لماذا أتكلم عن العفاريت؟

وليد الأصفر

TT

لمن يقرأ مقالتي السابقة «حماية الكومبيوتر من العفاريت الصفر»، فإن موضوعها كان عن المقالب الإلكترونية التي أتعرض لها من قبل ابني أحمد وابنتي لين، ولمن سأل عن سبب حديثي عنهما، أقول ان هناك أكثر من سبب. فهما كغيرهما من أطفال العالم ليسا أكثر ولا أقل ذكاء من أقرانهما، مع أنني أظن أن جميع الأطفال اكثر ذكاء من الكبار. إلا أنني اعتدت بشكل عام منذ مدة طويلة أن أسبغ على مقالاتي صبغة شخصية، لإحساسي أن ذلك يخفف من الجمود الذي يتوقعه القراء من المقالات التقنية، ويؤكد على أن التقنيين كغيرهم من الناس «الطبيعيين» لديهم عائلات بل حتى يمكنهم القاء النكات. وهنا أذكر كيف أنني بعد مدة من عملي كمدرس كومبيوتر في مدارس الكويت في بداية حياتي العملية، حيث كنت من المجموعة الأولى التي اختيرت لتدريس هذا المنهج في عشرين مدرسة فقط في ذلك الوقت، بدا وقتها أن بعض المدرسين لم يكونوا قد رأوا متخصصا بالكومبيوتر بشكل شخصي في حياتهم، لدرجة أن أحد مدرسي اللغة العربية صارحني بعد عام من العمل، بأنني غيرت تصوراته عن أهل الكومبيوتر عندما اكتشف أنني «عادي». ولم أستطع أن أعرف وقتها ماذا كان يتوقع، فأنا كنت أبتسم وأضحك وأتحدث بشكل طبيعي بعكس ما كانت توحي به المسلسلات التلفزيونية، التي يظهر فيها البطل وكأنه جاء من عالم آخر وقادر على الدخول إلى ملفات المخابرات في أي مكان في العالم من أي جهاز كومبيوتر يراه أمامه حتى ولو كان جهاز أتاري. وأعود إلى موضوعي الأصلي لأقول ان من الأسباب الأخرى وراء حديثي عن تجاربي مع أطفالي، هو أنني وجدت أن الحديث عن المشاكل المتعلقة بالكومبيوتر وتقديم الحلول المناسبة لها يكون أفضل عندما يكون ذلك من واقع الحياة والتجربة الشخصية، ولهذا وجدت أن الآباء الذين لديهم أطفال في مثل عمر اطفالي قد قدروا هذه المقالات واستفادوا منها، وليس ذلك بالضرورة عند استخدامهم الكومبيوتر فحسب، إذ ان الاستفادة يمكن أن تكون في أمور أخرى تقاس على ما أطرحه.

وبالمناسبة دعوني اتحدث لكم عن درس آخر تعلمته من أطفالي، وهو أن أتوقع ما هو غير متوقع، أو في الحقيقة ما كنت أظن أنه غير متوقع. فكما ذكرت سابقا، وبسبب أن أحمد تسبب بفضوله باضاعة بعض الملفات من الكومبيوتر، كنت قد فضلت أن أثبت على كومبيوتر المنزل النسخة المنزلية من نظام التشغيل ويندوز «إكس بي»، على أساس أنه يتيح تخصيص مدخل إلى الكومبيوتر لكل مستخدم في البيت من خلال أيقونات تظهر في بداية تشغيل الجهاز، وبجانبها أسماء مستخدميه المختلفين. ولهذا فقد خصصت أيقونة لكل منا، وزدت عليها أنني وبدلا من استخدام أيقونات ذات صور عامة، وضعت الصورة الشخصية لكل واحد منا بجانب اسمه. كما منحت لنفسي صلاحيات شاملة، ولم أدع للأطفال سوى الصلاحيات الأساسية، حتى لا يجري أحمد أية تغييرات على إعدادات الجهاز.

وفي أحد الأيام، لاحظت شيئا غريبا، فبعد تشغيل الجهاز ظهرت صورنا جميعا ما عدا صورة لين، حيث ظهرت بدلا من صورتها صورة لكرة قدم. ظننت أن هناك خطأ مؤقتا وأن الأمر سيعود إلى طبيعته، بخاصة وأنني كنت مشغولا ولم أركز على الأمر كثيرا. ولكن وبعد بضعة أيام وعندما استمر الحال على ما هو عليه، تذكرت الأمر وسألت زوجتي إن كان عندها علم، ففوجئت بها تقول لي ان الجاني كان هو أحمد، وانها سألته فاعترف وأراها كيف قام بتغيير الصورة ليشاكس أخته ويضع مكان صورتها رمزا للعبته المفضلة. ولا أدري كيف أدرك أنه كان عليه أن يدخل إلى الكومبيوتر باسمي أنا حتى يحصل على صلاحيات التغيير، ولا أعرف كيف وصل إلى البرنامج الذي يغير إعدادات المستخدم، ولا كيف اختار الصورة التي أرادها، إذ لم يكن ما فعله عشوائيا بدليل أن صورنا أنا وهو وزوجتي بقيت كما هي. صحيح أنني تذكرت أنه كان بجانبي وقت إعدادات الجهاز في المرة الأولى، ولكني كنت أعمل بسرعة ولم يبد أنه كان يراقبني.

كان ذلك درسا جيدا لي حتى أفهم أن فضول الأطفال يفوق كل ما يتوقعه الكبار، وأنه يجب الحذر تماما عند التعامل معهم، واتخاذ الاحتياطات اللازمة عند تشغيل الأجهزة أمامهم، وعدم التردد في استخدام كلمات السر لحماية الكومبيوتر في جميع الأحوال.