نيران صديقة... في حروب الهاكرز

وليد الاصفر

TT

جميعنا سمع أو قرأ مصطلح «اصابات بنيران صديقة»، أثناء الحرب الأخيرة التي وقعت في العراق، ومع أن هذا المصطلح ليس بجديد عسكريا، إلا أن قلة من الناس كانوا قد سمعوا به، إذ تعود الناس على رؤية لاعب كرة قدم يسدد هدفا بالخطأ في مرمى فريقه هو، بدلا من مرمى الفريق المنافس، لكنهم لم يتعودوا كثيرا على فكرة سقوط قتلى وجرحى بشكل غير مقصود في صفوف جنود على أيدي زملائهم أو حلفائهم، مع أنه أمر ممكن الحدوث.

ما ذكرني بهذا المصطلح الآن هو توقع حدوثه في حرب من نوع آخر، بدأت تشتعل منذ مدة ليست ببعيدة في ساحات «القتال» الافتراضية، بين ما يطلق عليهم صفة مخترقين أو هاكرز، وبين المسؤولين عن حماية شبكات أنظمة المعلومات في دول العالم. ومع أن الاهتمام بهذه النوعية من المعارك بدأ يظهر عند كثير من الدول المتقدمة إلا أن تناوله في الولايات المتحدة يختلف، كما هي العادة، في حجمه وأسلوبه. فالذعر هناك لا يتوقف عند تشويه موقع حكومي أو سرقة بيانات سرية أو أموال من مصارف، ولكن بنوع من «الدمار الشامل» الذي قد يصيب الدولة الأمريكية كلها بما يشبه الشلل، بسبب القدرة الفرضية «لإرهابيي» الإنترنت على اختراق شبكات الاتصالات والكهرباء والصحة وغيرها من المرافق الحيوية، وتعطيلها أو اصابتها بما يشبه الفوضى العارمة، على أساس أنه لا يمكن تأمين هذه الشبكات بالكامل، أو فصلها عن الإنترنت بشكل مطلق، على الرغم من الاهتمام الشديد حتى من قبل الحكومة الاميركية على تأمين الحماية الإلكترونية، إذ ستكون هناك دائما ثغرة في مكان ما لا أحد يعرف أين هي وكيف يمكن اكتشافها.

ويستبعد خبراء اميركيون مرموقون سهولة حدوث مثل هذه عمليات، لأنها تتطلب توفر مجموعة ذات اتجاهات إرهابية لكنها في الوقت نفسه تتمتع بقدرات تنظيمية وتقنية علمية عالية، وهو أمر يصعب تشكيله. إلا أن ذلك لم يمنع شركات التقنية من استغلال هذا الجو المعبأ، من تقديم حلول مقاومة مناسبة، من أبرزها حل يستعير من العسكر مصطلحاً آخر هو «الضربة الوقائية». إذ أنه يتمحور حول استخدام أسلوب استخدام هجوم إلكتروني «سريع وحازم» يسبب «الصدمة والوجل»، تدمر بواسطته أجهزة الكومبيوتر الخادمة التي تخرج أو قد تخرج منها أي هجمة على مؤسسة أمريكية، فيعطلها في وقت مبكر قبل أن تتسبب هي بدمار كبير. ومع أن الفكرة تبدو ذكية، إلا أن متابعي شؤون الهاكرز لا يوافقون على ذلك اطلاقا، فالمعتاد أن يلجأ الهاكرز إلى السيطرة على أجهزة خادمة في أي مكان في الإنترنت حتى تلك التي تمتلكها مؤسسات أمريكية منها حكومية، واستخدامها لشن هجماتهم، ومن كان يتابع أخبار فيروسات الكومبيوتر التي ظهرت في الآونة الأخيرة سيدرك هذه الحقيقة. وبالتالي وفي حالة الذعر «المسبق» الذي قد يصيب دائرة أمن المعلومات في أي جهة من الجهات، قد يسارع أفراد هذه الدائرة ويشنون هجومهم الشامل على الجهاز الخادم الذي خرج منه الاعتداء فيدمروه، قبل أن يكتشفوا أن «نيرانهم» أصابت جهازا خادما «صديقا» قد يكون تابعا ربما لمؤسسة حكومية أخرى.

أين نحن من ذلك كله في العالم العربي؟ سؤال صعب للغاية. ففي حين نسمع من جهات مختلفة أن هناك العديد من الجهات التي تعرضت شبكاتها لهجمات من نوع أو آخر، إلا أن ما يرشح من معلومات عنها ضئيل وغامض. وفي الوقت نفسه نسمع عن أن هذه الجهات تحاول أن تكتشف الحلول المناسبة لحماية نفسها من هجمات أخرى، لكن حتى هذه المحاولات هي أيضا تتسم بالغموض، أو هكذا نحس.