سمير عطا الله والكومبيوترة

وليد الأصفر

TT

بالنسبة لي فإن أعمدة بعض الكتاب الصحفيين الكبار هي أشبه ما تكون بدورة تدريبية مكثفة قصيرة، تستطيع أن تحصل من سطورها القليلة على خبرة عشرات السنين من خلال جرعة صغيرة واحدة. كما أنها ومن جانب آخر غير متخصصة في مجال واحد، وتكتب عادة بلغة تخلو من المصطلحات التي تبدو معقدة، مما يجعل الناس لا يترددون في قراءتها. أما الكتاب الذين اختاروا تخصصا تقنيا للكتابة فيه، فإنهم ومهما بذلوا من جهد لجعل مقالاتهم العربية سهلة الفهم والاستيعاب من قبل الجميع، كما نحاول أن نفعل في ملحق تقنية المعلومات في «الشرق الأوسط»، فإن مقالاتهم تعاني في كثير من الأحيان من إحجام البعض عن قراءتها، ربما خشية أن لا يفهموا ما يقرأون، أو لظنهم أنها للمتخصصين فقط، أو ببساطة لحقيقة أن الانسان عدو لما يجهل، الأمر الذي زرع في نفوسهم نوعا من الرهاب، أو الفوبيا كما يفضل البعض، من كل ما يتعلق بالتقنية. ولا أقصد من كلامي هنا الشكوى، فعدد المهتمين بصفحات التقنية سواء اليومية أو الأسبوعية في جريدتنا في ازدياد مستمر، إلا أنه ما زال أقل من المهتمين بصفحات الرياضة (لما أشعر أن هناك من يضحك ساخرا من هذه الملاحظة).

المهم، وفي مقالته «اعتمر وليس ارتدى» التي نشرت يوم الاثنين الماضي، أتحفنا الأستاذ المبدع سمير عطا الله، بمقالة قصيرة لطيفة، عن جمال لغتنا العربية وبلاغتها الفائقة مقارنة مع غيرها من اللغات، وكان ذلك من مدخل الأخطاء اللغوية التي يقع فيها الصحفيون العرب، وفي معرض حديثه أكد أنه ومهما تقدم الكومبيوتر وتقدمت علومه، يبقى العقل البشري هو التفوق الاكبر لو قورن معه. إذ قال «.... الكومبيوتر تردد ما تلقمها. تقدم لك عشرين مرادفاً لكلمة واحدة في ثانية واحدة، لكنها لا تستطيع خلال عام ان تكتب موضوع انشاء كالذي يعطى لاطفال العاشرة من العمر. وتستطيع ان تضحك على اكبر كومبيوتر اذا اعطيتها كلمة ثم غيرت فيها حركة. وفي استطاعة الكومبيوتر ان تحفظ عشرين قاموساً و70 ديواناً من الشعر لكنها لا تستطيع ان تكتب جملة مفيدة واحدة. وفي ثانية تستطيع ان تعطيك الجذر التربيعي لألف رقم، اما في اللغة فهي صامتة لأن اللغة خصوصية بشرية لم تمنح لكائن او مكوّن سوى هذا المخلوق الذي منحه ربه الفوز الكبير عندما خاطبه قائلاً: اقرأ باسم ربك. لقد كلفه اسمى مهمة على الارض». وبغض النظر عن أنه ظلم الكومبيوتر عندما سرد بعض المعلومات «التقنية» التي لا تعبر سوى عن جزء بسيط من قدرات هذا الجهاز، إلا أن الصواب كان حليفه بالكامل عندما أكد على مدى تواضع الكومبيوتر فيما لو أنه قورن بالبشر. الأهم من ذلك كله تخيلت كيف لو أن الأستاذ عطا الله وغيره من الكتاب «المحايدين» أصحاب الشعبية الكبيرة، زادوا من ذكرهم للأمور التقنية والاشارة إليها في مقالاتهم، كم سيدعم ذلك عملنا كمتخصصين ويزيد من نشر الثقافة التقنية التي تعاني المجتمعات العربية من نقص في معرفتها بها. ومع أن البعض قد يقول ان مقالته تبدو وكأنها تنقص من قدر الكومبيوتر، أقول على العكس، إذ أنه فعل الصواب عندما أكد على أن الكومبيوتر لا يعدو عن كونه مجرد أداة ذات قدرات فائقة.

بقي شيء لفت انتباهي في مقالته وهو أنه تحدث عن الكومبيوتر بضمير المؤنث، ولا أريد هنا أن أنقص من قدر شقائق الرجال، ولكني لم أسمع في حياتي من يخاطب الكومبيوتر كأنثى. حتى المدافعات عن «حقوق» المرأة في العالم العربي، لم تخطر ببالهن تلك الفكرة «الجهنمية». وحتى لا يذهب عقلي بعيدا في تفسير ذلك، تحدثت هاتفيا إلى الأستاذ سمير عطا الله الذي كان في بيروت لاستفسر عن ذلك، فقال لي ان كل ما في الأمر هو أن كلمة كومبيوتر كلمة أعجمية، ولهذا يجوز أن نستخدم معها ضمير المذكر أو ضمير المؤنث على حد سواء. وبالتالي لم يكن هناك أي مغزى اجتماعي أو سياسي لما اعتبرته أنا مخالفة للعادات التقنية العربية. والآن ما رأيكم في لو أننا بدأنا على مدى شهر على الأقل في تجربة الحديث عن الكومبيوتر (أو الكومبيوترة) بضمير الأنثى؟ فمن يدري فلعل هذا يجتذب إليه (عفوا إليها) المزيد من فتياتنا العربيات اللاتي ما زالت أغلبيتهن بعيدات عن التقنية وهمومها.

وانتهز هذه المناسبة لأتقدم لكم باأجمل الأمنيات لعيد فطر مبارك، راجيا من الله عز وجل أن يخفف فيه على كل محتاج أو مصاب.