أدت متطلبات التسوق الآمن عبر الانترنت إلى ظهور نوع جديد من النقود يطلق عليها النقود الالكترونية، لأنه عبارة عن معلومات ترسل عبر الشبكة الالكترونية، كما يطلق على النقود الجديدة أيضاً «النقود الرقمية» لأن المعلومات التي يتم ارسالها لهذا الغرض هي معلومات رقمية، فالشخص يدفع قيمة مشترياته لشخص آخر بارسال رقم أو مجموعة أرقام من كومبيوتره الى كومبيوتر المستحق وهناك أشكال عديدة لهذا النوع من النقود بعضها متداول فعلاً، وبعضها لم يزل في طور الفكرة أو في مرحلة التجريب على نطاق محدود.
وكشفت دراسة حديثة للدكتور ابراهيم العيسوي استاذ الاقتصاد والمستشار بمعهد التخطيط القومي بالقاهرة والباحث الرئيسي لمشروع مصر 2020 لمنتدى العالم الثالث ـ مكتب «الشرق الأوسط» بالقاهرة تحت عنوان «التجارة الألكترونية» عن أن مصدر القلق الأكبر لاستخدام هذا النوع من النقود هو انها لا تتمتع بعد بصفة القبول العام، وهي الخاصية المميزة للنقود المتعارف عليها، حيث لا يملك أحد رفض التعامل بالنقود الورقية والشيكات. واحد أسباب ذلك أن النقود الرقمية تصدر عن شركات أو مؤسسات خاصة وأن هذه الشركات يمكن أن تتعرض للافلاس ولايوجد ضامن لها مثلما تضمن الحكومة النقود الورقية، ولذا فثمة مخاطرة في التعامل بهذا النوع من النقود ستعطل انتشارها وتداولها، وذلك الى أن يتم التوصل الى نظام موثوق به لتنظيم عمل المؤسسات المصدرة للنقد الرقمي والرقابة عليها من جهة، ولكفالة الحماية الكافية للمتعاملين بهذه النقود من جهة أخرى.
وأكد أن أهم مشكلات النقود الرقمية هي خشية البعض من ظهور النقود الالكترونية وانتشارها قد يشجع أو يسهل عمليات غسيل الأموال، وكما هو معروف فان غسيل الأموال تتمثل في اخفاء مصادر ما بحوزة الشخص من أموال مكتسبة في الغالب بطرق غير مشروعة واعادة ادخالها الى مسارات التجارة والاستثمار المعتادة، ومن المتصور أنه سيكون من السهل على غاسلي الأموال ارسال أموالهم كنقود رقمية الى موقع خارجي أو تخزينها على بطاقات ذكية يمكن بسهولة حملها في حافظة أو حذاء مسافر أو ما إلى ذلك.
بالاضافة الى ذلك يثير النقد الالكتروني وتزايد انتشاره في الأسواق الالكترونية مشكلات أمام الحكومة المركزية فيما يختص برقابتها على النقد المتداول والتحكم في عرض النقود، خاصة اذا ما توسعت الشركات الخاصة في اصدار النقود الالكترونية.
كما يطرح البعض تساؤلات حول سعر الصرف وما اذا كان سيظل من الممكن وجود سعر صرف موحد للعملات الالكترونية التي تصدر في الدول المختلفة.
وأكدت الدراسة أن من بين المشكلات الأخرى التي تواجه انتشار النقود الرقمية صعوبة الاحتفاظ ببيانات للدخل القومي ذات معنى مع صعوبة أو استحالة تعقب المعاملات اذا ما أصبح النقد الالكتروني وسيلة مقبولة لتسوية المدفوعات على الصعيد العالمي اضافة الى صعوبة تعقب الدخل وسيصبح التهرب من دفع الضرائب مشكلة أضخم كثيراً مما هي الآن، بالاضافة الى ذلك هو فقدان الحكومات للعائد المتمثل في الفرق بين كلفة صك النقود المعتادة وقيمتها الاسمية.
وأكدت الدراسة أن مستقبل هذا النوع من النقود غامض ولايزال مصدر قلق وهناك تحفظ بشأن مستقبلها من قبل رجال المال والأعمال فهم يرون احتمال انتشارها قد لا يكون كبيراً في بلد ضخم كالولايات المتحدة، حيث تتوافر بدائل كثيرة لتسوية المدفوعات أكثر أماناً وربما أقل تكلفة من النقود الالكترونية، كما يتوقعون بطء في نمو استعمال هذه النقود نظراً لأن مشكلة الثقة فيها لا تزال موجودة اضافة الى أن التجار يرفضون التعامل بها. وأكدت على أن شيوع استخدام النقود الالكترونية يتطلب ستة عناصر مهمة حتى تستخدم مثل النقود المعتادة، أولها سهولة الاستعمال وقابليتها للتحويل من الكومبيوتر الشخصي أو الكومبيوتر المحمول أو البطاقة الذكية بحيث يسهل الوصول اليها في أي وقت وثانياً تمتعها بالقبول العام وثالثاً التجانس بحيث تكون وحدة النقود الرقمية تساوي أي وحدة نقود رقمية أخرى، تماماً مثلما تحل ورقة النقد فئة المائة جنيه محل أي ورقة نقد أخرى من ذات الفئة ورابعاً أن تكون صالحة للاستعمال وغير مقيدة بفترة صلاحية وخامساً أن تكون قابلة للتقسيم بمعنى أنه يمكن مقايضة الوحدات الكبيرة بوحدات أصغر وأخيراً توافر عناصر الأمان ضد مخاطر سرقة النقود الالكترونية أو افشاء المعلومات الخاصة بمستخدميها، أو افلاس الشركات المصدرة لها.
ورغم هذه المشاكل أكدت الدراسة أن النقود الرقمية تتمتع بخاصيتين هامتين الأولى هي أن شخصاً يستخدمها يبقى مجهولاً وغير معروف والثانية أنه يمكن اعادة استخدام شهادة النقود الرقمية مرات متعددة حيث لا يوجد ما يمنع البائع من استخدام النقود الالكترونية التي تلقاها باستخدامها في الوفاء بالتزامات نقدية لصالح بائع أوراق آخر وتأخذ النقود الرقمية صوراً مختلفة منها رموز أو علامات الكترونية أو بطاقات ذكية أو صور أخرى مختلفة.