رئيس شركة «ميلينيوم» يعلن عن خطة من سبع نقاط لبناء «العراق الافتراضي»

د. أسعد النجار: ندعو لإنشاء مؤسسة «كونغرس» تقنية تتضمن خبراء يشرفون على التطور العراقي على الإنترنت * نعمل مع أطراف أخرى على إطلاق مشروع نقطة الوصول الوطنية لربط كافة مزودي خدمة الإنترنت العرب كشبكة عربية واحدة

TT

عرف أسعد الجار بإدارته التنفيذية النشطة للائتلاف العربي لأسماء الإنترنت، إلا أنه أيضا من العراقيين الذين يعملون في الولايات المتحدة لخدمة الإنترنت العربية من خلال شركته «ميلينيوم». وهو ما دفعنا للقائه للتعرف على استعدادات شركته للمشاركة في بناء التقنية في العراق الجديد، فكان اللقاء التالي:

* ماذا كان حال البنية التحتية في العراق حتى مارس (آذار) 2003؟

لهذا السؤال جواب من شقين: أولا القطاع الحكومي، إذ كان لدى أغلب الأجهزة الحكومية الرئيسة أجهزة متطورة تشتمل على شبكات متقدمة، وكومبيوترات قوية وأنظمة ماكنتوش متطورة. واستخدمت جميع الإدارات الرئيسة، بما فيها السفارات، وصلات عبر الأقمار الصناعية لإتاحة المجال أمام نقل المعلومات والبيانات الصوتية والصورية فيما بينها. وكانت بغداد واحدة من أولى المدن التي حصلت في وقت مبكر من العام 2000 على إمكانات الاتصال بتقنية «واي فاي» (WiFi)، ما سمح للمسؤولين الكبار بالتواصل عبر الشبكات وزودهم باتصال إنترنت عالي السرعة. وعلى الدوام حصل مستشارو صدام على أفضل التقنيات قبل وقتها، ونورد مثلا ناسخ الأقراص المدمجة (CD-RW) الذي غزا السوق قبل سنتين فقط، فقد كان هذا الجهاز مستخدما في عدد من الأقسام الحساسة التابعة للحكومة العراقية منذ العام 1986، بالإضافة إلى العديد من التقنيات التي أتاحت الحصول على خدمات متقدمة.

وثانيا: القطاعان الخاص والعام، فقد ظل هذان القطاعان مغيّبين، وكانت أفضل تجربة حظيا بها هي برمجة بسيطة بلغات «فورتران 77» و«باسكال» و«بيسيك». وعندما سُمح بدخول الإنترنت إلى العراق كان ذلك عبر خادم «بروكسي» مراقب ذا أجهزة مودم بطيئة (سرعتها 28 كيلوبت في الثانية) وبريد إلكتروني عبر موقع uruklink.net التابع لعدي صدام حسين والمراقب هو الآخر. ولهذا لم يكن أمام الشباب سوى الكتب كالوسيلة الوحيدة ليبقوا على اتصال مع العالم.

وما هي توقعاتك لمستقبل تقنية المعلومات؟هذا سؤال صعب ومعقد جدا لأنه هناك العديد من وجهات النظر والعوامل التي يجب أخذها بالاعتبار، وسأحاول هنا أن أسلط الضوء على بعضها: فلكي يحصل العراقيون على أفضل معرفة بتقنية المعلومات عليهم التفكير بأفضل البدائل وحصر الخلافات والتخلص منها، وهذا هو العامل الأساس في هيكلية إعادة الإعمار. وأنا شخصيا أشجع تأسيس المراكز والاتحادات لمناقشة هذا الأمر على الصعيد المحلي، تماما كما فعلنا مع اتحاد أسماء الإنترنت العربية (AINC) على المستوى العربي، واتحاد أسماء الإنترنت متعددة اللغات (MINC) على المستوى العالمي. ويجب على عمالقة مزودي التقنية العالميين ثانيا، مثل «مايكروسوفت» و«آي بي إم» و«كومباك» و«إنتل» و«صن» وغيرهم، أن ينظروا للعراق على أساس أنه حاضنة اختبارية، وأن لا يكرروا الخطأ المستمر الذي يعتبر المواطن في الشرق الأوسط والخليج مستهلكا فحسب. فنحن العراقيين، كنا دائما مبتكرين وقادة فطريّين إذا ما مُنحنا الفرصة، وقد أثبت التاريخ في الولايات المتحدة وأوروبا ذلك.

* اتسمت شركة « ميلينيوم» بنشاطها على صعيد الإنترنت العربية، فما هي خططكم للمشاركة في بناء « العراق الافتراضي» ؟

كنا، كما تعرف، فاعلين جدا على المستوى العالمي فيما يتعلق بأسماء النطاق العالمية، كما على المستوى العربي فيما يخص أسماء النطاق العربية بشكل عام، وفي إطلاق أسماء النطاق العراقية (المنتهية بالمقطع.iq) على وجه الخصوص، هذا إضافة إلى العديد من المشاركات في بناء شبكات « جي إس إم» (GSM) وحلول وخدمات الاتصالات المبنية على بروتوكول الإنترنت. وهنا أستعرض ملخصا لبعض الوحدات التي نعمل عليها، كما أسلّط الضوء على أجندة خطة العمل للشهور المقبلة:

أولا، تأسيس مركز خدمات الإنترنت العراقية (Iraqi Internet Services Center) المشابه لما فعلنا ضمن اتحاد AINC في كل الدول العربية. وسيوفر هذا المركز مكانا للاجتماع وتبادل الأفكار وتطبيق الخطط التقنية التي تم العمل عليها لتناسب السوق العراقية وتلبي حاجات المستهلك العراقي. ثانيا، بدء الاتصالات فورا عبر القمر الصناعي لتوفير الاتصالات الدولية التي توظف تقنية نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت أو « فويس أوفر آي بي» (VoIP) للمساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة. ويقع هذا الجهد الآن على عاتق شركتنا الشقيقة « فويكس» (VOEX). ثالثا، تطوير نظام الجوال « سي دي إم إيه 2000» (CDMA2000) كمعيار يعمل مع بعض شبكات « جي إس إم» لتوفير خدمة التجوال العالمي للهواتف الجوالة في العراق، لكي تكون جاهزة قبل الشروع في العمل، وذلك بدلا من الاستثمار في شبكة « جي إس إم» منهارة، هذا إلى جانب البدء في صناعة تجميع الهواتف الجوالة كمصدر للدخل.

رابعا، التأسيس الفوري للدورات التدريبية السريعة لترغيب الشباب في بناء مواقع وصفحات الويب التي تمثل الحصة العراقية من الوجود العالمي على الإنترنت، وهو ما سيسمح للكثيرين بتشارك الخبرات وتحسين المنحنى التعليمي. خامسا، التخطيط لمنتديات تعرِّف الشركات الأمريكية والأوروبية بحقيقة إعادة إعمار العراق. فعلى سبيل المثال، وصفت إحدى المجلات الأمريكية التي قرأتها مؤخرا العراق بالبقرة الكبيرة السمينة التي ستُحلب وتُعطى بعض القش بالمقابل. وجهة النظر هذه يجب أن تتغير، فالشعب العراقي يستحق الحصول على فرصة لعب دور مهم في التقدم العالمي. سادسا، التعاون في إنشاء بنية تحتية بوساطة معدات مستأجرة، ما سيوفر الكثير من النقود عبر دفع أجور استخدام تلك المعدات بدل شرائها. سابعا، إنشاء الخدمات الجديدة باستخدام نظام سلكي منظم يقوم بتوصيل البيانات والصوت والفيديو بشكل معزز عبر الأسلاك نفسها ما يخفض من كلفة إعادة البناء وإقامة التحديثات الجديدة. وأخيرا، هناك أمور أخرى سنناقشها في الأسابيع المقبلة.

* أين ترى العراق في مستقبل تقنية المعلومات بالمقارنة مع بقية دول الشرق الأوسط؟

حسنا، إذا افترضتُ أن مديري تقنية المعلومات في العراق سيسلكون المسار الصحيح، فأعتقد أن العراق يمكن أن يمثّل الرقم واحد في المنطقة بغضون خمس سنوات، وهذا طبعا بافتراض التالي: لا بيروقراطية كما نرى في البلدان الأخرى، و الاستغلال الكامل للمصادر بأسلوب إيجابي. والإبداع، وتطبيق كل التقنيات الجديدة بدلا من تقييدها ومنعها كما تفعل بعض الحكومات العربية اليوم. وتأسيس خطة طموحة تقود المنطقة وتراعي حاجات اللغة العربية، بدلا من اتّباع الغرب بصورة عمياء، إلى جانب تطبيق الرقع البرمجية لتعديل الحلول الإنكليزية وفق متطلبات المستهلكين العرب. وأخيرا وضع معايير محلية تدمج تلك العالمية وفي الوقت نفسه تعطي النتائج المرجوّة.

* ما هو المطلوب لإنجاز كل هذا؟ المال أم المصادر أم ماذا؟

بالتأكيد ليس المال، وبالمناسبة، فقد وُجِّه إلى السؤال ذاته عندما كنت في القاهرة في يناير (كانون الثاني) الماضي أثناء اجتماع منتدى الأعمال العربي لتقنية المعلومات والاتصالات (ABFICT)، والجواب هو نفسه: لا بيروقراطية، مع التمتع بالحرية التامة للتطور، والعمل بعقلية متفتحة لإيصال المجتمع إلى أهدافه. أما المصادر فهي متوافرة في الداخل أكثر من الخارج، وعلى العراقيين في الخارج رفع بقية تلك المصادر إلى مستويات أعلى. كما أود أن أذكر شيئا هنا: نحن لن نتحمل أو نقبل مفهوم استعمال النفط وثروات العراق كوسيلة لإنعاش الشركات الغربية وإخراجها من حالة الإفلاس.

* كيف ترى استمرار نمو الدور الذي يلعبه العراق كجزء من دائرة الاتصال العربية أو العالمية؟

طالما اعتقدت كعراقي أنه ستتاح لبلادي يوما ما العودة إلى المشاركة العالمية، وكما تعلم، فأنا جزء من الفريق الذي يعمل ضمن منتدى الأعمال العربي لتقنية المعلومات والاتصالات « أبفيكت» (ABFICT)، ويتابع إطلاق مشروع نقطة الوصول الوطنية (NAP) الذي سيربط كافة مزودي خدمة الإنترنت العرب ببعضهم كشبكة عربية واحدة، والذي تتضمن المرحلة الأولى منه مصر وفلسطين والأردن وسوريا، وكنت قد طلبت في يناير (كانون الثاني) الماضي تضمين العراق في هذه المرحلة. وعلى خط مواز يعمل زميلي من المملكة العربية السعودية الدكتور الزومان على مرحلة الثانية من أجل ربط دول الخليج العربي والسعودية، وفي المرحلة الأخيرة سيتم ربط البلدان العربية المتبقية. وبأخذ هذا بعين الاعتبار وبالنظر إلى المنظور الجغرافي، سيمثل العراق همزة الوصل بين المجموعتين والنقطة المشتركة لترحيل الاتصالات والبيانات. وقد كنت خلال السنوات العشر الماضية نشطا في العديد من الدوائر في العالم ضمن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، والمنظمة الدولية للملكية الفكرية (WIPO)، وW3G، ومجموعات عمل أخرى من أجل تضمين العراق ليكون جاهزا لمثل هذا اليوم على الدوام.

* ذكرت أن العراق سيحل في المركز الأول، فكيف ذلك؟

إننا، بطريقة ما، نبدأ الآن من الصفر، ولذا فإن لدينا ميزة بناء الأفضل واستبعاد كل ما لا ينفع، لنؤلف مدينة إنترنت متقدمة، وهذا الأمر ذو عدة مناظير: الأول هو التقنية، وهنا أهدف للحصول على أفضل التقنيات لتوفير نظام الاتصال بالألياف والقادر على إيصال الصوت والبيانات والفيديو والتلفزيون مجتمعة بما يشبه نموذجا يطبق هذه الأيام في الولايات المتحدة. أما الثاني فهو الإبداع الذي يسمح للعراقيين ببناء أحلامهم ومشاريعهم عبر برنامج حضانة نشط مشابه للبرنامج الذي رأيناه يُطلق بنجاح في تونس من قبل الدكتور فريال بيجي. وهذا سيسمح حقيقة بإيجاد الحلول المبنية بما يلائم الحاجات العراقية، لا تلك الحلول المبنية اعتباطا والمعدلة لتُصدر إلى العراق. والمنظور الثالث هو الوسائل، وهذا يتمثل في بناء مراكز الكومبيوتر والبيانات لجعل العراق يدرك بقية البلدان الأوروبية من خلال برنامج تربوي نشط يتضمن كافة المدارس والمراحل الدراسية، ما سيؤهل جيلا جديدا من الشباب الواعي والقادر على اللحاق بالركب والمشاركة بالتفوق التقني.

هناك أيضا التنظيم، الذي يعتبر عنق الزجاجة الذي يخنق التقدم في أي بلد بغض النظر عن موقعها. فنحن نرى البيروقراطية منتشرة في كل مكان، حتى هنا في الولايات المتحدة، لتبطئ تحقيق العديد من الأهداف. فعلى سبيل المثال، كان بالإمكان أن تكون مصر اليوم أكثر تقدما بمئات المرات لو خفّض المسؤولون من الروتين بنحو 10 بالمائة فقط، وأنا أترك للقارئ تخيل ما سيكون عليه وضع مصر لو أزيلت البيروقراطية تماما. أعود إلى نقطة حديثنا، وأدعو إلى تنظيم بلا روتين، وليكن هناك مؤسسة « كونغرس تقنية» تتضمن مثلا مائة من الأعضاء الذي يشرفون على التطور العراقي على الإنترنت، وبناء عراق يصبح ضمن السنوات العشر المقبلة مصدّرا للتقنية.

وهناك نقطة أخرى هي التمويل، فبالإضافة إلى الدخل من النفط العراقي والحجم الهائل من الأموال الجاهزة للتدفق من العديد من البلدان العربية لمساعدة العراق، أعتقد أن على الشركات الغربية توصيل الأجهزة المدعومة حكوميا واستعادة الفرق من ميزانية الإعلان. فعلى سبيل المثال، ستحقق «آي بي أم» أو «إنتل» فائدة أكثر عبر وضع كومبيوتر يحمل شعار IBM with INTEL inside في كل بيت، بدلا من وضع إعلانات يومية في الصحف. هذه فرصة الصانعين لكسب المستهلك. وأخيرا هناك العيوب، فعلينا التعلم من أخطاء الآخرين وتجنبها.

* ما العائق الرئيس الذي تواجهونه في التعامل مع الشركات العالمية الكبرى؟

لسوء الحظ، فإن كل الشركات ترى السوق العراقية امتدادا للبلدان المجاورة بدلا من اعتباره بلدا قائما بذاته. ما أعنيه هنا هو أنه عند طلب الحصول على اتفاقية تمثيل أو وكالة من العديد من الشركات فإنها جميعها توجهنا إلى الوكلاء في الأردن وسوريا ولبنان والإمارات العربية المتحدة، وتمتد القائمة لتشمل سويسرا وإنكلترا. هذا الوضع ليس سليما ويجب أن يتوقف الآن. وأذكر هنا أنني أتّفق مع الملك عبد الله في توجّهه في الأردن، وأشجع الكثيرين للعمل بذهنية «العراق أولاً»، والتي لا تعني العزلة وإنما تعني تحديد الأولوية مباشرة. إذن، فالشركة التي لا يوجد لها تمثيل عراقي هي شركة ستتخلف وتبقى خارج السوق العراقية.