شاب سعودي يشارك في مناقشات الخطة الوطنية لتقنية المعلومات منذ أن كان في الخامسة عشرة

عبد الرحمن طرابزوني: أطمح لجعل السعودية «وادي سليكون» الشرق الأوسط والفرصة مواتية لإيجاد نواة لفريق سعودي في النانوتيكنولوجي

TT

طيلة الخمس سنين الماضية، كان المتحاورون من مختبري النسخ التجريبية (بيتا) من أنظمة وبرمجيات شركة مايكروسوفت، يتفاجئون في حلقات نقاشهم على الإنترنت، أن ذلك الشخص الذي كان يناقشهم بالتفاصيل الدقيقة لمحتوى البرمجيات والتطبيقات والنظم المطروحة للاختبار، ويقترح عليهم أنسب السبل وأفضل الطرق البديلة للوصول إلى تطبيقات ذات مميزات إضافية، هو طفل سعودي اسمه عبد الرحمن طرابزوني، بدأ في هذا النشاط منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره، لدرجة أنه قيل معها إن ملاحظاته الأخيرة على شفرة نظام ويندوز «إكس بي» (ويسلر) ومنصة «دوت نت» أثارت انتباه بعض من كبار مسؤولي الشركة ومديريهما الإقليميين، وقد أكد هذا مبادرة مايكروسوفت والعديد من شركات التقنية العالمية التي التقى برؤسائها ومديريهما على الانترنت، وقدم لهم العديد من المقترحات والتصورات المستقبلية للتقنية، بعرضهم عليه العمل في مقارها الرئيسية.

أما حاليا فقد اختار هذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره اليوم الثمانية عشر ربيعا، من شركة ارامكو السعودية التي تتبنى تطوير النابغين، قاعدة لانطلاقه نحو تحقيق طموحاته، فقد تولت الشركة ابتعاثه لإكمال دراسته في أرقى معاهد التقنية وقبوله في العديد من الجامعات المميزة عالميا كجامعة ستانفورد وغيرها، حيث تلقى العديد من التوصيات التي شارك فيها العديد من مديري تلك الشركات. ويعد عبد الرحمن العدة اليوم للسفر إلى معهد ماساتشوسيتس التقني (MIT)، ليكمل مشواره الذي رسمه لحياته، ليحقق طموحه في مجال التقنية التي أولع بها، منتظرين منه المفاجآت التي وعدنا بتخصيصها لـ«الشرق الأوسط». وقد التقت «الشرق الأوسط» معه ليطلعنا على ما يدور في خياله من طموحات يريد تحقيقها لوطنه وأمته، فكان معه الحوار التالي:

* كيف بدأت اهتماماتك بالتقنية وهل كانت هناك من يساندك لتحقيق طموحاتك؟

ـ بدأت لدي اهتمامات بجانب تقنية المعلومات منذ المرحلة المتوسطة، فقد أحضر لي والدي جهاز كومبيوتر، وبدأت أعتمد على نفسي في قراءة المزيد عن البرمجيات وما يقدمه الكومبيوتر من خدمات و قدرات هائلة. وقد لاقيت من والدتي التشجيع نحو بذل المزيد والاستمرار، فقد كانت تحضر لي الكتب والمجلات المتخصصة التي تناسب اهتماماتي في المجالات التقنية، ودعمتني وأخذت بيدي لأصل إلى ما أنا عليه اليوم.

* كيف كنت تشبع ولعك للتعرف على أحدث ما توصلت إليه التقنية وأنت لا تزال طالبا لم يتجاوز 15 عاما؟

ـ في البداية انبهرت بمستوى نجاح بيل غيتس، فقد كان كتابه(The Road Ahead) من أفضل وأول ما قرأت، ومن خلاله تكونت لدي أفكار ونظريات مستقبلية عن تقنية المعلومات. وكنت أتابع سلسلة الندوات المختلفة التي تقيمها شركة مايكروسوفت في السعودية، وكذلك الندوات والمؤتمرات المتخصصة التي التقي فيها بالمتخصصين واجتماعات جمعية الحاسبات السعودية، وكذلك صفحات الجرائد والمجلات المتخصصة التي تعنى بالتقنية. ولا أزال اذكر إنني كنت أصغر الحضور في مناقشات الخطة الوطنية لتقنية المعلومات في السعودية، فقد كانوا يتهامسون حول حضور طفل لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره بينهم، ولكن أعتقد بأنني استهويت الحضور بمناقشاتي في مواضيع الخطة، عندما قلت «إن من أهم الجوانب التي يجب التركيز عليها في الخطة هو التعليم الإلكتروني، فنحن كجيل جديد سيصبح كل شيء في واجهتنا إلكترونياً، ولهذا يجب علينا أن نركز على تغذيته منذ الآن بثقافة إلكترونية واعدة، لنصبح مستقبلا من روادها لأنها ستكون جزءا أساسيا و طبيعيا من الجيل المقبل». * هل هناك جهة اكتشفت لديك هذه الموهبة، وهل قدموا لك توجيهات لتحقيق المزيد؟

ـ سبق لي أن كنت من المحظوظين المشاركين في ملتقى الموهوبين في جامعة البترول والمعادن، الذي تشرف عليه مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، في الفترة الصيفية، الذين يتم اختيارهم بناء على اختبارات تتركز على مهارات الإبداع والذكاء. ولقد أتاحت تلك البيئة العلمية البحثية المتميزة لي ولزملائي المشاركين إعداد العديد من المشاريع المبدعة، وكان اختيار مجموعتي التي ترأستها والمكونة من خمسة زملاء متميزين، تصميم مشروع في الذكاء الصناعي لمكنسة كهربائية تم برمجتها لمعرفة مسارها في المنزل، وحصلت على المركز الأول على الموهوبين في هذا البرنامج.

وقد سبق ان كرمني أورلاندو إيالا مدير شركة مايكروسوفت نائب رئيس مايكروسوفت للعمليات الدولية والمبيعات عندما زار السعودية، كأحد الناشطين التقنيين، كما لقبني جيف رايكس نائب الرئيس لتطوير البرامج الفاعلية «بيل غيتس جونيور» أي بيل غيتس الصغير خلال أحد الاجتماعات معه. وعرض علي براين فالنتين نائب الرئيس لتطوير منصة ويندوز، العمل لدى مايكروسوفت العالمية في الولايات المتحدة في منصب وصفه «المنافس والواعد» بعد تخرجي من الجامعة. وكان لشركة أرامكو السعودية دور فاعل ومميز لن أنساه حيث احتضنتني ووفرت البيئة الملائمة للتطور والإبداع. فقد عملت كتقني لنظام ساب العالمي وعضو في فريق الإبداع.

* ما هو التخصص الدقيق الذي تستطيع من خلاله تقديم ابتكارات حديثة؟

ـ لدي الكثير من الأفكار والطموحات، ولكن إذا خيرت فسوف اختار الذكاء الصناعي، وأبحث عن التركيز على التقنية الحيوية، التي من خططها دمج القدرة البشرية من قوة العقل وخصائص الحمض النووي (DNA) في الأجهزة الإلكترونية للحصول على نتائج مذهلة وجبارة.

كذلك لدي اهتمامات واسعة بتقنية الدقائق المجهرية، أو النانوتيكنولوجي (Nanotechnology) بالذات، التي تغير في تطوير الصناعة الالكترونية بشكل جذري، وأرى هنا بان الفرصة مواتية لإيجاد نواة لفريق سعودي في هذه التقنية وتبعاتها التي تخدم مجالات واسعة.

* كيف تجد قدرات أبناء جيلك على الابتكار والإبداع؟

ـ من المؤسف أن نجد العديد من الشباب السعودي المبدع من دون رعاية أو توجيه، فعلى سبيل المثال لا الحصر كثيرا ما تجد أشخاصا على معرفة كبيرة في أمور تقنية دقيقة بالرغم من أنهم لم يتخصصوا بها بعد. ولكن تكمن المشكلة في أن الجهات المعنية والقطاعات الخاصة لا توفر الفرص لاكتشاف وإعطاء هذه الشريحة الاهتمام المطلوب، مما يعني عدم وجود القدرة لدى تلك الجهات على تقدير هذه الكفاءات ووضعها في المكان المناسب لها. وأذكر أننا أردنا عمل مشاريع تقنية، لكننا لم نجد الفرصة في الحصول على جهة راعية. ومن المؤسف أن تجد لمسات أبناء هذا البلد المبدعة، قد أتيحت لها الفرصة للوصول إلى مواقع متميزة في مجال التقنية في مواقع خارج السعودية، حيث وجدوا البيئة المناسبة لإبراز قدراتهم العلمية، فبلدنا بحاجة ماسة إلى هذه العقول وإذا لم نتحرك سريعا لحل هذه المعضلة فإن النتائج ستكون أكثر من وخيمة.

* كيف يمكن إبراز هذه المواهب لدى الشباب للجهات المتخصصة، والمحافظة على تلك العقول لخدمة هذا الوطن؟

ـ تحدثت مع الدكتور خالد الغنيم رئيس جمعية الحاسبات السعودية حول وجود مجموعة من الشباب الذين يمكن تطويرهم تقنياً من قبل الجمعية أو شركات راعية، ليتم ابتعاثهم إلى جامعات وكليات ومعاهد متخصصة لتتحقق له بيئة الإبداع اللازمة، وأعتقد بان الدكتور الغنيم قد بدأ بشيء من هذا القبيل في عمل المسابقة الوطنية لمهارات الكومبيوتر، كما أن هناك لقاءات ذات اهتمام حول التعليم الالكتروني من قبل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الذي أود أن أعبر له عن شكري لجهوده في التعليم الإلكتروني ودعمه المعنوي لي. وأريد أن أوجهه للجميع وبخاصة أصحاب القرار، أن الطبقة التكنوقراطية في السعودية بحاجة إلى المزيد من الدعم والصلاحيات لدعم البنية التحتية، ولن نصل إلى أي هدف طالما لا توجد أي رعاية للطاقات السعودية الواعدة، مما يؤدي بها إما إلى الاضمحلال أو الاستفادة منها من قبل جهات أخرى خارجية. كما إننا بحاجة إلى الشفافية في وضع الخطط لأي جهة تسهم في صناعة اقتصاد البلد وبالذات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الجديدة، نعم، نريد النتائج لا المظاهر والأسماء البراقة، وأنا أتوجه إلى صناع القرار وأصحاب المبادرات باحتواء ورعاية النماذج المشرفة من أبناء هذا البلد، وتوفير البيئة المناسبة لاكتشاف طاقاتهم الكامنة ولإظهار إمكانياتهم وقدراتهم العالية بما يخدم ديننا ووطننا.

* هل تجد قبولك في أعرق المعاهد المتخصصة بداية تحقيق أحلامك؟

ـ أدعو الله عز وجل أن يتيح لي قبولي في أفضل المعاهد المتخصصة في التقنية في تحقيق شيء لديني ولبلدي، فمعهد ماساتشوسيتس التقني يستثمر المليارات من الدولارات لتطوير مستقبل التقنية، وتنسب إليه أغلب الابتكارات التقنية التي نراها في حاضرنا اليوم، ولدي النية للتقدم إلى رئيس المعهد لأطلعه على فكرة قديمة كانت لدي تتعلق بالواقع الافتراضي والذكاء الصناعي. وأرجو أن يكون التحاقي بهذا المعهد حجر الأساس في حياتي التي سأكرسها لتطوير العلم والتقنية، فوالدتي متأكدة بأنني سأضيف شيئاً إلى جامعتي بقدر ما جامعتي ستضيف لي، ولن أخيب ظنها بإذن الله، فالابتكار موجود ولا حدود له إلا في مخيلة الإنسان وتفكيره.

* ما هي طموحاتك المستقبلية التي تسعى إلى تحقيقها؟

ـ قد يسخر البعض من أحلامي التي قد توصف بأنها خرافية، لكن حقيقة اطمح في رئاسة إحدى كبرى شركات التقنية العالمية، التي أتمني أن تكون في المستقبل العاجل سعودية، كما أريد أن أجعل السعودية في مصاف الدول المتقدمة تقنياً لتصبح وادي سليكون الشرق الأوسط، وأن تشكل تقنية المعلومات الدخل الأول لبلدي قبل النفط... فلم لا؟.