طبول الحرب وقائمة الأقلية

وليد الأصفر

TT

شاهدت الفيلم السينمائي «قائمة الأقلية» Minority Report قبل مدة، وقد أعجبني كما أظن أنه سيعجب أي شخص يتابع تقنية المعلومات، فعدا عن استخدامه لمصطلحات وعرضه لأفكار تقنية نعرفها، ففيه الكثير من العبر والمفاهيم التي تستحق أن يقف الواحد منا عندها.

العبرة الأولى هي اتقان الصنعة، فالفيلم ومع انه خيالي ومليء بالأمور التي لا يمكن حدوثها أو حتى تصديقها، لكنه يكاد يقنعك بأنه حقيقي، وبخاصة اذا كانت لديك خلفية تقنية علمية. فأنا شخصيا لم أمانع في تصديق امكانية استخدام قفازات للتحكم بنوافذ تظهر على شاشة كومبيوتر شفافة رقيقة، أو أن يتم التعرف إلى الاشخاص من خلال مسح سريع لحدقات أعينهم، لتفتح لهم أبواب القطارات ويخصم سعر التذاكر من حساباتهم الشخصية مباشرة، أو أن تتغير اللوحات الاعلانية لتتناسب مع اهوائهم بمجرد مرورهم بجانبها، وإن كنت لا أعرف كيف ستتصرف هذه الإعلانات أمام آلاف الأشخاص الذين يمرون في الوقت نفسه أمام نفس اللوحة الإعلانية. وهذه الأمور هي بعض من عشرات الأشياء المستقبلية الأخرى التي عرضها الفيلم، وجاءت نتيجة تصورات فريق عمل من المتخصصين بأبحاث المستقبل، شكله المخرج قبل البدء بتصوير الفيلم بمدة طويلة، بهدف الحصول على أفضل تصور «منطقي» لما ستكون عليه التقنية وشكل العاصمة الأمريكية عام .2054 أما العبرة الثانية فهي أنه مهما بلغت التقنية من تطور وتعقيد فإن أهواء البشر هي التي تتحكم بها في النهاية، وتسخرها لمصالحها الشخصية.

فقصة الفيلم تدور حول غريزة البشر لمعرفة الغيب، لعلهم يستكثرون من الخير ولا يمسهم السوء، وهو الأمر الذي لن يبلغوه أبدا لأنه ليس من خصائص البشر. إذ يروي الفيلم كيف أن «العلماء» استطاعوا تطوير تقنية تستغل قدرات عقل الانسان لمعرفة ما سيحدث في المستقبل، وبالذات لاكتشاف جرائم القتل في المجتمع واعتقال من سيرتكبونها قبل أن تسقط ضحاياهم، وتكوين قائمة بالأقلية الفاسدة في المجتمع. ومع أن النظام صمم بحيث لا ينفذ من قبضته أحد، إلا أن المسؤول الأمني الأكبر الذي يقف وراء هذا المشروع ويدعمه، استغل نفوذه وتلاعب بالنظام البالغ التعقيد، للتغطية على جريمة ارتكبها هو نفسه. إلا أن أمره يكتشف في النهاية، مما يقوي الاتجاه المعارض لهذا النظام الذي يعاقب الناس بسبب جرائم لم يقترفوها بعد، وينتهي الأمر بالغاء المشروع من أساسه.

ما علاقة ذلك بطبول الحرب؟ الكثير. فحالة الترقب المزعجة التي يعيش فيها معظم البشر في هذه الأيام وتوقعهم لضربات تنزل فوق رؤوسهم لأسباب لا يعرفونها بالضبط ويدعي معرفتها غيرهم، تجعلهم يشعرون بأنهم على قائمة العقاب بسبب أمور لم يقترفوها بعد. فرجل الشارع الغربي يشعر بأنه قد يتعرض لهجمات «إرهابية» غير مبررة بالنسبة له بأسلحة غير تقليدية تقنية وغير تقنية، ولهذا فإنه يشارك في مظاهرات يائسة لوقف الحرب المزمعة. ورجل الشارع العربي والمسلم، يتوقع ضربات تنزل على رأسه لأسباب يقرأ عنها في بعض وسائل الاعلام الغربية، تلمح إلى أنه يمكن أن يتحول إلى إرهابي في أي لحظة ومن دون سابق إنذار، ولهذا فلا بد من وقف «جريمته» قبل حدوثها، تماما كما في الفيلم. تذكرت الآن نكتة سوداء تنتشر بين الناس شرقا وغربا تقول أن الرئيس الأمريكي سئل مرة عن السبب في عدم ظهور شخصيات عربية في المسلسلات التلفازية التي تتحدث عن مغامرات الفضاء المستقبلية، مثل «ستار ترك» وغيره، فأجاب «لأن العرب لن يكون لهم وجود في المستقبل». والمبكي في هذه النكتة أن العرب هم أكثر من يرويها ويضحكون على «خفة دمها».

في الفيلم الخيالي تننتهي القصة بانتحار المسؤول الأمني هربا من المحاسبة، أما فيلمنا الواقعي فلا يعلم نهايته إلا الله.