لماذا لا نتبرع للمشاريع التقنية العربية؟

وليد الاصفر

TT

لا أدعي أن المبدأ غير موجود على الاطلاق في عالمنا العربي أو لدى أثرياء الأمة، ولكن يندر أن نسمع عنه في عالم التقنية العربي، لدرجة مثيرة للقلق. ولا أطلب أن ينفق الأثرياء، أفرادا ومؤسسات، أموالهم من دون حساب على كل من يطلب منهم ذلك، ولكن هناك العديد من المشاريع عالية المستوى التي أتوقع أن يشعر كل شخص بالفخر بأنه ساهم في يوم من الأيام بدعمها، لأنها تستحق. ولعل من الأمثلة الحاضرة على ذلك موقع «الوراق» الذي أجريت مقابلة مع مشرفه التقني معتصم زكار، ويمكنكم الاطلاع عليها في الصفحة التالية. وما لم أنشره في المقالة ورأيت أن أحدثكم عنه هنا، هو دردشتنا عن حقيقة عدم وجود وعي كاف حول فكرة تقديم التبرعات المادية لمشاريع تقنية، مثل مواقع الإنترنت في عالمنا العربي، في حين أن معتصم لا يكف عن دعوة كل من يتحدث معه حول هذا الموضوع إلى زيارة موقع يهودي هو http://yiddishbookcenter.org، وهو موقع لبيع الكتب يهدف إلى الحفاظ على اللغة اليديشية لأن اليهود يرون ضرورة استمرار الاهتمام بها لارتباطها بتراثهم مع أنهم لا يستخدمونها كثيرا. وتراهم لا يشعرون بأي حرج في أن يضعوا في الصفحة الأولى من موقعهم وبشكل بارز، طلبا بالتبرعات المادية من زوار الموقع، وقائمة بأسماء «أهل الخير» الذين جادوا بآلاف الدولارات والعديد من الكتب لنشرها في الموقع. عندها قلت لمعتصم انها فكرة جيدة ويفعلها الكثيرون، فلماذا لا نستفيد منها نحن ونضعها في المواقع التي تستحق ذلك مثل «الوراق»؟ فدخلنا في حوار طويل حول الثقافة التي تحكمنا، وكيف أننا في مجتمعاتنا العربية نتحرج في الغالب من طلب التبرعات بشكل مفتوح، في حين أن رئيس أقوى دولة في العالم لا يتحرج في أن يقيم حفلة عشاء يقنع فيها كل من يعرف ولا يعرف لحضورها وتقديم ما تجود به أنفسهم لدعمه ودعم حزبه. وتذكرت هنا حادثة طريفة لامرأة احتاجت مبلغا معينا لشراء شيء كمالي لا تتوقف عليه حياتها، فصممت موقعا على الإنترنت دعت فيه الناس لمد يد العون، فاستجاب لها الكثيرون وتبرعوا لها بمبالغ بسيطة لكنها عندما تجمعت مع الوقت فاقت بكثير ما كانت تتوقع الحصول عليه.

اما «الوراق»، ومع أن الدعم الرئيسي الذي يطلبه هو تزويده بالكتب والمؤلفات وليس المال في الحالة الحالية على الاقل، لم يحصل حتى الآن إلا على اليسير من المواطنين العرب، في حين أن معهدا فرنسيا يدعم الأدب والادباء لم يتوان عن توقيع اتفاقية معه لدعمه، بل وأعطاه من الدعم المعنوي ما هو أكثر، عندما أظهر له كيف أنه وغيره من المعاهد والمؤسسات الغربية لا تستغني عن «الوراق» بالذات كلما دعتها الحاجة للتعرف على التراث العربي وفهمه والبحث في كنوزه.

قد يقول البعض ان هناك ما هو أهم من القضايا في عالمنا العربي للتبرع من أجله، وهو الأمر الذي اتفق مع جزء منه وليس كله. فمحاولة تصنيف ما هو أفضل وأقل أفضلية ليس بالأسلوب الصحيح، بل الأصح هو أن يحاول أن يعطي أهل الخير والقدرة لكل من يحتاج فعلا للدعم والتبرع بشكل عام، من دون أن يحرم الآخرين طالما أنهم يستحقون ذلك، من دون أن يغل يده إلى عنقه ولا أن يبسطها كل البسط. والمحافظة على تراثنا ولغتنا الجميلة الغنية الحية هو حفاظ على مستقبلنا قبل ماضينا، فنحن لسنا بأقل من الآخرين كبشر، وليست لغتنا وإرثنا بأقل من لغاتهم وإرثهم على الإطلاق.