ندوة إقليمية في دمشق للتركيز على المحتوى العربي في عالم الإنترنت

مطالبة بالتمسك باللغة العربية الفصحى وإنشاء بنك معلومات رقمي للمحتوى العربي

TT

اختتمت في العاصمة السورية مؤخرا فعاليات الندوة الإقليمية حول «توظيف تقنيات المعلومات والاتصالات في التعليم» مع التركيز على المحتوى العربي على الإنترنت، التي أقامها المكتب الإقليمي للمنطقة العربية للاتحاد الدولي للاتصالات، بمشاركة خبراء مختصين وممثلين عن بعض المنظمات الدولية والعربية ومن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات واليمن، وعُمان والأردن وفلسطين ومصر والسودان وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وسورية.

وأكد المشتركون في الندوة أهميتها في توظيف تقنيات الاتصالات والمعلومات لتعزيز نوعية التعليم والتعلم، وتقاسم المعرفة والمعلومات ومساهمتها في تسريع وتيرة العمل وتوحيد المعايير وتبادل التجارب والخبرات وبناء شبكة من العلاقات المميزة لتحقيق الغاية المرجوة منها، وأن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في التعليم والتأهيل يسمح بتقديم حلول ملائمة تقوم على تحسين الجودة والتنوع والفعالية. كما أكدوا أهميتها في تطوير مجتمعات المعرفة المتساوية، استناداً إلى التنوع الثقافي، والحصول المتساوي على التعليم وتعميم الحصول على المعلومات، وفي تعزيز الحوار والحث على وضع استراتيجيات وخطط عمل وتنفيذها على أرض الواقع، وضرورة التعاون الوثيق وتبادل التجارب والخبرات لتوفير درجة عالية من المرونة في تلبية الاحتياجات المجتمعية. وفي ختام أعمالها، أوصت الندوة بمجموعة من المقترحات الهامة كشرط أساسي لإبراز فوائد التعليم عن بعد، مطالبة بالعمل على التمسك باللغة العربية الفصحى وتوحيد الجهود العربية في هذا المجال وعقد اجتماع سنوي للتعليم عن بعد وإنشاء بنك معلومات رقمي للمحتوى العربي. وركزت التوصيات على أهمية التعريف بثورة المعلومات وتطويرها بالنسبة للعرب وتعميم أدواتها في المجتمعات العربية وإعادة هيكلة البرامج التعليمية، وإعداد مناهج متطورة قادرة على الدخول في عصر المنافسة وإنشاء جهاز مركزي للمعلومات التربوية في الدول العربية لتوحيد الجهود وتقديم برنامج موحد للمعلومات التربوية يمكن في مرحلة لاحقة من التعاون الثنائي والإقليمي والدولي.

ودعت الندوة إلى الاستفادة من أنشطة وتجارب القطاع الخاص في التقييس والتعريب، مشددة على أهمية تنفيذ مشروع ربط الجامعات العربية والدولية وإنشاء مشروع تعليمي موحد في الدول العربية، ومؤكدة أن التعليم الرقمي أساس للاقتصاد الرقمي وهو توجه عالمي لا يجوز التخلف عنه أو التباطؤ في مواكبته، لافتةً إلى ضرورة احترام خصوصية وثقافة كل مجتمع.

وفي السياق ذاته قدم المهندس السوري رفاعة عكرمة بحثاً حول المحتوى العربي على الإنترنت طرح فيه معالجة موسعة لمشروع ورشة مهندسي المعلومات العرب، منطلقاً من تعريف «المعلوماتي» على أنه يشمل المشتغل في قطاع المعلوماتية تعاملاً وتشغيلاً وتطويراً، وهذا المفهوم يشمل الباحث والمطور والتقني ومدير النظام وقواعد البيانات والمستثمر ومدخل البيانات والموظّف وما إلى ذلك. وأشار الباحث السوري إلى أن لكل شعب ولكل أمة خصوصيتها الثقافية والحضارية وكيانها اللغوي ولهجتها اللسانية الخاصة ومفرداتها وتراكيبها المتميزة، وأنه في عصر ثورة المعلومات غدت الشاشة الزرقاء عبر بوابتها الأشهر(www) وعبر أقراصها المتراصة، أداة عالمية واحدة تفعل بالثقافات فعل الحافظ والناقل والمغني، وكذلك فعل التطوير والتغيير وصولاً للطمس والتشويه أحياناً. وقال عكرمة إن من طبائع البشر الإغراق في التعامل مع ما يهوون والتعامل القاصر والمتعجل مع ما يرونه ثانوياً ولا يحتل مساحة من اهتمامهم وتفكيرهم واختصاصهم، ولذلك نلمس الكثير من أثر هذه الطبيعة على حياة البشر وعلى ثقافة الأمة وحياة شعوبها ومن ذلك ما يراه أهل اللغة والثقافة من استهتار التقنيين بقواعد اللغة ومحددات الثقافة، بل عدم إلمامهم بها وعزوفهم عنها، وصولاً لطرب الكثيرين للغة المعلوماتية السائدة وهي الإنجليزية وتفضيلهم لها حتى في ما بين أهل الثقافة الواحدة واستحداثهم للغة وثقافة هجينة من مثل «العربليزية»، الأمر الذي يحتم على اللغويين والمعلوماتيين والتقنيين العمل المشترك والامتزاج كفريق واحد متساوي الأدوار ومتوازن الأهميات وصولاً لتفريخ منتجات رقمية تخدم الثقافة ولا تمسخها. وأوضح أن لغتنا العربية تعاني من غياب التمثيل بسبب تعدد الكيانات السياسية الناطقة بالعربية، وعدم الاتفاق في كثير من القضايا على اختيار واحد، وكذلك غياب الجهة المرجعية التي تعطي للمستجدات صبغتها العربية الواحدة، حيث تغيب عن الكثير من المنتجات حقيقة التعريب وشمول التمثيل والقبول ووحدة التقبل، لذلك وجب على العرب إيجاد صيغة عمل معلوماتي عربي عابر للحدود وللثقافات الوطنية وللكيانات السياسية متفرغ لوضع المعايير والمقاييس الناظمة للإنتاج الرقمي باللغة العربية وللغة العربية.

وأضاف المهندس عكرمة حول مشروع ورشة مهندسي المعلومات العرب: «هذا المشروع هو في روحه استقاءٌ من ورشة مهندسي الإنترنت العالمية، وتطوير لها لتشمل كل عالم المعلوماتيين من دون الاقتصار على قطاع الإنترنت، ويهدف إلى تقديم جواب اللغة العربية والثقافة العربية على كل تساؤل وتعامل تقني، وتقديم أدوات تقنية تخدم اللغة والثقافة العربية عبر تمازج جهود المعلوماتيين العرب بكل ألوان طيفهم، فالهدف الأساسي هو دعم اللغة العربية عالمياً، والحفاظ على مواكبة التطورات التقنية وتوظيف المستجدات الرقمية لصالح الثقافة العربية، وهي تصل إلى ذلك من خلال توفير ساحة العمل المشترك للتواصل والتباحث عبر الشبكة وعبر اللقاءات الفيزيائية بين كل عناصر الفعل الثقافي، بدءاً من إفساح المجال لاقتراح محاور الأعمال أمام الجميع، وصولاً لتمكينهم من المساهمة في جهود إنجاز تلك الأعمال عبر صيغ عملية وعلمية وإدارية تعطي للعمل مكانته العلمية والإدارية الجديرة. وأشار المهندس عكرمة إلى أنه لا يمكن لمثل هذا العمل الكبير أن ينجح ما لم يتحمس له معلوماتيون من سائر أنحاء الوطن العربي يعملون عشقاً بلغتهم وتكريماً لانتمائهم، وهذا يولد الاحترام والتقدير لمنتجات تلك الورشة ويؤمن لها الدعم والتقبل والتنسيق من الجهات ذات الاختصاص المشابه على صعيدي الوطن العربي كجمعيات الكومبيوتر والإنترنت الوطنية والجامعة العربية والإسكوا، والعالمي من خلال تعامل المنظمات العالمية معها على أنها ممثل للعرب والعربية في قطاعها، وبالتالي التنسيق مع الشركات المنتجة لتبني تلك المنتجات والمعايير والتزامهم بها، مؤكداً أن هذه الورشة هي نواة عمل عربي عابر للحدود يتجاوز المصالح الذاتية وهو تفاعل تقني معلوماتي لغوي يمكن أن يتطور لدعم الإنتاج البرمجي العربي ولتفريخ قاعدة واسعة من المؤهلين العرب ولتشجيع واحتضان المبادرات والابتكارات الفردية العربية. من جهته أشار المهندس عمر بقلة مدير الإنترنت في جامعة دمشق، حول المحتوى العربي، إلى أن مسألة اللغة هي في الإطار مسألة هوية ولذلك وجب تمثيلها بقواعدها وبنيتها وإلا كان العمل هو الكتابة بأحرف عربية لعبارات ذات منطق إنجليزي، وقال إن تعريب عناوين الإنترنت يمثل ضرورة لغوية وحاجة ثقافية ومطلباً قومياً وذلك لأهمية الحفاظ على اللغة والكيان الثقافي ولاستبعاد الحاجز اللغوي أمام الراغبين في الاستفادة من الإنترنت. وأوضح المهندس بقلة أن ورشة مهندسي الإنترنت IETF وضعت الخطوط العامة الناظمة لمسألة العنونة بغير الإنجليزية عبر عدة شروط أهمها: الالتزام بمحارف اللغة الواحدة وعدم المزج بين أكثر من لغتين، وتوفير الحل عبر برمجية تتولى عملية تحويل الاسم، واشتراط عدم تغيير أي من بنى الإنترنت الحالية. وأكد بقلة تمسك منظمة ائتلاف أسماء الإنترنت المتعددة اللغات MINC بضرورة اعتماد معايير اللغات من جهات موثوقة من داخل بلدان تلك اللغات، وبالتباحث بين الأطراف اللغوية والتقنيين في ذلك الصدد، وذلك على مستوى محارف، من دون الخوض في المتطلبات اللغوية الأخرى. وأوصى باستحداث جهة وصائية لبنية هذا الموضوع ذات مهام مماثلة لمنظمة ICANN تتولى تنظيمه ومراقبته وتقتطع جزءاً من عائداته لتمويل العمل التقني العربي في هذا الاتجاه، وتلزم بالتعامل مع هذه العناوين.