ستيريوتايب صناعة محلية

وليد الاصفر

TT

لم تصدقني مسؤولة العلاقات العامة في واحدة من كبرى شركات تقنية المعلومات الدولية عندما أخبرتها انه ليست جميع الدول العربية غنية، وأن هناك دولاً عربية يسقط فيها الثلج في الشتاء لدرجة تتعطل معها الأعمال، وأن في السعودية مناطق جبلية وشلالات مياه تجتذب السياح. أجابتني والدهشة ترتسم على وجهها «صحيح؟ لم أكن أعرف ذلك من قبل». ثم وبعد أن تغير موضوع الحوار، الذي كان أثناء لقاء ضم مجموعة من الصحافيين كنت العربي الوحيد بينهم، عادت بعد فترة لتسألني «وكيف الجمال والإبل عندكم؟ أظن أن بلادكم مليئة بها». ولولا ملامح وجهها الألماني الجادة وحساسية منصبها الوظيفي لظننت أنها كانت تسخر مني، فشرحت لها أن كثيرا من الأطفال العرب يحتاجون إما أن يأخذهم أهلهم إلى حدائق الحيوان، أو في رحلات بعيدا عن المدن ليشاهدوا الإبل. ولأقرب لها الفكرة أكثر قلت لها أن بلادكم معروفة بأبقارها الكثيرة، فهل أفهم من ذلك أن لديك في ساحة منزلك بقرة تحلبينها كل يوم لتشربي حليب الصباح قبل أن تذهبي إلى عملك؟ قالت لا، فقلت لها هذه بتلك. وذكرتها أنه وكما في قرى أوروبا هناك من يعتمد على البقر والحمير حتى الآن، هناك من يعتمد عليها في قرانا، وعلى الجمال في بوادينا.

عدت إلى نفسي وتأملت في هذا الحوار، وتساءلت لماذا يتكرر أو يحدث ما شابهه، في كل مرة ألتقي بها أنا وغيري من الصحافيين العرب بأشخاص من العالم «الخارجي»؟. لماذا تسيطر عليهم أفكارهم المسبقة التي يحصلون عليها من الأفلام السينمائية أو حتى أفلام الكرتون ليحكموا فيها على الآخرين، من خلال صورة نمطية ثابتة أو «ستيريوتايب» كما يسمونها بالإنجليزية؟ والغريب أنهم يقترفون ذلك وهم يرون كيف أن الصحافيين العرب لا يقلون معرفة أو تجهيزا عنهم، بل وكثيرا ما نتفوق عليهم بنقاشاتنا ومداخلاتنا في المؤتمرات، في الوقت الذي يكون فيه معظمهم صامتين، لا يقومون إلا بنسخ ما يسمعون كالآلات. ثم كيف يمكن لمسؤول علاقات عامة، يتعامل بحكم عمله مع أشخاص من بلاد مختلفة، أن يغفل في عصر الإنترنت محاولة التعرف على ثقافات الآخرين. عدت إلى نفسي، للمرة الثانية، وقلت لها ولماذا نلومهم؟ هل هم مضطرون في كل مرة يشاهدون فيها فيلما أو يقرأوا فيها مقالة تنال منا، أن يعودوا إلى مراجع أخرى ليتأكدوا إن كنا مظلومين أم لا؟ وأن يتذكروا أن في مجتمعاتهم من يتفوق على مجرمينا ومتخلفينا إجراما وتخلفا؟ أليس لديهم ما يكفيهم من الاهتمامات الدنيوية ليهتموا بما يهم الآخرين؟ وإذا لم يكن لديهم ما يردعهم عن الظلم وما يجعلهم يفكرون بالمنطق والعقل، فهل نحن الذين سنغير ذلك؟ وإن كان ذلك واجبنا فعلا فكيف السبيل إليه، وبخاصة أن جميعنا ينفي أي مسؤولية عن تعليق الجرس. أنا عن نفسي وكما أرى من زملائي، نقوم بالتصرف أمام «الغرباء» بشكل طبيعي كما نحن، مؤدبين أخلاقيين علميين، ونسافر إلى ألمانيا بالطائرات بدلا من الجمال.

أظن أنكم تتساءلون الآن عن السر وراء بثي مشاعري أعلاه لكم. السر يا أيها الأعزاء أن تقنيينا العرب يعانون من «ستيريوتايب» أشد مضاضة من وقع الحسام المهند، لأنه يأتي من قبل ذوي القربى. فقد التقيت منذ أيام بأحد المبرمجين العرب المبدعين، يعيش في الغرب منذ سنين، ويعمل تحت غطاء شركة أعطاها اسما أجنبياً، لأنه كما يقول لا يستطيع أن يبيع ما ينتج في العالم العربي لو عرف الناس هناك أنه «عربي»، مع أن قائمة الشركات والهيئات والمؤسسات غير العربية التي تشتري منتجاته طويلة، الأمر الذي يعني أنه يسد حاجة لم يستطع غيره أن يسدها. تذكرت هنا ذلك الشاب الذي كتبت عنه سابقا في مقالتي «أعطني ربع كيلو برامج لوسمحت»، الذي وضع برنامجا ذكيا مبدعا لم يستطع أن يقبض مقابله ثمنا مناسبا، لأنه ليس بأشقر ملون العينين كالح البياض، مما دعا زبونه يتجرأ عليه ويقدر بأن ما سيدفعه له من مبلغ، يجب أن لا يزيد عن حجم ملف البرنامج مقدرا بالكيلوبايتات، أي 24 دينارا مقابل 24 كيلوبايت.