الأفلام والألعاب عالمان مستقلان يكملان بعضهما: هل نشاهد قريبا أفلاما تفاعلية ونمارس ألعابا سينمائية؟

عالم الألعاب يوظّف خبراء السينما من الكُتّاب وحتى فنّيي الإضاءة والصوت والمؤثرات البصرية بحثا عن التجديد

TT

يغرس جون باتر في طاقمه أهمية كل من تطوير الشخوص، والإضاءة، واللحظات المهمة في الرواية. ويريد باتر الحصول على القنابل القوية والضربات الموجعة، وليقوم بإنتاجها فهو يبحث عن الموهبة، بل الكثير من الموهبة. باتر ليس مسؤولا عن استوديو سينمائي، وإنما يعمل في شركة «إلكترونيك آرتس» Electronic Arts))، كبرى شركات نشر ألعاب الفيديو في العالم، التي تتوقع أن تستأجر ثلاثمائة من الفنانين الرقميين والمبرمجين ومعدّي التأثيرات الخاصة في لوس أنجليس خلال السنتين المقبلتين، حيث تتأثر صناعة ألعاب الفيديو إلى حد كبير بصناعة السينما. ولتوفر الشركة المكان لكل هؤلاء، تقوم الشركة ببناء استوديو جديد في موقع تحت الإنشاء غرب لوس أنجليس، رافضة الكشف عن كلفة المشروع.

باتر البالغ من العمر 39 عاما، هو ممثل «إلكترونيك آرتس» في تينسيلتاون باعتباره نائب رئيس الشركة، وقد كان في السابق مديرا لشركة «دريم ووركس» DreamWorks))، وهو يتنقل بسهولة ما بين شخصية ممثل هوليوود اللطيف والشخص الجادّ غريب الأطوار. ويمثل باتر الجيل الجديد من مديري ألعاب الفيديو، وهو ممن يفهمون آليات صنع الأفلام تماما كما إنتاج الألعاب، إضافة إلى أنه يتمتع بمجموعة من المهارات التي يزداد الطلب عليها في ظل نمو حاجة ألعاب الفيديو المعقدة إلى الخصائص السينمائية لجذب اللاعبين. ويقول باتر إنه يلزم لتحقيق ذلك مشاهد معبّرة وقصة عميقة ولحظات لا تنسى وانفجارات رائعة وتأثيرات صوتية وإضاءة متوافقة وحوار ممتع وموسيقى تصويرية جيدة، وباختصار كل ما هو مطلوب لعمل فيلم جيد. ويقول باتر: «كيف نريد للقصة أن تنتشر؟ وإلى أي مستوى؟ إننا نحاول أن نكون متمهلين جدا في عمليات ما قبل الإنتاج، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها هوليوود».

قبل عشر سنوات، كانت لدى كل من هوليوود ووادي السيليكون Silicon Valley)) أفكار عظيمة لتوحيد جهودهما، وقام عدد كبير من استوديوهات الأفلام بإنشاء أقسام خاصة بالألعاب، من ضمنها «ديزني»Disney) ) و«فوكس» Fox)) و«يونيفيرسال» Universal)) و«إم جي إم» MGM)). وكانت كلمة «تقارب» على شفاه الجميع، وتحدث مديرو الاستوديوهات التنفيذيين عن أفلام تفاعلية تسمح للمشاهدين باختيار طبيعة النهاية، فبالنتيجة، ستكون الأفلام والألعاب متشابهة. إلا أن «إلكترونيك آرتس» لا تريد هذه الأيام محاكاة الصناعة السينمائية بالكامل أو الاندماج معها، إذ يُصر باتر وزملاؤه على أن الألعاب تختلف عن الأفلام، تماما كما يختلف النحت عن الرسم. ويشير ريك جيوليتو، نائب رئيس «إلكترونيك آرتس» في لوس أنجليس إلى هذا الاختلاف بقوله: «إنهم (في السينما) ينتجون بيئة تشاهدها، أما نحن فنصنع بيئة تعيش فيها، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع الاستعارة من بعضنا».

كان باتر رائدا في محاولات هوليوود المبكرة دخول عالم الألعاب، وذلك بمساعدة «دريم ووركس إس كيه جي» DreamWorks SKG)) على إنشاء «دريم ووركس إنترآكتيف» DreamWorks Interactive)) بالمشاركة مع «مايكروسوفت» Microsoft)) في العام 1995 ، وبخبرة مايكروسوفت التقنية، خطط الاستوديو لإنتاج ألعاب ملحمية مبنية على أفلام أخرجها الشريك المؤسس في «دريم ووركس» المخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ. لكن طموحات "دريم ووركس" لم تحظَ بالنجاح، إذ افتقرت العديد من الألعاب التي تم إنتاجها إلى النوعية ولم تبع إلا القليل، فشعر منتجو الأفلام ـ الذين تم تجنيدهم لإنتاج الألعاب ـ بالإحباط بسبب قلة التقنيات، ما دعاهم إلى العودة إلى السينما.

وفي أواخر التسعينات، رفعت عدة استوديوهات سينمائية أيديها عن الألعاب، بما فيها «دريم ووركس» التي باعت قسم ألعابها إلى «إلكترونيك آرتس» في العام 1998. ومع ذلك، فقد واصل باتر العمل لدى «دريم ووركس» كمدير للتشغيل في استوديو تحريك الصور في بالو آلتو الذي أنتج فلم «شْريك»Shrek) ). لكن صناعة الألعاب كانت الهاجس الأكبر لباتر فكان أن انضم في العام 2000 إلى «إلكترونيك آرتس» بمقرها الرئيس في ريدوود شورز بكاليفورنيا، وفور انضمامه إليها، عمل على توسيع الاستوديو الذي اشترته من «دريم ووركس» في لوس أنجليس. وفي نهاية خريف العام الماضي حقق باتر أمنيته، ويقول معلّقا: «كنت أشعر دائما أن هذه المنطقة غنية بالمواهب التي نحتاجها أكثر في المستقبل، فهناك الكتاب والممثلون وصناع الرسوم المتحركة وغيرهم. ولعمل أفضل الألعاب نحتاج إلى أفضل العاملين، والعديد منهم موجودون هنا».

وقد أغرى باتر العديد من الموهوبين بالانضمام إليه، ومنهم جاي ريدل، مشرف التأثيرات البصرية السابق والشريك المؤسس في «ديجيتال دومين» Digital Domain)) ، المتخصصة بالتأثيرات الخاصة في هوليوود. وقام ريدل ـ بدوره ـ بتجنيد مارك لاسوف الذي أنتج التأثيرات المائية في فيلم «تايتانك» Titanic)). كما وظّف باتر تيم كيون، أحد محرّكي الرسوم الستة الكبار في فيلم «شريك»، وتوم ألين، منتج الإضاءة لفيلمي «شريك» و«سبايدر ـ مان» Spider-Man)). ويصف باتر العمل بقوله: «في هذا الوقت، يبقى العاملون في الفيلم جالسين بلا حراك، فالتقنية تساعدهم على عمل ما هو أكثر من ذلك».

ومن المقرر أن ينتج الاستوديو الجديد سلسلة ألعاب «كوماند آند كونكر» (Command & Conquer)، كما أنه سينتج واحدة من الألعاب العديدة التي ستقوم «إلكترونيك آرتس» بعملها تحت الترخيص الذي حصلت عليه لإنتاج ألعاب حول فيلم «لورد أوف ذي رينجز» (Lord of the Rings)، وسيقوم كذلك بإنتاج لعبة عن «جيمز بوند» (James Bond)، بالإضافة إلى سلسلة ألعاب «ميدال أوف أونر» (Medal of Honor). ومن الجدير بالذكر أن «إلكترونيك آرتس» ستقوم بنقل استوديوهاتها في إرفين ولاس فيجاس إلى الموقع الجديد في لوس أنجليس. ويقول جيوليتو، وهو ممثل سابق ظهر في الدراما التلفزيونية «توين بيكس» (Twin Peaks) و«دايز أوف آور لايف» Days of Our Lives)): «تتطلب الألعاب رواية قصصية عميقة، وتطويرا أفضل للشخوص، وبيئات أكثر خصبا». وهذا يعني طبعا أن أولئك الذين كانوا معنيين بكافة جوانب تطوير اللعبة أصبحوا الآن يلعبون دورا أصغر. وحسب رأي ديفيد ديفيز، المنتج التنفيذي في «إلكترونيك آرتس»، فإن الألعاب أقرب إلى الترفيه منها إلى هندسة البرامج وأن إنتاجها أصبح عملية أكثر «فنية» من ذي قبل.

* لوس أنجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»