الحكومة الإلكترونية بالنسبة للدول العربية هي أكثر الحاحاً وأهمية مقارنة بالدول المتقدمة

دكتور رأفت رضوان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري: مصر في المائة متر الأولى ضمن المارثون العالمي للمعلومات

TT

الدكتور رأفت رضوان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري هو واحد من اللامعين في نخبة «الخبراء المعرفيين» في المنطقة، وقد التقته «الشرق الأوسط» وأجرت معه حوارا حول الاستعداد العربي والمصري لقمتي المعلومات «جنيف2003 » و«تونس 2005»، بالاضافة إلى الآليات المصرية الملائمة للتحول للحكومة الإلكترونية، والكيفية التي سيتم بها التحول لمجتمع المعلومات ومجتمع ما بعد المعلومات، وكان الحوار التالي:

> ما هي الصورة التي أضحى عليها مجتمع المعلومات العربي منذ انعقاد الندوة الأولى للأعمال الإلكترونية في ديسمبر(كانون الاول) الماضي وحتى الآن؟

ـ هناك على الموقع الإلكتروني للاتحاد العربي لتقنية المعلومات نقاشات مفتوحة بين الحكومات الإلكترونية العربية والجمعيات العربية اللاربحية، وخبراء المعرفة والباحثين في المعلوماتية مع المؤسسات العالمية، وذلك للتحضير لقمتي المعلوماتية «جنيف 2003» و«تونس 2005» ليندمج العالم العربي مع المجتمع المعلوماتي الجديد مع الاحتفاظ بخصوصيته.

> وهل هذا يعني أن تسكين الحكومة الإلكترونية صار ضرورة حتمية؟ وما الذي سيؤدي إليه ذلك على صعيد التغير في شكل الحكومة التقليدي؟

ـ نعم أنها ضرورة حتمية لعدة أسباب، فالواقع التقني يفرض نفسه «حيث العرض يخلق الطلب»، لا سيما أن الحكومة الإلكترونية بالنسبة للدول العربية هي أكثر الحاحاً من الدول المتقدمة، وعلى الرغم من حديث معظم الدول العربية عن الاقتصاد الحر، إلا أن العلاقات التي تربط المواطن بالحكومات العربية صعبة ومنعدمة الشفافية، ناهيك من الدور المركزي الذي تلعبه الحكومات العربية في حياة المواطن، فكل مرافق الخدمات هي حكومية، من اتصالات ومياه وكهرباء وتعليم وصحة ودفاع وأمن، ومن الطبيعي أن تيسر الاتصالات الحديثة هذه العلاقة. لكن لا بد من الوضع في الاعتبار أن الحكومة الإلكترونية ستضطر الحكومة التقليدية لتقنين هذه العلاقة وتحديدها وكشفها، كما ستدفع باتجاه توسيع رقابة المستهلكين على الخدمات وتقليص الأدوار النمطية للحكومة، وزيادة مشاركة المجتمع في ادارة العمليات الاقتصادية والسياسية.

> ذكر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لاذاعة «بي بي سي» أن أسوأ نموذج للروتين والبيروقراطية الادارية في العالم هو في مصر، فهل ستقضي الحكومة الإلكترونية على هذا الروتين؟

ـ الحكومة الإلكترونية في حد ذاتها هي وسيلة دفع وجذب وليست غاية، ولتحقيق مفهومها لا بد من ترتيب البيت من الداخل، واللافت أنها تكشف ما كان مخفياً تحت عباءة الادارة وسلمها الكبير. وسأضرب مثلاً بالقانون المصري للبناء الذي يسمح للمتقدم لجهة اصدار تراخيص البناء بالانتهاء من الترخيص في ثلاثين يوماً والبدء في البناء حتى لو لم تنته جهة الادارة من انهاء الترخيص، وما تفعله الادارة عملياً هو رفض الطلب حتى تستكمل هي كافة اجراءاتها، وبالتالي يتم تعطيل قبول الطلب لثلاثة أو ستة أشهر. أما اليوم ومن خلال الحكومة الإلكترونية فأنت تستطيع تسجيل طلبك من خلال الانترنت مثبتاً بذلك التاريخ وبالتالي تستطيع البدء في البناء دون انتظار.

> وماذا تعنون بقولكم خلق حكومة إلكترونية مصرية ملائمة ؟

ـ الحكومة الإلكترونية مفهوم واسع، وهي تتباين باختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي لكل مجتمع، وعندما يكون لديك في مصر نسبة أمية (للقراءة والكتابة) تعادل 30 بالمائة، ونسبة تقدر بـ26 في المائة من غير الحاصلين على تعليم جامعي، يكون من الظلم تجاهل التعامل مع هذه النسب. بينما نجد في النموذج الغربي حيث الادارة الخلفية (Back Office) مؤتمتة، أنهم قادرون مباشرة على اقتحام اجراءات الحكومة الإلكترونية، أما نحن فخلفيتنا الادارية فغير مؤتمتة، ومن غير المقبول الانتظار لسنوات طويلة حتى تؤتمت. ولذا فنحن نستعين بنموذج يسمى Electronic Front Office ، مما يعني أن الاجراءات (التقليدية الروتينية) تظل كما هي مع توليد معادل إلكتروني لها. كذلك يجب أن تضع في الاعتبار أن عدد العاملين في القطاع الحكومي هم 30% من اجمالي العاملين في مصر ويقدرون بستة ملايين عامل وموظف حكومي، ولذلك يجب توليف آليات توازن بين أداء الخدمات الجديدة، وبين متطلبات عدم زيادة حدة البطالة. فعندما تذكر الاحصائيات أن عدد بطاقات الائتمان في مصر يصل بالكاد الى مليون بطاقة، فإن ذلك يعني أننا لا نستطيع تحويل كافة أعمالنا إلى أعمال إلكترونية. لكننا نحتاج لتطوير أنماط إلكترونية تلائم مجتمعاتنا لتقديم خدمة تلائم كافة المواطنين من دون التمييز بين أي فئة، سواءً بمستوى الدخل أو التعليم، ويمكن الاستعاضة عن بطاقات الائتمان بالدفع عند الطلب (Cash On Delivery).

> إلى أي حد تبلغ حرية الانترنت في مصر؟

ـ لا توجد حرية بمعنى التعدي الاجرامي، سواء على الأفراد أو على الحكومات، فليس من حق أي شخص أن ينشر على الانترنت قضايا ضد قيم المجتمع، والحاكم في مجتمع الانترنت مجموعة القوانين العامة، بحيث نستخدم القياس لتتبع مرتكبي المخالفات، فبدلاً من الوثيقة الورقية تتم الادانة بالوثائق الإلكترونية.

> بحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2002 فإن ترتيب التحول لحكومة إلكترونية مصرية هو الرابع عربياً والخمسون عالمياً، هل يتفق هذا مع الريادة المصرية؟

ـ القياسات التي تقاس بها تحول الحكومة لتصير إلكترونية كلها قياسات مبدئية، لأن السباق ما زال في بدايته، وفي الماراثون عندما ترى شخصاً في مقدمة السباق فهذا لا يعني أنه سينهي السباق فائزاً. وسأدلل ببعض الدول الأفريقية التي لم يكن لها أساساً شبكات تماثلية، وصار يتوفر لديها اليوم شبكات رقمية، فالعالم الجديد ينطلق بما يسمى «القفزات التنموية» في خضم حضارة أساسها «اتصل ولا تنتقل»، ورغم ذلك ما زلنا على قمة جبل جليد تقنية المعلومات والاتصالات التي لم تكشف بعد للمجتمع العالمي ماذا ستصنع به، لأنها أخطر من أن تقاس بالمعايير الحالية، تماماً كالكهرباء التي حولت معيشتنا الرأسية الى أفقية، لذلك فترتيب مصر لا يعبر عن صورة مستقرة فنحن ما زلنا في المائة متر الأولى من الماراثون.

> وهل هناك مبادرات جديدة للحكومة الإلكترونية المصرية؟

ـ نحن نتحدث عن عالم جديد عمره 13 عاماً فقط، وهذا في عمر الانسانية يساوي صفراً، ولا يمكن أن تحكم بالصفر على المالانهاية، ولذلك فإن الحكومة الإلكترونية هي رؤية، والرؤية تحتاج لمشروعات حتى تتحقق، وهناك باستمرار مشروعات جديدة ندرسها، كانتخابات المستقبل التي نريدها مثل العالم: إلكترونية، والتصويت فيها إلكتروني. كذلك ندرس مبادرات جديدة بشأن احتياجاتنا للمدرسة والجامعة في ظل التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، حيث أننا ما زلنا للأسف نفكر في حل المستقبل عن طريق الماضي، لكن لا نهاية للمبادرات، حيث أن التنمية تصنعها القدرة على التخيل والابداع ولا تصنعهما القدرة على التحليل.

> اذن هل الفلاح والأمي على دراية بمشاريع الحكومة الإلكترونية أو على علم بندوات الأعمال الإلكترونية؟

ـ الحقيقة لا. ولكن هناك أدوات للتواصل ليس أساسها الندوات، وقد تبنى المركز منذ سنتين مؤتمر«الأعمال الإلكترونية والتنمية»، وطرحنا مجموعة من المبادرات التي كسرت عقد الخوف من الكومبيوتر مستخدمين شعارات تناسب البسطاء، مثل «الانترنت مش عفريت، العيال بتلعب بيه في البيت» و«الكومبيوتر نور وأسألوا كفر سندنهور»، و«اتعلم الانترنت في ساعة وتلت»، و«الإنترنت.. السنترلوك.. الانترلوب، مش مهم الاسم المهم الفايدة». كما استعنا بالفنانين والرياضيين لشرح مفهوم الانترنت ببساطة حتى أني استعنت لتوصيل المفردات للبسطاء ببواب العمارة التي أسكن بها. والمثير أن درجة الاقبال في الريف المصري غير عادية على مشروعي كومبيوتر لكل أسرة ولكل طالب. كما أعددنا برنامجا تأهيليا لكتاب سيناريو المسلسلات لاستخدام المصطلحات الكومبيوترية في أعمالهم.

> وما مدى صحة تخوف العامل من البطالة الرقمية؟

ـ أثبتت الدراسات أن التقنيات تطرد الوظائف القديمة، لكن مقابل كل وظيفة تلغيها تظهر ثلاث بديلة عنها، وتنتقل من العضلات الى الفكر. واحصائيات البطالة منذ مائتي عام وحتى الآن هي تقريباً واحدة، علماً بأن عدد السكان تضاعف ثلاث مرات. فحتى عام 1904 لم يكن الطيران على الخارطة، ولم تكن هناك وظيفة اسمها طيار، ولكن لترى الآن كم عدد العاملين في هذه الصناعة، اذن فالتقنيات لم تسبب البطالة بل غيرت من نطاق العمل.