لعبة «السيغا» المصرية تتحول إلى كومبيوتر يتحدى البسطاء

TT

إنها اللعبة التي اخترعها المصريون ولا يلعبها سواهم في العالم، ويرجع البعض تاريخها إلى أيام الاحتلال الروماني، قبل أن يجيء عمرو بن العاص ليحرر المحروسة.

«السيغا» اللعبة التي يلعبها البسطاء على شاطئ البحر والفلاحون بجوار المصاطب وعلى رؤوس الحقول، و«البوابون» أمام البنايات أو بين أتربة المباني التي لم تتم بعد من أجل التسلية، سيتغير شكلها بدءا من منتصف العام الحالي. فقد تمكن فريق تقني من كلية علوم الكومبيوتر في الجامعة الأميركية في القاهرة، من تحويل اللعبة إلى برمجية على جهاز كومبيوتر خاص تتحدى البسطاء، إذا استطاعوا أو أرادوا التحدي. وكما تحدى الكومبيوتر الشهير «ديب بلو» كاسباروف وانتصر عليه فإن هذا الكومبيوتر Seega يتحدى ويتفوق على أصحاب المهارة في هذه اللعبة.

ويخبرنا أحد أعضاء الفريق وهو شريف قناوي، في السنة الرابعة من علوم الكومبيوتر في الجامعة الأميركية بقوله: «يظن البعض أن لعبة السيغا تلعب من خلال خانات بمساحة (3X3) ولكن هذا ما يلعبه الصغار، والحقيقة أن البسطاء يلعبونها في خانات تبلغ ( 7X7) وتسمى السبعاوية، تمييزا لها عن «الخمساوية» (5X5) التي يلعبها الناشئون، وهي بذلك تختلف عن مصفوفات ملعب الشطرنج التي تبلغ 8X8.

وعن طريقة ممارسة اللعبة يقول قناوي: «تنقسم اللعبة إلى مرحلتين، أولهما كيفية ملء الـ «48 خانة» بواسطة قطع كل فريق، حيث تبقىِ الخانة 49 خالية، وثانيتهما هي كيفية تحريك القطع «الفيش» بحيث إذا حاصرت القطعة البيضاء نظيرتها السوداء من أي جهتين وبطريقة مقصودة فإن ذلك يعني أن القطعة البيضاء تطرح السوداء خارج مربع اللعبة، وهكذا حتى تنتهي اللعبة بالتهام كل قطع الخصم أو تسليمه بالهزيمة». ويعلق عضو آخر على اللعبة وهو أسامة سليمان بقوله: «قد يظن البعض أن اللعبة سهلة ولا تحتاج إلى تفكير، ولكن الحقيقة أن الصعوبة تتمثل في كيفية ترتيب القطع «الفيش» بذكاء في المرحلة الأولى من اللعبة، حتى يكون الوضع مناسبا لمحاصرة قطع المنافس من الجهتين، وتسهيل عملية القيام بنقلات ذكية أيضا في المرحلة الثانية لتحقيق الانتصار، وبالتالي فإنه يجب لتجهيز كومبيوتر سيجا لينافس الإنسان درجة عالية من الذكاء الاصطناعي (AI)، ولذلك فإننا استخدمنا تقنيتي Genetic Algorithme وPartical Swarm optimisation، وهنا يأتي تعقيب العضو الثالث للفريق وهو هشام السيد الذي قال «وجود عامل بشري ذكي لاختبار الكومبيوتر كان ضروريا ولاسيما من محترفي اللعبة، ولذلك قمنا بلصق إعلان في الجامعة لإجراء مسابقة بين الطلبة لأفضل لاعب «للسيجا»، وانتخبنا بالتالي العبقري البشري ليواجه الآلة، وكانت النتائج مدهشة بانتصار ساحق للكومبيوتر الذي كسب المباراة ولم يخسر إلا قطعة واحدة».

ولمزيد من الشرح لمستوى التفكير والذكاء والاحتراف (الحرفنة) التي وصل إليها كومبيوتر السيغا يقول الدكتور اشرف عبد البر، الأستاذ المشارك بقسم علوم الكومبيوتر، والمشرف على المشروع: «مشروع عمل كومبيوتر وبرنامج لعبة السيغا المصرية بدأ منذ عام 2002، ومع مجموعة مختلفة من الطلبة بدأوا بتنفيذ البرنامج على خانات تبلغ (5X5) وليس (7X7)، ونجحت التجربة وتم عرضها في مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي (IEEE) Congres Evaluation Computation، الذي عقد في استراليا عام 2003. غير أن التجربة تطورت حاليا وصارت اكثر نضجا وذكاء من هذه المجموعة من الطلبة لان الخانات اكبر (7X7) وبالتالي التعقيد كان اكثر، وسوف نعرض التجربة في أكتوبر (تشرين أول) المقبل في مؤتمر الذكاء الاصطناعي الذي سيعقد في بودابست عاصمة رومانيا.

وعن التقنية المستخدمة يوضح الدكتور عبد البر إن الطريقة الأولى مبنية على نظرية دارون للتطور الطبيعي (انتخاب افضل برنامج)، حيث تم تحديد 50 أسلوبا ليلعب الكومبيوتر ضد نفسه، ومن ثم فإن الكومبيوتر أضحى يفكر ويعلم نفسه عن طريق فكرة المحاولة والتجريب من خلال عملية حسابية يجربها على نفسه، وبذلك فإنه انتخب لنفسه استراتيجية للعب.

وبخصوص التقنية الثانية يوضح أسامة سليمان إنها نظام تشغيل داخل كومبيوتر السيغا يستخدم فكرة البحث عن افضل مواقع للتحرك ووضع قطع اللعبة تماما كما تبحث الطيور عن أعشاشها فلا تضل الطريق إليها. ويضيف أن في علم الكومبيوتر أن الخطط الجيدة تثبت نفسها من خلال فكرة «الحث».

وعن الفارق في أسلوب الذكاء الاصطناعي والمنهج في التفكير بين الكومبيوتر الشهير «ديب بلو» والكومبيوتر المصري «سيجا»، يقول الدكتور عبد البر إن «ديب بلو» صممت له خصيصا رقائق سيلكونية للجهاز من قبل مجموعة من كبرى شركات الكومبيوتر العالمية، وبالتالي فقد تم عمل تجهيز تصميمي للكومبيوتر خاص به، بينما صنع مجموعة من الطلبة ذكاء كومبيوتر «السيغا» بأنفسهم.

وعن السؤال نفسه رد أسامة أن «ديب بلو» هو نتيجة أفكار مجموعة من عباقرة الشطرنج كان كل هدفهم جمع خبراتهم في كومبيوتر واحد، ولكن كومبيوتر «السيغا» كومبيوتر علم نفسه بنفسه.

وعن التطورات التي ستحدث بعد الاعتراف العالمي باللعبة وبذكائها الاصطناعي في أكتوبر 2004 في بودابست، يقول الدكتور عبد البر: «بعدما تغلب «ديب بلو» على» كاسباروف اصبح الشطرنج شيئا من الماضي (فقد تغلب الكومبيوتر عليه) والآن فإن نفس الخبراء يطورون كومبيوتر ليلعب لعبة يابانية اعقد من الشطرنج اسمها Go. أما السيغا المصرية (لعبة البسطاء) فهي اعقد من الشطرنج لأنها تعتمد على 49 خانة فقط، ولا تطلب ذكاء كبيرا في التحرك بقدر ما تتطلب من عبقرية في كيفية رص القطع على الأطراف، وفي منتصف أرضية الملعب لتسهيل الفوز لاحقا، وأتمنى أن تكون لعبة عالمية وبالتالي تساعد على إقامة صناعة تصديرية لكومبيوتر مصري بشهرة عالمية». ويختتم عبد البر حديثه بقوله «أننا في ثورة عالمية حاليا لقياس مستوى الذكاء الاصطناعي من خلال الألعاب».