التجارة الإلكترونية في العالم العربي .. واقع سيبقى أم موجة ستنتهي؟

الشيخة لبنى القاسمي الرئيس التنفيذي لـ«تجاري»: ستصبح التجارة الإلكترونية ضرورة اقتصادية وأسلوب حياة في بيئة التجارة والأعمال العالمية والعربية

TT

لا يخفى على أحد اليوم أن العالم يمر بظروف اقتصادية صعبة للغاية، يصبح معها تحقيق الربحية والبقاء في السوق للشركات والمؤسسات أمرا بعيد المنال. ولا ينطبق هذا على المؤسسات الخاصة وحسب، بل حتى الحكومات هي الأخرى باتت تعاني من نقص في الميزانيات، وأمست بحاجة ماسة للتوفير بالتكاليف التشغيلية وتحقيق مستويات أكبر من الكفاءة والإنتاجية. من هنا جاءت التجارة الإلكترونية، وعلى وجه التحديد نمط إجراء التبادلات التجارية والمالية والمشتريات بشكل إلكتروني عبر الإنترنت بين المؤسسات والشركات، حلا لا بأس به في الواقع للتوفير في الكلفة التشغيلية من جهة، ولزيادة الكفاءة ورفع المقدرة التنافسية من جهة أخرى. وتشير أحدث الدراسات العالمية التي أجرتها كل من مؤسسة "غارتنر" للأبحاث، ومؤسسة NACHA التابعة لجمعية المدفعوات الإلكترونية العالمية، إلى أن حجم المدفوعات التي تم إجراؤها بين الشركات عبر بيئة التخليص المؤتمتة ACH في العام 2002، قد زاد على 18,4 مليار دولار، الأمر الذي يعني أن حجم الحوالات المالية الإلكترونية بصيغة EDI (تبادل البيانات إلكترونيا)، قد تضاعف في العالم لأكثر من أربع مرات منذ العام 1997، وهو في تزايد. واليوم، تشير ذات الدراسة إلى أن أكثر من 63 في المائة من الشركات العالمية تتعاطى مع عمليات الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت فيما بينها، على أن 6 في المائة فقط من هذه الشركات بدأت عملية الدفع بشكل مؤتمت تماما عبر الويب. ومع أن هذه النسبة ما زالت ضئيلة، إلا أن الدراسة تشير إلى أن التعاملات المالية بين الشركات ستتحول بغالبيتها إلى الإنترنت بحلول العام 2006.

* ومع كثرة الحديث عن التجارة الإلكترونية وشتى تطبيقاتها في العالم الغربي والعربي على السواء، لا بد من أن نسأل: هل يوجد في العالم العربي بوادر تجارة إلكترونية؟، وإن كان ذلك بشكل محدود ومتواضع؟ هل وصل استخدام العرب للتتقنية مرحلة من النضج نقول عندها أن التجارة الإلكترونية موجودة حقا في العالم العربي؟ وما هي طبيعة الصناعة التي تقف وراء التجارة الإلكترونية؟ هل هي التقنية؟ أم هي الخدمات؟ وكيف نحدد هذا القطاع الحديث نسبيا وفقا لمعطيات بيئة العمل العربية؟. للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها حول التجارة الإلكترونية، وأحدث ما وصلت إليه في العالم العربي، انفردت «الشرق الأوسط» بلقاء الشيخة لبنى القاسمي، الرئيس التنفيذي لـ«تجاري» (www.tejari.com)، التي تشير الأرقام والإحصائيات الأخيرة إلى أن حجم الأموال العائدة للصفقات التي تمت إلكترونيا فيها منذ تأسيسها قبل ثلاثة أعوام حتى الآن يفوق 550 مليون دولار. ويذكر أن شركة «تجاري دوت كوم» كانت قد تأسست في دبي في 20 يونيو (حزيران) 2000 , لتكون أول سوق للتجارة الإلكترونية بين الشركات في منطقة الشرق الأوسط، تهدف إلى توفير البنية الأساسية التي يستطيع من خلالها أصحاب الشركات عرض بضائعهم ومنتجاتهم للشركات والمؤسسات في منطقة الشرق الأوسط، وبقية دول العالم من خلال شبكة الإنترنت.

* شيخة لبنى، هل هناك تجارة إلكترونية في العالم العربي؟ ـ نعم، وهي آخذة بالنمو بشكل قوي وسريع جدا. لست أبالغ إذ قلت لك أننا في «تجاري» نشعر بحماس شديد إثرا للتزايد شبه اليومي لعدد الشركات التي تطلب الانضمام إلى السوق والمباشرة بعمليات الاتجار الإلكتروني فيها. على أنني شخصيا غير متفاجئة من هذا الإقبال المتزايد إطلاقا، بل أراه تطورا حتميا لا مفر منه. والسبب في ذلك يعود لأمرين: الأول يعود إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تتحدى المنطقة والعالم على السواء، والآخر يعود على مصداقية ومشروعية ما نقدمه في «تجاري». الكل يعلم أن المؤسسات في عالمنا اليوم تواجه الكثير من الضغوط لتحقيق الربحية، بل ولتحقيق القدرة على البقاء والاستمرار في عالم مفتوح مترامي الأطراف تسوده منافسة حامية الوطيس. من هنا، تأتي عوامل مثل السرعة، والتوفير في النفقات التشغيلية، والشفافية لتلعب دورا حاسما في إقبال مؤسسة اليوم على التجارة الإلكترونية، لا لأنها ترفا شكليا، بل لأنها ضرورة اقتصادية حتمية لا بد من توافرها. أما العامل الآخر، فيكمن في نموذج العمل الذي تبنيناه في «تجاري»، الذي مكننا من تحقيق النجاح والعودة بالفائدة على ما يزيد من 1700 شركة تمارس نشاطاتها التجارية والشرائية إلكترونيا عبر «تجاري» اليوم. نحن في «تجاري» نقدم نموذج عمل هجين، يجمع بين أساليب التجارة والتبادلات التجارية المتعارف عليها من جهة، وبين أحدث ما توصل له الإنسان في صناعة تقنيات المتاجرة الإلكترونية عبر الإنترنت من جهة أخرى. لكن، هنالك نقطة محورية، تكمن في أننا لا نعتبر التقنية أولوية في عملنا على الإطلاق، هي عنصر هام وحيوي، لكنه جزء مكمل لعمل أكبر يقوم على توفير أرقى مستوى من الخدمة لعملائنا، سواء كانوا من البائعين أم من الموردين.

* ما هي المتطلبات الواجب توفرها في العالم العربي ليتسنى للتجارة الإلكترونية أن تنجح فيه؟

ـ في الوقت الذي تشير فيه أحدث الدراسات العالمية إلى أن الحجم المتوقع للتجارة الإلكترونية في العالم سيزيد على 7 آلاف مليار دولار في العام 2004، ما زال الحجم الإجمالي للتعاملات التجارية الإلكترونية للدول العربية بمجمعها لا يزيد على 2 في المائة. على أن هنالك العديد من العقبات التي تعترض مسيرة تطور التجارة الإلكترونية في العالم العربي، منها انعدام الحماية والتأمين المطلوبين للتعاملات التجارية التي تتم عبر الإنترنت، وغياب الأنظمة والقوانين التشريعية التي تكفل مشروعية النشاطات التجارية الإلكترونية على الإنترنت في العالم العربي، وعدم وجود إقبال كافٍ من العملاء على استخدام الإنترنت للقيام بعملياتهم ونشاطاتهم التجارية، بالرغم من أن هذا الأخير يشهد تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة.

* ما هي الحلول من وجهة نظرك إذا؟ ـ على رأس أساليب التصدي لهذه العقبات، يأتي الإصلاح الحكومي في الدول العربية، إذ ينبغي العمل على تحقيق المزيد من الشفافية والقضاء على البيروقراطية وتبسيط المعاملات التجارية، وتقديم الخدمات بشكل أسهل للمستفيدين منها. الأمر الذي يؤكد ضرورة وحتمية تبني الدول العربية لمفهوم الحكومة الإلكترونية. وأحب أن أشدد على أن الحكومة الإلكترونية ليست مجرد تقليعة وحسب، بل هي توجه والتزام استراتيجي من قبل الدولة للنهوض بدورها في إحداث التغيير، والعمل على دفع القطاعين العام والخاص على السواء للإقبال على استخدامات الإنترنت والحصول على الفوائد الكبيرة التي يوفرها هذا الاستخدام. ولتتمكن الدول العربية من تسخير التقنيات الحديثة في تعزيز التبادل التجاري المشترك فيما بينها، فإن على القطاع الحكومي في الدول العربية أن يشجع القطاع الخاص على استخدامات التقنية الحديثة، عبر تبنيه لمبادرات الحكومة الإلكترونية وتقديم خدماته المختلفة عبر هذه القناة. من جانب آخر، على الحكومات العربية أن تتبنى رؤية واضحة حول أهمية الإنترنت ودورها في الاقتصاد، من خلال تشريع القوانين الكفيلة بدعم التعاملات التجارية الإلكترونية من جهة، والاستثمار في توفير البنية التحتية المطلوبة، للارتقاء بالتجارة الإلكترونية تقنيا من جهة أخرى. ومع أننا ما زلنا في المراحل الأولى من التبني الكامل والشامل لتطبيقات التجارة الإلكترونية في العالم العربي، إلا أنني أرى أن هنالك الكثير من الدلالات المبشرة بمستقبل واعد في هذا الميدان، سيما مع إطلاق الكثير من الدول العربية للعديد من المبادرات الرائدة في تقنية المعلومات، كما في دول الخليج العربي، وجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وسوريا، ولبنان.

* ما هو مستقبل التجارة الإلكترونية في العالم وكيف ترين الحال في العالم العربي؟

ـ ستصبح التجارة الإلكترونية نمطا عاديا من أنماط التعامل التجاري، وستصبح هي المعيار. كما هو الحال اليوم مع البريد الإلكتروني، الذي أصبح اسلوب حياة وضرورة لا غنى عنها في بيئة العمل، ستصبح التجارة الإلكترونية ضرورة اقتصادية وأسلوب حياة في بيئة التجارة والأعمال العالمية والعربية. فعلى سبيل المثال، أصدر الاتحاد الأوربي قرارا بموجبه ينبغي أن تتم نسبة ما يزيد على 25 في المائة من التبادلات التجارية إلكترونيا عبر الإنترنت بحلول العام 2005. الجميل هنا، أن بعض الحكومات العربية، وفي العام 2002، تمكنت من القيام بما يزيد على 80 في المائة من عملياتها التجارية إلكترونيا عبر الإنترنت. المستقبل يبشر بخير للتجارة الإلكترونية في العالم العربي.