كيلروي المظلوم وعرب مايكل جاكسون

وليد الأصفر

TT

عندما تكلمت قبل بضعة أسابيع عن تفضيل بعض الشركات العربية تشغيل موظفين متخصصين بتقنية المعلومات من غير العرب، إما غربيين بحجة أنهم أكثر قربا لمنابع التقنية، أو هنود لأنهم يرضون برواتب أقل، حتى لو كان البديل العربي مساويا لهؤلاء أو لهؤلاء في الكفاءة. ظهر لي من حدث وقع أخيرا أن هناك أسبابا لهذه التصرفات أكثر تعقيدا مما ذكرت، لأنها تتعلق في الغالب بنوع من التربية الخاطئة.

ما حدث هو أن مذيعا بريطانيا مشهورا في قناة «بي بي سي» الأولى اسمه روبرت كيلروي سيلك، نشر مقالة في إحدى الصحف البريطانية، قال فيها ان العرب لم يقدموا شيئا للعالم إلا الأمور السيئة، التي من بينها اضطهاد النساء والعمليات الإرهابية. وقبل أن يتحرك لانتقاده أحد من العرب أو المسلمين، انبرى بعض البريطانيين أنفسهم للرد عليه بشدة، بل وأوقف عن تقديم برنامجه المعروف إلى أن يتم التحقيق معه بسبب كتاباته الحاقدة، وبخاصة أنه كان قد خصص إحدى حلقاته الأخيرة لانتقاد العنصرية في المجتمع البريطاني. وكان واحدا من أبرز الردود التي سمعتها، ذلك الذي أدلت به إحدى اعضاء مجلس النواب البريطاني، إذ لامت قناة «بي بي سي» لأنها سمحت لشخص جاهل كما وصفته، بأن يتحدث إلى الجمهور، مع أنه لا يعرف أن العرب قدموا للعالم الطب والكيمياء والفلك وغيرها من العلوم، وأنه يحكم على أمة بمجموعها بسبب تصرفات قلة من أفرادها.

ومع أنه شعور جميل أن يكتشف الواحد منا أن عدد البريطانيين الذين يحكمون على العرب بشكل موضوعي أصبح يزداد مع الوقت، كانت الصدمة عندما «بادر» بعض العرب بالمقابل بالإعلان فورا بكل إباء وشمم قائلين: «معه حق».

عندها قلت لنفسي مسكين يا كيلروي، فلقد ظلمناك، فكيف نلوم رجلا مثلك وصفه قومه بأنه جاهل، لأنك لا تعرف بعض الحقائق التاريخية التي أصبحت بديهية، لمجرد أنك تفضل أن تقضي وقتك بما ينفعك شخصيا، وتترك لأفلام هوليوود تزويدك بالجرعات الثقافية عن بقية البشر.

فإذا أيدك عربي ابن عربي، اسما وملامحا ومكان ميلاد ولغة لا يتقن سواها، بل ويتفوق على غيره إن كتب بها، ويعمل في مكان عمل عربي الاسم، بل ربما جلس معك في حانة وجعلك تضحك عليه في سره، وهو يكشف كل «الحقائق» التي تثبت أن العرب متخلفون. فكيف نلومك؟ وبعد ذلك كله كيف نجرؤ على انتقاد شركات التقنية بسبب إحجامها عن الاستثمار في بلادنا، أو أن تشغل غير العرب حتى ولو فتحت مكاتبها في بلاد العرب. لن نستطيع انتقادها ولا حتى فتح الموضوع معها، ولندع أبناءنا وبناتنا يستجدون الوظائف لأنهم لا يستحقون العمل لأنهم ارتكبوا جريمة كونهم عربا. كل ما نحتاجه يا جماعة هو بعض الثقة واحترام النفس فقط لا غير، بعيدا عن التعصب القومي والعرقي، وأن نتعامل مع واقعنا بشكل طبيعي بدلا من أن نضيع وقتنا في لعنه. وكما يسمى من سكن أجداده في أوروبا أوروبيا، أو في آسيا آسيويا، نسمى نحن ببساطة عربا لأننا نشأنا وأجدادنا في منطقة توصف بالعربية، والاعتراف بذلك والتعامل معه يجب أن يكون طبيعيا، لا بتعصب عنصري ولا بخجل مهين، فكما أننا بشر كغيرنا فنحن لا نقل عن أحد على الإطلاق بأي حال من الأحوال. وإن كان أحدنا أخطأ فلا يعني ذلك أننا كلنا مخطئون، وليرني أي أحد أي أمة من دون أخطاء.

كم وكم شعرت بغصة كلما اجتمعت مع صحافيين عرب وأجانب، وأجد بعض إخواننا يسخرون من أنفسهم أمام الغربيين لإظهار كم هم متحضرون!!. هم عندي أشبه بمايكل جاكسون، ظن أن لون بشرته وشكل أنفه الأصلي يعيبانه ويقللان من آدميته مقارنة بالأبيض المتقدم، فبذل الغالي والرخيص «لتعديل» خلقته، فلم يفلح ولم ينس الناس أصله، وتناسى كم من أسود لم يمنعه شكله من أن يصبح من العظماء.