الدعم التقني على طريقة عمرو خالد

وليد الاصفر

TT

هناك أنواع مختلفة من متخصصي الدعم التقني الذين يتفاوتون في معرفتهم وفي أساليب التعامل مع المحتاجين للدعم، سواء كانوا بشرا أو كومبيوترات. وأقصد بهؤلاء المتخصصين من توظفهم الشركات، أو تستعين بهم من خارجها، لحل المشاكل التقنية التي تواجهها عند استخدامها الكومبيوتر وبرمجياته وشبكاته.

فمن ناحية المعرفة يتراوح هؤلاء التقنيون بين من لديه معرفة قائمة على خبرة عملية وتعليمية طويلة، وبين شاب صغير السن توظف حديثا في شركة تتشكل من خمسة أفراد، شاءت الأقدار أن يكون هو أكثرهم تمرسا في ألعاب الكومببوتر والتجول بين مواقع الإنترنت. في الوقت الذي يستخدم فيه بقية زملائه الأكبر سنا الكومبيوتر على مضض لأنهم مضطرون لذلك، مما يجعل كل حركة يقوم بها أمامهم تجعله يبدو وكأنه المرجع الأعظم في علم الكومبيوتر.

أما من ناحية الأسلوب فحدث ولا حرج، فمنهم من يأتي لحل مشكلة «المصاب»، ولا يتركه إلا وقد زاده معرفة وثقة بنفس وبالتقنية، ولا يحمله في الوقت نفسه مسؤولية الخطأ، مع أنه هو الذي تسبب به في الغالب. ومنهم ما يمكن وصفه بكل راحة بأنه «مصيبة».

وكمثال، تخيل معي تلك السكرتيرة التي ابتليت بالإضافة إلى كرهها لاستخدام الكومبيوتر بموظف دعم تقني من النوعية التي تسبب الغصة في الحلق، وأظن أنكم عرفتم ماذا أقصد. فترى المسكينة إذا حصلت في جهازها مشكلة ما، يصفر وجهها ويجف ريقها، لأنها من ناحية تخشى أن تكون قد دمرت الكومبيوتر ومحتوياته، ومن ناحية أخرى لا تريد أن تضطر إلى طلب معونة ذلك الموظف. ثم وبعد موازنة دقيقة لحسابات الربح والخسارة، تفضل الاتصال بذلك الموظف، الذي يتركها تغلي على مقعدها لنصف ساعة على الأقل، قبل أن يأتيها متهاديا في مشيته، وبدون أن ينظر إليها أو يحييها، يلقي نظرة على الكومبيوتر ويدرك بساطة مشكلته، ليبدأ بسخريته الجارحة المعهودة بانتقاد جهلها، ثم يصمت صمتا ثقيلا لا يقطعه إلا «أعطيني الماوس» ثم لا تسمع بعدها إلا «كليك كليك، كليك كليك» ثم مجموعة من أصوات «تك» على لوحة المفاتيح ثم آخر كليكتين مزدوجتين على الماوس قبل أن يزيحه جانبا باحتقار، يترك بعدها مكتب المسكينة من دون أي كلمة أخرى. لتبدأ بعدها بخطوات التعافي المعتادة، فتضع يدها على بطنها لتسند معدتها الموجوعة، ثم تنفجر بنوبة بكاء صامتة موشحة بشهقات مكتومة، ثم تلحقها بوصلة أخرى في دورة المياه تسمح لنفسها فيها ببكاء ذي صوت، وأخيرا تتصل بوالدتها لربع ساعة تبث لها حزنها وألمها، بعد أن توصيها بأن تدعو عليه بمجموعة من الدعوات التي تحفظها عادة لمثل هذه النوعية من الأزمات. ثم تعود بعد ذلك إلى عملها بشكل طبيعي. ويتساءلون بعد ذلك كله عن السر في ضعف الانتاجية في المؤسسات. وبالمناسبة فإن هذا القصة ليست خيالية (بالكامل)، وتحدث بشكل ربما يومي في كافة دول العالم، التي يستخدم فيها الكومبيوتر بالطبع.

إذا ما الحل؟ لدي اقتراح قد يبدو للوهلة الأول غريبا، ولن يعجب البعض، لأسباب لا مجال لسردها هنا، ولكن واعتمادا على تجربتي التقنية وقناعاتي العلمية سأقوله وأترك لكم العمل به أو تركه. وما أقترحه ونحن نتمتع بأيام هذا الشهر الفضيل، هو أن يوجه الآباء أبناءهم، وبخاصة من بدأ منهم بمرحلة المراهقة لحضور ما لا يقل عن خمس حلقات من تلك التي يقدمها الأستاذ عمرو خالد في الفترة المسائية. ما علاقة هذا بموضوعنا؟ سأقول لكم. وجدت من خبرتي أن معظم المشاكل التقنية التي يواجهها مستخدمو الكومبيوتر هي في الواقع بسيطة، لدرجة أن باستطاعتهم حلها بأنفسهم من دون الاستعانة بأحد، ولكنهم لا يقومون بذلك لأنهم إما يخافون من أن يزيدوا الطين بلة، أو لأنهم لا يسعون إلى تحليل المشكلة بشكل مبسط بأنفسهم للوصول إلى سببها. ومن ناحية أخرى هناك مشكلة تربوية تتعلق بتلك النوعية من البشر الذين يغترون بكمية المعلومات التي قد تزيد عن تلك التي لدى سواهم، فيتكبرون عليهم ويعطون لأنفسهم الحق باهانتهم، فتكتشف أن الأهل لا يحاولون توجيه أبنائهم إلى خطأ ذلك منذ نعومة أظفارهم، فيقعوا فيه عندما يكبرون. في المقابل لاحظت من مراقبتي لأسلوب عمرو خالد غير المنفر، والفئة العمرية لمن يحبون الاستماع إليه، تميزه باسلوب تحليلي منطقي يستطيع معه استخراج الزبدة من معلومات متوفرة أصلا، ثم إعادة تقديمها بشكل بالغ البساطة والسهولة تبدو وكأنها تسمع لأول مرة. أضف إلى ذلك أن الابتسام المستمر أثناء التخاطب مع الناس يساعد في تسريع إزالة أي حواجز تقف أمام التواصل معهم، مما يساهم في إيصال الفكرة بشكل أسرع. أقول أن هذا كله جعلني استنتج أن حضور مثل هذه الدروس هو أشبه ما يكون بدورة تدريبية على فن إدارة الأعصاب وتهدئتها وتوجيهها إلى ما يفيد في جميع المجالات.

جربوا وأخبروني عن النتيجة.