مدير إدارة المعلومات والتوثيق بالداخلية المصرية لـ «الشرق الاوسط»: القانون المصري لا يجرم اختراق الشبكات إلا في حالة الإضرار بالشبكة

جرائم «قتل» عبر الإنترنت والأشغال الشاقة عقوية اختراق شبكة الأحوال المدنية والاطلاع على وثائق الأفراد

TT

تختلف الجريمة الالكترونية في طبيعتها واسلوبها عن الجريمة العادية، فمسرح الجريمة هو العالم كله، ولا يشترط وجود الجاني والمجني عليه في مكان واحد فجريمة «القتل» يمكن تنفيذها عبر الانترنت، من دون ان يمس القاتل القتيل، بالاضافة الى ان طبيعة مجرمي الانترنت مختلفة عن المجرمين التقليديين.

لكن تبقى الجريمة هي الجريمة ولو كانت الكترونية، كما انه من الممكن ممارسة جرائم تقليدية مثل النصب والقذف والسب والتشهير و«البلطجة» عبر الانترنت، وتزيد عليها جرائم من نوع خاص هي كالقرصنة الالكترونية واختراق الشبكات وسرقة ارقام البطاقات الائتمانية والتجسس الصناعي، وبث مواقع اباحية وازدراء الاديان واطلاق الشائعات. وقد تنبهت وزارة الداخلية المصرية منذ وقت الى هذه الانواع المستحدثة من الجريمة، وأنشأت ادارة خاصة لمكافحة تلك الجرائم يديرها اللواء مصطفى راضي، الذي وضعنا أمامه تساؤلات كثيرة حول الجرائم الالكترونية في مصر اجاب عنها في هذا اللقاء.

في البداية كانت مهمة ادارة المعلومات والتوثيق روتينية، تهدف الى تحديث نظم الإدارات في وزارة الداخلية واقامة الشبكات وتوفير اجهزة الكومبيوتر للوصول الى الحكومة الالكترونية، لكن مع إنشاء ادارة مكافحة جرائم الكومبيوتر وشبكات المعلومات، اصبح الامر يتعلق بتتبع المجرمين، ليس فقط داخل مصر بل في جميع انحاء العالم، وباساليب فنية تقنية معقدة تمثل مناظرة ما بين ذكاء مجرمي الانترنت وذكاء ضباط مكافحة الجريمة الالكترونية. هكذا بدأ اللواء مصطفى راضي مدير ادارة المعلومات والتوثيق حديثه موضحا أن جميع الجرائم الموجودة في المجتمع توجد ايضا عبر الانترنت، فهناك جرائم القذف والسب والتشهير والسرقة، وجرائم البلطجة والنصب والاحتيال وجرائم الاداب، بل وجرائم القتل، ولكن من دون عنف أو اهدار نقطة دماء، ومثل هذه الجريمة تحدث في الخارج لكنها لم تحدث في مجتمعاتنا العربية بعد، فالمستشفيات في الخارج تعتمد على الحسابات في تقدير جرعات الدواء للمرضى وأي اختراق لشبكة المعلومات الخاصة في المستشفى والتغيير في جرعات الدواء لمريض معين، قد يؤدي الى وفاته، ويكون القاتل في هذه الحالة على بعد الاف الاميال عن القتيل!

* كيف تقوم ادارة مكافحة جرائم الكومبيوتر في وزارة الداخلية بمراقبة وتتبع هذه الجرائم وما هي المميزات الموجودة بالادارة؟

ـ مع انشاء الادارة اهتمت الوزارة بالاعتماد على ضباط مهندسين متخصصين في الكومبيوتر حصلوا على دورات داخل البلاد وخارجها في كيفية القيام بعمليات تتبع المجرم عبر مواقع الانترنت، وهي عملية فنية لا استطيع ان اتحدث عن تفاصيلها، ومن جانب آخر فمهمة الادارة هنا هي تلقي البلاغات والتحقيق فيها حتى الوصول الى المتهم، فهناك 12 مليار صفحة على شبكة الانترنت و250 مليون موقع، ولا يمكن لاي ادارة في العالم متابعة وتتبع هذه المواقع جميعها الا اذا تم الابلاغ عن موقع معين، يقوم ببث شائعات أو خروج عن الاداب العامة أو النصب والاحتيال.

* وما هي اهم الجرائم التي قامت الادارة بالكشف عنها وهل تقتصر مهمة الادارة على المواقع المصرية فقط؟

ـ هناك بالطبع جرائم الخروج عن الاداب العامة، مثل انشاء موقع يقوم المتهم من خلاله بنشر صورة لفتاة على جسد عاري مع اسمها وهاتفها مما يسيء الى سمعتها، وعندما تتلقى الفتاة هواتف وتعلم بأمر هذا الموقع تقوم بابلاغ الادارة فيتم تتبع الموقع حتى يتم الوصول الى المتهم الذي قام بانشائه. ولا تقتصر مهام الادارة على المواقع المصرية فقط، لاننا نحقق في البلاغات التي تصل الينا سواء من مصريين أو اجانب، ففي إحدى القضايا وصلنا بلاغ من فتاة اجنبية مقيمة في وسط اوروبا، ابلغتنا عن طريق وزارة الخارجية عن موقع مصري «مناف للاداب العامة»، وكان الموقع يطلب سكرتيرة تقوم بأعمال سكرتارية بمقابل مادي كبير وتذاكر سفر وخلافه، وعندما ارسلت بياناتها، وجدت صاحب الموقع يطالبها بعمل تعاقدات في الدولة التي تقيم بها لحسابه والقيام بأعمال منافية للاداب. وتحركت الادارة لتتبع هذا الموقع، لكننا لم نجده على شبكة الانترنت، فقد قام «المتهم» بالغائه لكننا وجدنا موقعا يطلب عارضات ازياء وله نفس المواصفات التي ادلت بها المبلغة، فتم ضبطه واحضاره والتحفظ على اجهزة الكومبيوتر التي يستخدمها والاجهزة الالكترونية الاخرى بعد اذن النيابة العامة.

وفي احدى القضايا كانت المبلغة ايضا اجنبية لكنها تقيم في مصر، وفوجئت بموقع يسيء الى سمعتها، وبعد الفحص والتتبع وجدنا ان منشئ الموقع كان من داخل الشركة التي تعمل بها وانه اراد الانتقام منها لانها تسببت في وقف ترقيته. وهناك جرائم البلطجة، حيث يقوم متخصص في برمجة الكومبيوتر في الدخول الى مواقع الشركات التي تقدم خدمة الانترنت، ويصل الى الثغرات الموجودة في الشبكة ويبدأ في مطالبة الشركات بمبالغ نقدية مقابل عدم تدمير الشبكة، بالاضافة الى قضايا التصنيع وسرقة البطاقات الائتمانية والتشهير وغيرها.

* ما هو التشريع الذي يحكم مثل هذه القضايا والعقوبات المحددة لها وهل هي كافية؟

ـ جميع الجرائم يمكن تطبيق القانون الجنائي عليها، فمعظم الجرائم مثل السرقة والنصب والاحتيال والاداب العامة تتم معاملتها مثل الجرائم التقليدية، باعتبار ان اركانها منصوص عليها في القانون المصري للاجراءات الجنائية، كما اننا نقوم بالتنسيق مع النيابة العامة في الاستئذان في ضبط المتهم والاجهزة المستخدمة في الجريمة، وتقوم النيابة بالتحقيق معه، ويتم تقديمه للمحاكمة، وتقوم المحكمة باقرار عقوبات وفقا للمنصوص عليه في القانون لكل جريمة وتقرير مدى الضرر الذي احدثه المتهم في حق المجني عليه، بل قد تتشدد المحكمة في اقرار اقصى عقوية لان وسيلة الجاني في الحاق الضرر بالمجني عليه وسيلة عالمية كالانترنت وهي وسيلة اتصال مفتوحة لجميع شعوب العالم.

* هناك بعض المواقع التي أطلقتها جماعات سياسية ويتعارض توجهها مع اتجاهات الدولة، فهل هناك تتبع لمثل هذه المواقع وهل يتعارض هذا مع حرية الافراد في التعبير عن افكارهم ومعتقداتهم؟

ـ انا لا استطيع الحديث عن مثل هذه الجماعات لان هناك جهات امنية عليا تتابع مثل هذه الانشطة، اما فيما يتعلق بحرية الاشخاص فالحرية مشروطة بعدم الاضرار بالمصالح القومية والمصالح الوطنية أو الاضرار بالافراد بشكل متعمد.

* الاختراق مقبول بشرط عدم الاضرار

* اذا انتقلنا الى نوعية من الجرائم الالكترونية التي تختص بها الحسابات وشبكات المعلومات ولا تحدث مثلها في الجرائم العادية مثل جريمة الاختراق والقرصنة الكومبيوترية والتلصص.. ما هو موقف الادارة من هذه الجرائم؟

ـ هناك مشكلة فيما يتعلق بالاختراق حيث لا يجرم القانون المصري من استطاع اختراق شبكة معلومات الا عندما يقوم باحداث ضرر في هذه الشبكة، وطالما لم يحدث تغيير أو نقل ملفات خلال هذا الاختراق واطلع الشخص الذي اخترق الشبكة فقط على المعلومات فلا يوجد حتى الان في القانون المصري ما يجرم هذا الفعل. اما في حالة الاختراق والاضرار العمدي بالمعلومات والملفات فيتم توصيف الجريمة في القانون ومطابقتها لما ينص عليه طبقا لتوافر اركان الجريمة، وتبحث الدولة في تطوير قانون الاتصالات الجديدة لايجاد تشريع خاص وعقوبات خاصة لهذا النوع من جرائم الكومبيوتر.

* ولكن هناك شبكات حكومية مثل شبكة مصلحة الاحوال المدنية أو شبكات الوزارات ومحاولة الاختراق والحصول على معلومات فقط من دون الاضرار هي في حد ذاتها تمثل خطرا كبيرا على سرية المعلومات الموجودة بالشبكة؟

ـ نعم هذا صحيح، لكننا نتخذ اقصى درجات الحماية لمثل هذه الشبكات من خلال ما يسمى «حوائط النار» والشبكات الداخلية، كما ان القانون حرم محاولة الاختراق للشبكات الخاصة بالحكومة الى حد وصل بها الى عقوبة الاشغال الشاقة في حالة اختراق البيانات الخاصة لمصلحة الاحوال المدنية، باعتبار ان القانون ينص على ان صاحب الشهادة هو الوحيد المخول له الاطلاع على البيانات الشخصية لشهادات الميلاد ووثائق الزواج وغيرهما، وجرم اطلاع للغير عليها، وجميع القوانين في الدول الاجنبية تجرم هذا الاطلاع على اساس انه من الخصوصيات المحمية تحت مظلة القانون.

* الملكية الفكرية

* ماذا عن دور الادارة في حماية حقوق الملكية الفكرية، وهل تنظر الادارة حالات الابلاغ ام ان لها دورا في الاشراف والرقابة على المراكز وشركات الكومبيوتر؟

ـ فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، فمصر من الدول التي انضمت لمعاهدة حماية الملكية الفكرية، وتقوم الوزارة بمتابعة عمل شركات الكومبيوتر ومقاهي الانترنت وغيرها، وتهتم بضبط عمليات النسخ للبرامج الاصلية لكننا ايضا نعتمد على البلاغات التي ترد الينا من الشركات التي تواجه سطوا على برامجها، ففي احدى القضايا ابلغت شركة كومبيوتر بوجود برامج منسوخة وغير اصلية في السوق المصري، وتم تتبع هذه النسخ حتى وصلنا للشركة التي تقوم بنسخها، وفي مثل هذه القضايا تتم المصالحات ويتم تقدير المبالغ المالية للشركة صاحبة البرامج الاصلية، أو توقع المحكمة العقوبة وفقا لتقديرها لمدى الضرر الذي وقع واصرار الشركة المتهمة على سرقة ملكية الغير وتكرار هذه السرقة.

* هل تحد مثل هذه الجرائم من معدل جهود الحكومة المصرية في اجراءات تنفيذ الحكومة الالكترونية والاعتماد على التجارة الالكترونية في التعاملات الاقتصادية؟

ـ لا يوجد اي عقبات امام تنفيذ الحكومة الالكترونية في مصر، ووزارة الداخلية من اولى الوزارات التي طبقت هذا الاجراء خاصة في مجال استخراج شهادات الميلاد وتجديد البطاقة الشخصية، أو تحديد جواز السفر أو تجديد تصاريح العمل، وتطبيق هذه الخدمات الجماهيرية من خلال الانترنت على الموقع الخاص بقطاع الاحوال المدنية، كما ان الدولة تقوم بتشكيل لجنة تمثل فيها عدة وزارات لتدعيم التجارة الالكترونية وسن التشريعات الجديدة التي تؤمن التجارة الالكترونية، وتحدد قواعدها وتأمين التوقيع الالكتروني والاعتداد بالوثائق الالكترونية، والتوقيعات الالكترونية لدى الجهات القضائية.

* وماذا عن الجرائم التي تسمى عابرة للقاءات مثل جريمة غسيل الاموال، وهل هناك تعاون عربي في مكافحة مثل هذه الجرائم؟

ـ في جريمة غسيل الاموال عادة ما يتم تبادل الاموال من دولة الى دولة ثانية الى ثالثة الى رابعة حتى يتم تغيير النشاط وغسل الاموال في الدولة الاخيرة، ولم تواجه مصر سوى قضية واحدة تم التنسيق فيها مع مباحث الاموال العامة في مصر، اما بالنسبة للتعاون العربي، فلا توجد ادارات مشابهة في الدول العربية أو الشرق الاوسط، لكننا جميعا نتعاون في الاطار الذي تضعه الامم المتحدة في مكافحة جرائم الكومبيوتر وندرس تحت مظلة الامم المتحدة توسيع مجال التعاون مع جميع الدول، كما ان هناك تنسيقا عربيا على مستوى جيد وفي مجال التوعية في مخاطر استخدام الانترنت، وتوعية النشء بكيفية انتقاء المواقع والتعامل معها، وكيفية حماية الاجهزة من هجوم الفيروسات الالكترونية وعدم الانخداع في المواقع المشبوهة التي تقدم هدايا ومفاجآت، بالاضافة الى ان جميع الشركات العالمية تطور باستمرار نظم التأمين الخاصة بمواقعها وتسعى لتنشيط عمليات التبادل التجاري.

* هناك احصاءات تصدر في مصر عن حجم الجريمة الالكترونية والقرصنة، ففي دراسة لاتحاد منتجي برامج الكومبيوتر ذكرت ان نسبة قرصنة شركات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة على البرامج تصل الى 67% واجمالي الخسائر الصناعية من جراء القرصنة في مجال البرمجيات بلغ 381 مليون دولار فما مدى صحة هذه الاحصاءات؟

ـ انا لا استطيع الجزم بمدى صحة هذه الاحصاءات بل انني اتشكك في مدى صحتها فاستخدامنا للكومبيوتر في مصر مازال يشكل نسبة اقل بكثير من استخدامات الدول الاوروبية والاميركية، كما اننا نأخذ الاجراءات اللازمة لمكافحة جرائم القرصنة وسرقة البرمجيات التي تشكل نسبة ضئيلة في مصر، بل ان نسبة الجرائم الالكترونية مقارنة بالجرائم التقليدية تعد نسبة لا تذكر ولا تشكل ظاهرة على الاطلاق. ومهما تطورت الجريمة الالكترونية في شكلها وتطورت اساليبها سيتم بالقطع تطور آخر في مكافحتها وطرق تأمين الشبكات وسن القوانين والعقوبات لما يتم استحداثه من جرائم الكترونية.