه الستين العاملين بالدعم الفني ما معدله ساعة واحدة من ساعات العمل الثماني في التعامل مع نشاط ذي علاقة بالأذى.

ويحاول مطورو الألعاب جذب اللاعبين الجدد، إذ تبني مايكروسوفت، مثلا، شبكة للاعبي منصتها «إكس بوكس» Xbox)) على الإنترنت. كما توجه «سوني» مستخدمي «بلاي ستيشن 2» نحو ألعاب الإنترنت الخاصة بمنصتها. وتضع «إلكترونيك آرتس» لعبتها الشهيرة «سيمز أون لاين» على الإنترنت مع نهاية العام بأمل طرح ألعاب الإنترنت القائمة على الاشتراكات المدفوعة أمام اللاعبين العاديين. أما «لوكاس آرتس» LucasArts))، شركة ألعاب الفيديو التابعة لمجموعة «لوكاس فيلم» (Lucasfilm)، فتبني لعبة إنترنت من «ستار وورز» (Star Wars) أسمتها «غالاكسيز» Galaxies)) يُتوقع أن تصدر السنة المقبلة.

ويقول شيلي أولافا، وهو محلل رئيس بمجموعة الاستشارات التقنية «آي دي سي» IDC):) «لهذه الألعاب إمكانية اجتذاب الكثير من اللاعبين الذين لم يمارسوا ألعاب الإنترنت من قبل». ويتوقع أولافا أن تصل عائدات الولايات المتحدة من ألعاب الإنترنت إلى قرابة ملياري دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وهكذا، ينشغل مطورو الألعاب في إحباط مساعي المتسببين بالأذى، وستمنح خدمة «إكس بوكس لايف» من «مايكروسوفت» Microsoft"s Xbox Live)) ، على سبيل المثال، اللاعبين القدرة على حجب أولئك العدوانيين، وبهذا لا يمكن سماع الشخص العدواني رغم إمكان مشاهدته. كما تبني ألعاب أخرى مثل «سيمز أون لاين» غرفا يجب على اللاعبين الحصول مسبقا على دعوات قبل أن يتمكنوا من دخولها. ويقول كاميرون فيروني، مدير خدمات المحتوى لمنصة «إكس بوكس»: "نحن نحاول كسب جيل جديد كامل من اللاعبين ممن لم يكونوا من قبل على الإنترنت، ونريد التأكد من أن كل شخص يتمتع بتجربة جيدة». وستستمر شركات الألعاب بالمحاولة، لكنها ستجد غالبا أن صعوبة استئصال مسببي الأذى من الألعاب هي بمثابة صعوبة استئصالهم من العالم الحقيقي. وحسب رأي مستشار التخريب فريريتش: «الأخيار والأشرار متلازمون على الدوام».

*خدمة لوس أنجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»