مؤسس أول شركة عربية للبرمجيات المفتوحة المصدر: المستقبل لنظام لينكس

كفاح عيسى: البرمجيات الحرة تفتح آفاقاً وتحديات جديدة من الإبداع أمام المطورين لأنها بلا حدود

TT

لا أظن أن هناك أحداً يهتم بقراءة أخبار تقنية المعلومات إلا وسمع عن نظام التشغيل «لينكس» أو Linux بالإنجليزية، وأكيد أنه سمع في الوقت نفسه كلمتين تقترنان به باستمرار هما «مفتوح» و«مجاني». وعدا عن ذلك فهذا النظام هو أشبه بالمجهول لدى الكثيرين. فمعظم مستخدمي الكومبيوتر معتادون على نظام ويندوز، وبعضهم يستخدم ماكنتوش، أما الأكثر تخصصا فقد يستخدمون يونكس. وبما أن لينكس اشتق من يونكس، فقد بدا كأنه للخاصة، أو ربما خاصة الخاصة، وهو أمر ليس بمستغرب، لأن هذا النظام لم ينتشر بين الجمهور بشكل عام على الرغم من أنه وبعكس غيره، لا يتطلب أجهزة قوية من ناحية المواصفات، وذلك لأنه ببساطة لم يكن يتمتع بتطبيقات مناسبة تغني المستخدمين عن الأنظمة الأخرى، هذا عدا عن أن الدعم للغة العربية ما زال في بداياته. وحتى على مستوى الأعمال في منطقتنا، فقد بدا الأمر وكأنه مقتصر على المؤسسات ذات الحجم الكبير دون الصغير، وذلك بسبب الدعم الاستراتيجي الذي قدمته شركات الكومبيوتر الكبرى لاستخدام نظام لينكس في حلولها المقدمة لها، حتى على المستوى الحكومي، نظرا لعامل التوفير في السعر على أساس التصور المنتشر بين معظم الناس من أن لينكس هو نظام مجاني. إلا أن هذه الصورة في طريقها للتغير في منطقتنا، وذلك بفضل مجموعات مختلفة من الشباب العرب المبدعين الذين آمنوا بالفكرة الأساسية وراء نظام «لينكس» وهو أنه نظام مفتوح لا يملكه أحد، بل أنه مجاني. والمتأمل في هذه الكلمات الثلاث لا يستطيع إلا أن يتساءل كيف يمكن لأحد ما في الشرق الأوسط أن يؤسس أعمالا قائمة على نظام لا يستطيع امتلاكه ولا بيعه أو بيع تطبيقاته؟ ويأتي الجواب عن هذه الأسئلة بشكل عملي صارخ لا لبس فيه، من خلال شركة عربية أردنية شابة تفهم مؤسسوها تماما مبادئ الأنظمة المفتوحة، وبدءوا اعتمادا عليها بمشروع قصة نجاح عربية طموحة، ستكشف السنوات القليلة المقبلة عن أبعادها، واسم هذه الشركة هو «فري سوفت» أو freesoft بالإنجليزية. وقبل أن يتسرع أحد ويترجم هذا الاسم على أساس أنها تعني البرمجيات المجانية، أضاف مؤسسو هذه الشركة لاسمها عبارة بسيطة عميقة المعني هيfree as in freedom لتوضح الأمر وتفي بأن المعنى مشتق من الحرية. ولهذا كان اسمها بالعربية هو «مؤسسة البرمجيات الحرة». وهو اسم يحمل معاني عميقة هامة تجسدها كلمة الحرية التي يريد محبو لينكس أن يربطوه كنظام بها، وليس بالمجانية التي ترتبط في مخيلة العامة بأنها دون المستوى لأن لا ثمن لها.

«الشرق الأوسط» حاورت أحد مؤسسي هذه الشركة، وهو المهندس كفاح عيسى، الذي بدا وهو يتحدث عن «لينكس» بحماس وإيمان، وكأنه يبشر بفكر جديد، خاصة أنه لخص أفكاره في كتيب قيم باللغة العربية أصدره أخيرا ويوزعه مجانا (بالطبع) على الجميع، من خلال موقع «البرمجيات الحرة» على الانترنت (http://people.freesoft.jo/kefah/freesoftware_whitepaper_arabi.(c.pdf

* وقبل أن نتعرف على قصته، سألناه أولا: هل لك أن توضح لنا معالم هذا النظام مقارنة مع غيره؟

ـ أهم ما يميز البرمجيات الحرة، التي يمثل نظام التشغيل لينكس درة التاج فيها، هو أنها متاحة للجميع استخدامها وتوزيعها والحصول على أصول برمجياتها (النص أو الشيفرة المصدرية) أي Source Code من دون الحاجة لدفع أية رسوم لترخيص الاستخدام. وبسبب هذه الحرية يساهم في تطويرها وتحسينها باستمرار عشرات الآلاف من المطورين المحترفين، تحت إشراف آلاف آخرين من ضابطي الجودة والموثقين، عدا عن ملايين المستخدمين حول العالم. ثم ولأنها اشتقت من نظام يونكس فهي تتمتع بأمان واستقرار عاليين، لا ينافسها عليهما أي نظام آخر. وفي المقابل فإن الأنظمة الأخرى المغلقة، أو هي في الواقع محتكرة، فيجب أن يدفع مستخدمها رسوما للحصول عليها وعلى كل نسخة إضافية منها، كما أن تحسينها وتطويرها بطيئان بسبب أن ذلك مقصور على مجموعة محددة من المطورين، الذين يستطيعون الوصول إلى أصول برمجياتها. ولهذا فإن البرمجيات الحرة تتمتع بفلسفة أخلاقية عالية، هدفها تعميم الفائدة ودحر الاحتكار.

وباختصار هناك أربعة حقوق رئيسية تمنحها الأنظمة المفتوحة، أولا يمكن استخدامها بأي طريقة، وثانيا حق التوزيع على أي أحد من دون مقابل، وثالثا حق الحصول على نصوصها المصدرية، ثم رابعا حق التعديل على البرنامج وإعادة توزيعه من جديد بشرط إعطاء حقوق التعديل مرة أخرى عليه للجميع.

* ولكن لماذا لا نرى مع ذلك انتشارا واسعا للينكس كما هو الحال مع ويندوز؟

ـ على العكس فالانتشار النسبي للينكس كبير. فعلى الرغم من أن فكرته لم تنطلق إلا منذ عشر سنوات فقط مقارنة مع ويندوز التي لها ثلاثة أضعاف العمر، إلا أن 29 في المائة من الأجهزة الخادمة في العالم تعمل عليه، وكذلك الحال بالنسبة لأربعة في المائة من الأجهزة المكتبية. كما يوجد حاليا ما يزيد عن 70 ألف برنامج وتطبيق في العالم تعمل على لينكس. كما أثبتت الدراسات التي قامت بها مؤسسات أبحاث السوق مثل IDC، وغيرها أن لينكس ينمو بسرعة عالية جدا مقارنة مع غيره.

كما أن هناك أبعادا عديدة تجعل الناس ينجذبون أكثر إلى لينكس والبرمجيات المفتوحة، فهي من ناحية تفتح آفاقاً وتحديات جديدة من الإبداع أمام المطورين لأنها لا تضع حدودا أمامهم، كما أنها تزيد من معدل التعلم والفهم للبرمجة، وتزيد من عدد القادرين على تقديم الدعم التقني وحل مشاكل البرامج بشكل سريع. أما من الناحية الاقتصادية فلن يشكل ضعف الإمكانات المادية لدى الناس، وخاصة في الدول الفقيرة أي حاجز بعد الآن أمام الحصول على برمجيات جديدة، وهو الأمر الذي سينفي أي سبب لاستمرار قرصنة البرمجيات وسرقتها، بل أن هناك فوائد سياسية من استخدام الأنظمة المفتوحة أو الحرة، ولعل هذا ما يبرر اتخاذ 20 دولة من العالم، من بينها دول كبرى كألمانيا، قرارا يشترط على الجهات التي ستبيع لها أنظمة برمجية أن تكون ذات مصدر مفتوح، فعدا عن التوفير في السعر، وتشجيع التطوير المحلي وعدم الاضطرار إلى الاعتماد على مصادر أجنبية، تضمن الدول خلو أنظمتها البرمجية من ثغرات أمنية مقصودة أو غير مقصودة قد تمكن شركات منافسة أو دول معادية من الحصول على معلومات سرية بواسطتها..

وعلى ذكر الاختراقات الأمنية، يكفي الإشارة إلى أنه، وفي حين أن نظام الخادم «أباتشي» الذي يعتمد عليه 60 في المائة من شبكة الإنترنت لم يتعرض في السنوات الأخيرة سوى إلى حفنة من الإصابات واحدة فقط منها خطيرة، تعرضت الأجزاء من الشبكة والتي تعتمد على نظام IIS من مايكروسوفت لأضعاف أضعاف هذا العدد من الإصابات، الكثير منها خطير، وذلك لأن هناك عشرات الآلاف من الناس حول العالم الذين لديهم القدرة على تحسين أباتشي وتدعيمه على مدار الساعة وبسرعة عالية.

* ولكن كيف يحصل هؤلاء المطورون على قوت يومهم طالما أنهم يدعمون شيئا مجانيا؟

ـ تتنوع أنماط ودوافع المساهمة في البرمجيات الحرة. النسبة الأكبر من المساهمين هم محترفون يعملون في أوقات فراغهم وذلك لمتعة التحدي التقني أو توفير بديل عن البرمجيات المحتكرة أو الشهرة. ويقوم العديد من المؤسسات والشركات برعاية البرمجية الحرة ودفع أجر لمن يعمل عليها مقابل الفائدة التي تجنيها تلك المؤسسات. ويوازي هذه المساهمات، الاهتمام الكبير من الشركات الكبرى، مثل «آي بي أم» و«أوراكل» و«هيولت باكرد» وغيرها بدعم لينكس وتطوير تطبيقات الأنظمة المفتوحة عليه، فتح أمام مطوري البرمجيات الحرة فرص عمل مغرية أصبحت تزداد باستمرار.

* إذا ما هي قصتك وقصة «مؤسسة البرمجيات الحرة»؟

- تخرجت كمهندس كهربائي، وبدأت عملي في إحدى الشركات العالمية وكان من ضمن ما قمت به في هذه الشركة العمل مع مايكروسوفت (وهي بالمناسبة أشد معارضي الأنظمة المفتوحة)، حيث قمت بقيادة فريق طور أحد أجزاء ويندوز 2003 الخادم، وتعلمت في تلك الفترة معنى الاهتمام بضرورة الحفاظ على مستوى عال من النوعية والجودة، وقد اطلعت قبل نحو خمس سنوات من الآن على نظام لينكس وبدأت بالتعرف على مزاياه وفوائده. ثم ولكوني مبرمجا متمكنا بدأت أتعرف على طرق البرمجة فيه، وبدأت تشدني فكرة أنه نظام مفتوح أستطيع أن أرى كل تفاصيله الداخلية بنفسي، فقررت أن لا أدعه حتى أسبر جميع أغواره، خاصة أنني واجهت في الوقت نفسه مشاكل عديدة بسبب تأخر حصولي على حل لمشاكل عديدة في برمجيات مايكروسوفت المغلقة، مع أن خبرتي البرمجية تجعلني متأكدا من أنني كنت أستطيع حل هذه المشاكل لوحدي لو كانت مفتوحة. ومع استمراري في العمل على نظام لينكس ازداد فهمي له وتعرفت على مزاياه العديدة، ثم بدأت أطور برمجيات له بنفسي، وشرعت في مراسلة مجتمع المصادر المفتوحة في جميع أنحاء العالم، لتبادل الآراء والأفكار فيما بيننا، إلى أن قررت في النهاية أن أفتح «مؤسسة البرمجيات الحرةwww.freesoft.jo) ) في الأردن، وكان ذلك في شهر فبراير (شباط) الماضي. وبدأت الشركة عملها في التركيز على الاستشارات بشكل خاص، ثم انتقلنا إلى برمجة وتطوير الحلول.

* ولكن هل هناك معرفة كافية بالأنظمة المفتوحة في العالم العربي بحيث يأتي إليك الزبائن طالبين منك نظاما يعمل على لينكس؟

ـ لا يأتي الناس، أو معظمهم، حاليا للسؤال عن لينكس بالذات، فهم بشكل عام يبحثون عن حلول أتمتة مناسبة من ناحية السعر والكفاءة، بغض النظر عن النظام الذي تعمل عليه هذه الحلول. وأنا أقول لهم أن عندي حلولا، وبخاصة أنها تدعم اللغة العربية، وأقدم لهم نماذج من زبائني ومن زبائن آخرين على مستوى العالم اعتمدوا على حلول الأنظمة المفتوحة. وسيلاحظون أن الحلول التي سيحصلون عليها لن تكلفهم سوى جزء من الثمن الذي قد يدفعوه لحلول مشابهة تعمل من خلال أنظمة أخرى، عدا عن أنها أكثر أمانا من الاختراقات والفايروسات.

* وماذا عن الدعم والتدريب؟

ـ بالإضافة إلى البرمجة وتقديم الاستشارات، نوفر كذلك الدعم الفني، والتكييف والتطوير المستمرين، والتدريب المتخصص على نظام لينكس. وعلى كل حال فلدى شركتنا ما يقدر بخمس وعشرين سنة من الخبرات المتراكمة. ولهذا كان باستطاعتنا تقديم منتجات جديدة لم يفكر أحد بها من قبل. وقد عمل أفراد طاقمنا على انجاز العديد من المشاريع البرمجية ضمن كبريات الشركات العالمية، ويملك الفريق إجازات متقدمة في البرمجيات ونظام لينكس. وقد بنت المؤسسة بذلك خبرة كبيرة، وهو ما يمثل رأس المال الحقيقي لها، فغدت قادرة على حل أكثر المشكلات تعقيدا، بما فيه الدخول الى النصوص المصدرية لهذه البرمجيات ونواة نظام التشغيل والتعديل والتصحيح فيها، مما أعطى نظام لينكس ومؤسسة البرمجيات الحرة على حد سواء تفوقا فريدا في قطاع صناعة المعلوماتية.

* وماذا تقدمون من منتجات؟

ـ من منظار تقديم الحلول المتكاملة وفهم احتياجات قطاع الشركات والمؤسسات التعليمية والحكومية، قامت المؤسسة بتحضير مجموعة من الحزم، هي حزمة الخادم freeSERVER، وحزمة التبادل والاتصال freeEXCHANGE، وحزمة بوابة الانترنت freeGATEWAY، وحزمة سطح المكتب freeDESKTOP. ووضعنا مواصفات كل حزمة بما ينافس أو يتفوق على نظرائها ويغطى احتياجات مستخدميها، وبنيناها حسب أفضل وأوثق ما تم انتاجه من البرمجيات الحرة، اعتمادا على المقاييس المفتوحة لضمان توافقيتها مع الأنظمة الأخرى، كما تم تركيب وتوليف وتجريب وفحص أجزائها المختلفة بدقة.

* هل تركزون على سوق الأردن فحسب؟

ـ لا، ولكن يشكل الأردن نقطة الأنطلاق. وعلى عكس ما قد يظنه الكثير، فهنالك عدد لا حصر له من الفرص لأنظمة البرمجيات الحرة حتى في بلد صغير مثل الأردن. ونحن الآن بصدد توسيع أعمالنا وخدماتنا في منطقة الشرق الأوسط والخليج.

* هل ترى أنه سيأتي يوم سنرى فيه جميع برامج الكومبيوتر تعمل من خلال النظام المفتوح بما في ذلك برامج ألعاب الكومبيوتر؟

ـ جميعها! ربما لا. إذ سيبقى السوق مفتوحا لبرمجيات خاصة أو محددة بالبقاء كبرمجيات مغلقة. ولا تمنع رخص البرمجيات الحرة، بالمناسبة، من تطوير برمجيات مغلقة تعمل على لينكس. ولكن ما أنا متأكد منه هو أن البرمجيات الحرة ونظام التشغيل لينكس تمثل تحولا وتقدما كبيرا في صناعة البرمجيات وأنه سيكون للبرمجيات الحرة حصة الأسد في قطاع صناعة المعلومات خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة على أقصى تقدير.

* هل تتوقع في يوم من الأيام أن تحول مايكروسوفت أسلوب عملها بحيث يتوافق مع الأنظمة المفتوحة؟ وماذا ستفعل بكل ما بذلته من استثمارات؟

ـ بكل تأكيد. فجميع الشركات المطورة للبرمجيات المغلقة تسعى أساسا إلى الربح. ومع ازدياد سوق البرمجيات الحرة لن يسع مايكروسوفت أو غيرها إلا تقديم برمجياتها أو خدماتها على الأنظمة الحرة. أما بالنسبة للاستثمارات، فمايكروسوفت ستستمر ولفترة بجني الارباح منها.

* يبدو أنك واثق من أن المستقبل للأنظمة المفتوح؟

ـ ولأقصى حد.