معاناة «سوبرستار»

TT

«... بل كل ما أريده هو شيء من العدالة، وأريد أن اؤكد لك أنني لا أشعر بالحقد تجاه أي منهم، ولا أعتبر نفسي أقل موهبة أو قدرة على الاطلاق. فكما ترى فأنا أقاربهم في العمر كوني في السنة الثانية من الجامعة، أما من ناحية الشكل فبإمكاني بكل بساطة أن أحصل على أحلى تسريحة شعر عند أي حلاق محترف، ويمكنني كذلك أن أشتري أكبر وأغلى قارورة «جيل» من أقرب سوبرماركت لأحافظ على ديمومتها طيلة النهار والليل، وكذلك الحال بالنسبة للملابس. ولكن أن أحرم فرصة الشهرة لأن موهبتي في الكومبيوتر وليس في الغناء، فهو أمر لا يمكنني السكوت عنه على الاطلاق».

«... يا أخي لم أصدق عيني ذلك اليوم، فبعد أن شعرت بالضجر وأنا أقلب المحطات الفضائية من كثرة البرامج المكرسة للبحث عن «ثروات الأمة» الغنائية الكامنة في شبابها، كانت قاصمة الظهر عندما رأيت تلك الخراف وهي تذبح تحت أرجل مجموعة من المتسابقين، ويطلب منهم المرور فوق دمائها لحمايتهم من الحسد، مع أن المنافسة لم تنته بعد، ثم مناظر أخرى لحشود كبيرة من الجماهير وهي تهزج بأناشيد الفخر والانتصار لأنهم حظوا بفرصة زيارة هؤلاء الهواة إلى مدينتهم، ومشاهد «مرعبة» لشباب وصبايا يتزاحمون من أجل الفوز بتوقيع أو قبلة من متسابق لا يعرف أحد إن كان سيفوز أم لا. ثم راعتني الاعلانات التي قرأتها في الصحف التي تحاول حشد الأصوات للمتسابقين; أحدها يطلب أن لا يتوقف الناس عن إرسال رسائل الجوال للتصويت مع المتسابقين، وإعلانات أخرى تنظم رحلات جوية إلى البلد الذي تجري فيه المنافسة الغنائية من أجل مؤازرة «ابن أو بنت البلد» على أساس أنهم أبطال قوميون يمثلون كرامة الأمة وعنفوانها».

«... وهل تعتبر ما حصل معي أنا «شهرة»؟ صحيح أن معظم الجرائد المحلية وليس كلها، نشرت صوري أنا وزملائي عندما فزنا بجوائز مسابقة تقنية معلومات أقامتها إحدى الجمعيات المهتمة، لكن لم تهتم سوى جريدة إقليمية واحدة بخبر المسابقة، حيث لم تنشر سوى صورة واحدة صغيرة نسبيا تضم جميع الفائزين معا، نظرا لضيق المساحة كما قيل لنا. أما التلفزيون المحلي فقد بث خبر المسابقة بسرعة مع تعليق من المذيع ارتجله بصورة بدا معها أنه لم يلمس جهاز كومبيوتر في حياته، ولقاء آخر مقتضب في برنامج مخصص للأطفال، كان علي أن أتحمل بعده تعليقات شباب الحارة الساخرة عليه لشهر كامل».

«... لا. أنا لا أقصد أن أستهين بموهبة أي شاب أو فتاة، فكل منهم حر في أن يحدد خياراته في الحياة، ولكن أظن أنه من حقي أن أعبر عن اعتقادي بأنه لا علاقة ولا تأثير لشدة اهتمامنا بالغناء والموسيقى على تأمين اعتبار بلدنا حضاريا أكثر من غيره. كما أعتقد كذلك أن برنامجا أطوره بنفسي، أو جهازا يصممه أحد زملائي أو زميلاتي المبدعين يمكن أن يكون له تأثير يتعدى حدود بلدي ويخدم آلاف وملايين البشر، وهو أمر أكثر ضمانا لوضعنا في مصاف الدول المتحضرة، عدا عن الدخل الوافر الذي سيدعم بسببه اقتصاد البلد. وهذه ليست مبالغة على الاطلاق، ولا أظن أن الهنود الذين حققوا ذلك فعلا أفضل منا بأي حال».

«... نعم أحب الشهرة، ولا أخجل من ذكر ذلك، لأن هذا طبيعي لمن هم في مثل عمري، وبخاصة أن ما أقوم به يشرفني ويشرف أهلي ولا يمكن لأحد أن يناقش في أهميته. ودعني أقول لك بصراحة انني لا أضمن ماذا سيحصل معي إذا استمر هذا الشعور بالاحباط يسيطر على نفسي، وتأكد تماما أن معرفتي بالبرمجة والإنترنت وخباياها، ستجعلني أنا ومجموعة من أصدقائي المقربين قادرين على أن نفعل الأعاجيب. وسنجعل كل ما صدر من فيروسات كومبيوتر أو اختراقات هاكرز تبدو أنها ألعاب أطفال».

«... أنت لا تصدقني إذا؟ حسنا، انتظر وسيكون الجواب ما تراه لا ما تسمعه، وستتحملون أنتم جميعا مسؤولية ما سيحدث بسبب إهمالكم لنا، و«خلي كل السوبرستارز ينفعوكم».

ملاحظة من الكاتب: الحوار أعلاه حوار خيالي، وأي تشابه بينه وبين الواقع هو محض صدفة لا أكثر.. ولا أقل.