بعدما أودى بها إلى الهاوية: سيليكون غرافيكس «تحتوي» نظام التشغيل لينكس في خادمها الجديد آلتيكس

«لينكس» يقلب موازين القوى في عالم تصميم التأثيرات السينمائية... لكن هل يسطع نجم «سيليكون غرافيكس» من جديد؟

TT

منذ زمن طويل، كان مصنّع الكومبيوتر «سيليكون غرافيكس»(Silicon Graphics Inc.) قوة يُعتد بها، فقد أغرت استوديوهات «هوليوود» مديريها التنفيذيين، فأنفقوا مئات ملايين الدولارات على أجهزة الشركة ذات الأسماء الغريبة «الملونة»، مثل «إنديغو»Indigo) ) الذي يعني اللون النيلي و«كريمزون»Crimson) ) أي القرمزي و«أونيكس» (Onyx) العقيقي. وقد أوجدت تقنيات هذه الأجهزة جيلا جديدا من التأثيرات السينمائية الخاصة، كتغير شكل الجسم في فيلم «تيرمينيتر» Terminator وانفجار البيت الأبيض في «إنديبيندانس داي» Independence Day .

وتحمس الفنانون الرقميون لهذه الأجهزة، وكذا المهندسون وغيرهم ممن يعتمد عملهم على «تصوير» الأجسام المعقدة ثلاثية الأبعاد. إلا أن الأمر لم يعد كما كان، فبعد أن استنزفها طموحها وأرهقها الانتشار المتزايد لنظام التشغيل المجاني «لينكس» Linux، أفل نجم «سيليكون غرافيكس» اللامع في هوليوود. واتسمت أجهزة «سيليكون غرافيكس» بكونها وحدات عمل مستقلة محملة بمجموعتها المسجَّلة من البرامج مع القدرة على العمل بقوة كومبيوتر عملاق. لكن هذه الأيام، يستطيع أي من الكومبيوترات الشخصية الجاهزة المزودة بأنظمة «لينكس»، القيام بالعمل نفسه. والنتيجة هي أن تلك الشركة التي بعثت الحياة في ديناصورات «جوراسيك بارك» J urassic Parkباتت تحارب لتجنب انقراضها في تينسيلتاون، وتبين لها أن عليها التودد إلى هوليوود بجيل من الأجهزة المبنية على «لينكس».

وتعكس عائدات «سيليكون غرافيكس» الباهتة في صناعة الإعلام كسادا عاما في الشركة الواقعة في ماونتين فيو بكاليفورنيا، ولا أدل على ذلك من الانخفاض الحاد في مبيعات الشركة التي وصلت إلى 1.3 مليار دولار العام الماضي، في حين كانت قد بلغت الذروة في العام 1997 حين وصلت إلى 3.7 مليار دولار! وقد تم خفض عدد الموظفين إلى النصف خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما أصبح عدد محللي «وول ستريت» الذين يتعقبون الشركة في هذه السوق المالية الضخمة ثلاثة فقط.

وباعت الشركة تقريبا جميع حصص عقاراتها الكبيرة مبقية على بضعة مبانٍ قامت بتأجيرها. ومن المثير للسخرية ربما أن مكاتب مبيعات الشركة السابقة في اميركا الشمالية، تضم اليوم «متحف تاريخ الكومبيوتر»! وإمعانا في السخرية، يصف منسق المجموعات «التاريخية» للمتحف، كريس غارسيا، جهازي «سيليكون غرافيكس» الموجودين لديه بأنهما «كانا» مهمين! ومع أن هوليوود جعلت «سيليكون غرافيكس» مشهورا، فإن مبيعات الأخيرة لها لم تشكل أكثر من شريحة صغيرة من مبيعاتها; التي تمثل الآن 10 بالمائة فحسب. ورغم مساهمتها الصغيرة نسبيا في الدخل، تبقى صناعة الترفيه دائما السوق الرئيسة التي تحافظ على تأهّب «سيليكون غرافيكس» التقني. وفي هذا السياق، تحفّز شهية هوليوود المفتوحة لتأثيرات سينمائية أكبر وأكثر واقعية، فرق البحث والتطوير في الشركة وتدفعها للعمل الحثيث.

* ركوب الموجة

* وتأمل «سيليكون غرافيكس» في إغراء الصناعة بخط جديد من الأجهزة المبنية على النظام «لينكس». ففي الشهر الماضي، أعلن بوب بيشوب، المدير التنفيذي للشركة، عن الخادم الجديد «آلتيكس 3000» (Altix 3000)، الذي سيتم إطلاقه قريبا. لكن، وبعد الإعلان بيوم واحد فقط، فاز الخادم بجائزة أفضل المعروضات في مؤتمر ومعرض «لينكس وورلد» (LinuxWorld Conference and Expo) في نيويورك. ويُذكر أن الجهاز الواحد من هذا الخط يكلف ما بين 30 ألفا إلى مليون دولار. وقد صُممت تلك الخادمات الفائقة لمساعدة الفنانين الرقميين على إدارة الصور السينمائية الرقمية. ففي الوقت الذي تنتقل فيه عمليات صنع الأفلام من الأساليب التقليدية إلى «الرقمنة»، فإن حجم البيانات في هذه العمليات سيكون مهولا، ما يتطلب وجود أجهزة قوية جدا وقادرة على إتمام العمل بسهولة وأمان. لكن وحتى الآن لا يبدي الكثيرون في هوليوود اهتمامهم بالأجهزة الجديدة، فمن جهتها استعاضت «سوني بيكتشرز إيميجووركس» (Sony Pictures Imageworks) عن 600 من كومبيوترات التأثيرات الخاصة من أصل ألف جهاز تملكه بأجهزة من إنتاج «ديل»Dell) ) تعمل على «لينكس»، وتبيع بالتالي ما قيمته ملايين الدولارات من أجهزة «سيليكون غرافيكس» بثمن بخس.

* النظام مجاني والكومبيوتر رخيص

* نظام التشغيل «لينكس»، المصمم لأجهزة الخادم عالية التحمل والتقنية، مجاني. وبالنسبة لمكاتب إنتاج التأثيرات الخاصة ذات الميزانيات الاقتصادية، فإن أفضل ما يميز «لينكس» أنه يعمل على الكومبيوتر الشخصي رخيص الثمن. وكان «ديجيتال دومين» Digital Domain، الاستوديو الذي عمل على أفلام فازت بجوائز «أوسكار» مثل «ذي أبيس» (The Abyss)و«تيرمينيتر 2: ججمنت داي» (Terminator 2: Judgment Day)، بين أول المتبنين لهذا النهج. وأثناء العمل على فيلم «تايتانيك» (Titanic ) جنّد المدير التنفيذي سكوت روس كل موظفيه تقريبا للعمل على المشروع الذي يستنزف الكثير من الوقت. وهكذا فجأة، وجد فنانو إنتاج الأفلام الذين يستعملون أجهزة «سيليكون غرافيكس» أنفسهم يجلسون بجوار فناني وحدة الإعلانات التلفزيونية الذين كانوا يستعملون أجهزة الكومبيوتر الشخصية، ويمارسون العمل نفسه.

وحسب روس، فإن الكثير من الموظفين الذين كانوا يعملون على أجهزة «سيليكون غرافيكس» أصبحوا يخشون على وظائفهم وأنفسهم. وفي الوقت نفسه، كان عدد متزايد من مكاتب التأثيرات الخاصة قد بدأ يمل من بكانت يملهيمنة «سيليكون غرافيكس» على سوق هوليوود. ويشير العاملون على التأثيرات الخاصة إلى أن مديري «سيليكون غرافيكس» التنفيذيين رفضوا مرارا فكرة احتمال أن تتمكن أية تقنية رسومية أخرى من منافستهم.

لكن وبمرور الوقت، أدركت الشركة أنها في مأزق; إذ أصبحت الأجهزة الشخصية أكثر سرعة، ما جعل قدرة أجهزتها، في المقابل، تتضاءل، وبدأ مطورو البرامج لمنصات «سيليكون غرافيكس» بمواءمة منتجاتهم للعمل على منصات أخرى. في هذه الأثناء، كان تهديد «لينكس» ينتشر إلى ما هو أبعد من الأجهزة المكتبية، وتحديدا إلى ما يسمى بمزارع الأجهزة الخادمة; حيث تدير أعداد كبيرة من الكومبيوترات المتطورة وتعالج وتخزن مكتبات البيانات.

* الحاجة إلى السرعة

* وبدورها قامت شركة «إندستريال لايت آند ماجيك» Industrial Light & Magic الواقعة في سان رافائيل بكاليفورنيا، التي كان أفضل ما عملت عليه هو سلسلة حرب النجوم «ستار وورز» (Star Wars) الشهيرة، باستبدال جميع خادمات وكومبيوترات «سيليكون غرافيكس» المكتبية، مستعيضة عنها بأجهزة أرخص تعمل على «لينكس». لكن كليف بلومر، المسؤول التقني بالشركة، يرى أن هناك، مع التوفير المبهر في التكاليف، تقدما كبيرا في سرعة العمل. ولأن الصور المتحركة إحدى أكثر الأعمال الكومبيوترية التي تعتمد بشدة على المعالج، فإن كل ما يسرع أوقات المعالجة عامل حاسم.

وفي ظل خوفها من خسارة الزبائن، طورت «سيليكون غرافيكس» جهازا مكتبيا مبنيا على «لينكس» في العام 1999، لكنها أوقفت المشروع قبل أشهر من الإعلان الرسمي عنه عندما أدركت أنها لا تستطيع أن تنافس الكومبيوتر الشخصي. وكذلك تخلّت «سيليكون غرافيكس» عن جهود أخرى لبناء خادمات أساسها «لينكس» عندما سحبت «إنتل»Intel) ) خط رقاقة «إتانيوم»Itanium) ) التي كانت على وشك طرحها. وعندما أصدرت «إنتل» نماذج رقاقتها «إتانيوم» المجددة الصيف الماضي، أنهت «سيليكون غرافيكس» خادمها «آلتيكس». وتراهن «سيليكون غرافيكس» بخادمات «لينكس» الجديدة على أن قابلية تشارك الذاكرة عبر مجموعة من الأجهزة ستكون عامل جذب مهما.

وحسب بيشوب، فإنه باستعمال معالجات قوية بناقل سعته 64 بت، تتشارك الأجهزة البيانات بكفاءة أكبر من الأنظمة ذات 32 بت. ما يعني إمكانات إنتاج في استوديوهات التأثيرات الخاصة بسرعة أعلى 10 مرات. ورغم أن التقنية واعدة، ليس هناك ضمان بأنها ستحل مشاكل «سيليكون غرافيكس» في هوليوود.

* «سيليكون غرافيكس».. الفكرة والتطور

* كانت فكرة «سيليكون جرافيكس» قد نبعت من عقل جيم كلارك في العام 1982 ، وكأستاذ مشارك للهندسة الكهربائية في جامعة ستانفورد، صمم معالج كومبيوتر يتضمن الخوارزميات الضرورية لإنتاج رسومات ثلاثية الأبعاد، معتبرا أن الأجهزة يمكن أن تعالج وظائف الرسومات المعقدة بسرعة وكفاءة أكبر مما تستطيعه أرتال من الشفرات البرمجية.

وكان هدف كلارك من وراء «سيليكون غرافيكس» طموحا، وهو تسهيل بناء العوالم والمخلوقات التخيلية في فضاء ثلاثي الأبعاد. وقد قام مهندسوه ببناء سيل متواصل من الأجهزة التي تعمل على نظام التشغيل الخاص به «آي آر آي إكس» IRIX الذي جعل الفنانين والعلماء للمرة الأولى يصوغون ويديرون الأجسام ثلاثية الأبعاد على شاشاتهم.

ويذكر أنه في أواخر الثمانينات، كانت الشركة تبيع عشرات الآلاف من الأجهزة التي يصل سعر الواحد منها إلى 80 ألف دولار، وكان من أشهر زبائنها وكالة الفضاء والطيران الأمريكية «ناسا» NASA و«والت ديزني» Walt Disney. وقد عملت الشركات الرئيسة المتخصصة في إنتاج برامج التأثيرات الخاصة آنذاك على كتابة برامج خاصة بمنصات «سيليكون غرافيكس». كل هذا، إضافة إلى عوامل أخرى كاعتبار أجهزة «سيليكون غرافيكس» رمزا للرقي والمكانة الاجتماعية، ساعد على نمو دخل الشركة بشكل مطّرد من العام 1986 وحتى العام 1997 بنسبة 45 بالمائة سنويا، ليصل في هذا الأخير إلى أكثر من 3 مليارات دولار، وذلك قبل أن يبدأ «لينكس» هجومه بهدوء على هوليوود.

* لوس أنجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»