«افتراضيات» من عالم الواقع: لعبتان جديدتان تمثلان العلاقات الإنسانية بكافة أبعادها

أنماط الاستهلاك في «ذي سيمز» عبث بثقافة الاستهلاك... ومعارك «باتلفيلد 1942» حرب على رتابة الحياة!

TT

هددني ذلك الأشقر ذو القميص المعرّق بالألوان الزاهية، بأنني إن لم أذكره في مراجعتي للعبة عائلة «سيمز أون لاين» فسيقوم بتدبير مقلب آخر لي. لم أكن سعيدا جدا بما فعله بالمرة الأولى كما أنني لم أحب تهديده، ولذا ساومته وأخبرته بأني لن أذكره في عمودي إلا إذا لبس كالمهرج وصار يرقص، وعندها سحب قبعة مضحكة من حامل القبعات وبدأ بالرقص. قلت له: «حسنا سيث جونز سأكتب عنك».

التقيت مع سيث في العالم الافتراضي المتمثل بالتكملة الخاصة بلعبة الإنترنت متعددة اللاعبين والمبنية على محاكاة الشخوص في حياتهم الحقيقية والتي أبدعتها «ماكسيس» (Maxis) «ذي سيمز» (The Sims) . سيث شخص متحرك يسيطر عليه شخص قد يكون ـ أو لا يكون ـ اسمه سيث في العالم الحقيقي. وأنا بدوري أسيطر على شخص آخر متحرك، وكلنا يحرك شخصيته خلال عالم «سيمز أون لاين».

يمتاز اللاعب في «ذي سيمز» بقدرته على اللعب بشخصياته التي هي عبارة عن مجموعة من الناس التخيّليّين صغار الحجم الذين هم في في حاجة للترف والراحة، حتى أنه يكاد يصبح بنفسه، لاندماجه في اللعبة، واحدا من تلك الكائنات الضئيلة! وتدور أحداث «ذي سيمز أون لاين» حول قضاء الوقت في الخارج، وكل بيت في اللعبة يمثل مكان اجتماعات، كما أن كل صاحب بيت سيحاول إغراءك بنشاطات مختلفة تُكسبك أغلبها «السيموليون»(Simoleons) ـ وهي النقود المتداولة في اللعبة ـ أو تزيد مهاراتك في كسب النقود. ويمكن لشخصيات اللعبة جمع ثرواتهم بخبز وبيع البيتزا أو حل المعادلات وبيع الصيغ الناتجة، وهناك دائما من يشتري.

ويعني ذلك عمليا أنك تستطيع النقر على جسم مربح (فرن بيتزا أو سبورة، مثلا) وجعل شخصيتك تقوم بالنشاط المطلوب، ثم تجمع النقود. وكما الحال في اللعبة الأصلية، فإن «ذي سيمز أون لاين» تحدّ من الوجود الإنساني إلى ما هو أكثر قليلا من جمع المال لشراء الأشياء.

ومع ذلك لم أشتر شيئا، إذ تعطيك اللعبة 10 آلاف من السيموليون لتبدأ بها، لكنني بالكاد احتجت إليها. وكان واحد من الأماكن التي زرتها بيتا يدعى «بلاتينيوم بدي لوجيك» (Platinum Body Logic)، حيث وجدت غرفة مليئة بالأسرة للنوم فيها، وحماما بمراحيض متعددة، وطعاما في المطبخ، وكان كل شيء بالمجان. كان المكان كذلك مليئا بآلات بيانو وحلبات رقص وأجهزة كيميائية وآلات تنفخ الفقاقيع وطاولات بلياردو وتقريبا أي شيء آخر تستطيع شراءه في عالم «سيمز».

أوضحت إحدى ساكنات بيت البلاتينيوم، بلاتينيومكيتي، أن المنزل كان يخسر النقود بهدف كسب سمعة مكان الاستراحة الشعبي. وقد ذكرني ذلك برواية «ذي غريت غاتسباي» (The Great Gatsby) التي كان القصر فيها موقع إقامة سلسلة من الحفلات اشترك بها ضيوف دائمون.

وتعاني بلاتينيومكيتي من ذلك البلاء الذي يعاني منه بعض الأثرياء; فقد انتهت لديها الأشياء التي يمكن شراؤها! وأشارت كذلك إلى أن اللعبة كانت ممتعة في الأيام العشرة الأولى، إلا أن شركة «ماكسيس» أطلقتها في وقت مبكر جدا، قبل أن تضع فيها كل المزايا الموعودة.

وقد شعرت بلاتينيو مكيتي بالانزعاج نتيجة لعدم وجود بيت يستوعب أكثر من 17 شخصا، ما منعها من استضافة حفلات ضخمة. ولأجل ذلك كله فهي تخطط للانسحاب من اللعبة بعد انتهاء اشتراك الشهر الذي حصلت عليه عند شرائها، ما لم توفر «ماكسيس» مواد استهلاكية أكثر في اللعبة.

وعلى العكس من بلاتينيومكيتي، لم أفقد الاهتمام باللعبة لأنني لم أستطع شراء أي شيء، لكن كان ذلك لأنني لم أرغب في شراء الأشياء. وإذا كانت أكثر الألعاب تمنح جوائز مقابل النجاح وعقوبات لقاء الفشل، فإن «ذي سيمز أون لاين» لا تعاقب الفقراء من لاعبيها. ويتم تصفير مؤشرات مستويات الجوع والإعياء عند كل خروج من اللعبة (أو عند كل انقطاع مفاجئ من قبل الخادم كما يحدث لي غالبا)، لذلك نادرا ما يضطر الواحد للتعامل مع الحاجات الأساسية لشخصية «سيم» التابعة له.

وقد لعبت «ذي سيمز أون لاين» بالطريقة نفسها التي أتصرف بها في الحياة الحقيقية: الخروج في نزهات والعزف على الغيتار والتزحلق، لكن هذه الأمور ممتعة أكثر في الحياة الحقيقية. وفي الوقت الذي يمنحك فيه المال الراحة والمرح في الحياة الحقيقية، فإن كل ما يمكن أن يعطيك إياه في اللعبة هو المكانة، ما يجعل اللعبة عرضا مثاليا للسخف والعبث بثقافة المستهلك.

بالكاد تستطيع «ذي سيمز أون لاين» أن تكون لعبة، وهو الأمر الذي ينعكس في مبيعاتها المنخفضة لحد الآن، لكن يمكن اعتبارها غرفة دردشة ممتازة. وعلى أية حال فاللاعبون ودودون والواحد منهم يستطيع التفاعل مع الآخرين بالعديد من الطرق. ورغم أنني أود العيش في عالم كعالم «ذي سيمز أون لاين»، حيث يفتح الأثرياء بيوتهم للجميع، لأستطيع فعل الكثير من الأشياء هناك، لكن في «لعبة» يبدو هذا عديم الفائدة.

ومع أن اللعبة تمثل طريقا مثيرا للتفاعل بين الناس، إلا أنني، وإن جاز لي اعتبار نفسي شخصا مثاليا، أفضل التفاعل الإنساني في لعبة الحركة متعددة اللاعبين «باتلفيلد 1942» (Battlefield 1942)، من شركة «ديجيتال إلوجينز» (Digital Illusions). فليس الهدف في هذه اللعبة امتلاك الكثير من الأشياء، لكن قتل الكثير من الناس! فأنت في «باتلفيلد» تلعب في كتيبة مشاة معينة، إذ قد تكون جندي استطلاع يحمل بندقية قنص أو مهندسا يزرع الألغام. لكن الميزة الأكثر بروزا في «باتلفيلد» هي أن أي جندي يستطيع القفز في دبابة أو طائرة وقيادتها، أو السيطرة على مدفعية مضادة للطائرات، وجميعها أسهل تشغيلا من المتوقع.

وتسمح المركبات في اللعبة بالقيام بعدد عمليات أكبر مما تسمح به الكثير من الألعاب الحربية التقليدية متعددة اللاعبين، مثل «غلوبال أوبريشن» (Global Operations) أو «كاونتر سترايك»(Counter Strike). إذ تتسم ساحات الحرب بكونها أكبر، والتنوع الواسع في الأسلحة يعطيك اختيارات أكثر في القتال.

وتتيح لك اللعبة اللعب كجندي من قوات الحلفاء أو المحور، وقد تدافع عن منطقة ضد جنود ينفذون إنزالا بحريا من سفينة حربية في الميناء، أو قد تفقز بالمظلة على بلدة مطلقا النار على جنود العدو الذين ينتظرونك على الأرض... سرعة اللعب محمومة، وقد وجدت اللعبة تتركني في حيرة من أمري من حين لآخر، ومع ذلك، فهي تظل أكثر متعة من «ذي سيمز أون لاين».

عندما قابلت بلاتينيومكيتي، طلبت مني أن أتخذها صديقة. فالواحد يستطيع إعلان شخص ما كصديق، ورغم أن بلاتينيومكيتي قالت إنها لم تكن متأكدة من فائدة الصداقة، فهي ما تزال تحاول كسب الكثير من الأصدقاء لأجل السمعة. ولأنه من الممكن أن تتخذ شخصا ما صديقا ثم لا تتكلم معه بعد ذلك أبدا، فإن الأصدقاء في «ذي سيمز أون لاين» ليسو أصدقاء حقيقيين. لكن وفي المقابل، أعداؤك في «باتلفيلد 1942» ليسوا حقا أعداء، وإنما هم زملاء لعب يشنون حربا ضد رتابة الحياة. وسواء كان سلاحك مدفع بازوكا أو جهاز تلفزيون ذا شاشة عريضة، فنرجو لك حظا سعيدا في «المناوشة» القادمة!

* خدمة أخبار نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»