مدن افتراضية تتيح للسكان التمتع بمشاهدها المجسمة والبحث عن فرص العمل والحياة فيها

الراغبون في شراء المنازل او المستثمرون بإمكانهم التجوال الافتراضي عبر كومبيوتراتهم في مواقع المدينة واختيار شققهم أو مكاتبهم

TT

ينزعج رجال الشرطة من تلك العربات التي تتحرك ببطء في الشوارع والتي تتوقف من وقت لآخر لالتقاط صور فوتوغرافية بواسطة كاميرات تتحرك بـ «الريموت كونترول» (أداة التحكم عن بعد). لكن عربة مقطورة محملة بأجهزة تصوير، أثارت، اكثر من غيرها، شكوك رجال الأمن السريين حينما كانت تتقدم ببطء في شوارع تقع في وسط مدينة فيلادلفيا. لكن تلك المقطورة والطائرة المحلقة فوقها كانتا تلتقطان صورا مصرحا بها لكل مبنى وما يحيطه، بناءً على طلب من السلطات المحلية. والآن أصبحت هذه الصور تستخدم لبناء نموذج بثلاثة أبعاد عن مركز مدينة فيلادلفيا.

وسوف يمكن لنموذج المدينة هذا أن يدمج لاحقا مع معلومات أخرى، مثل أسماء المحلات، أو المواقع المعروضة للإيجار بحيث يكون بإمكان الناس أن يشاهدوا فيلادلفيا افتراضيا عبر كومبيوتراتهم، بدلا من القدوم إليها. الباحثون على شقق للإيجار أو الشراء مثلا يستطيعون أن يتجولوا في المنطقة المحيطة بها وأن يقوموا بالتمشي الافتراضي وتفحص المشاهد عبر نوافذ الشقق التي جذبت اهتمامهم.

وقال فيكتور شنكار مؤسس «جيو سيم سيستِمز»، الشركة التي عرضت البرنامج والتي يقع مقرها في تل أبيب، إن المدينة المحاكية للأصل ستوفر إمكانيات كثيرة من بينها تعريف الزبائن بمن يناسبهم من الجنس الآخر لإقامة علاقات عاطفية بينهم. وقال شنكار «نحن نرى أن هذه المدينة الافتراضية التي نقوم ببنائها، ستكون منصة واسعة يتعرف الناس على بعضهم البعض»، فأولئك الذين يزورون معارض الرسم الافتراضية قد يلتقون على سبيل المثال بآخرين.

ووضع الدكتور شنكار نموذجه على نموذج آخر كان قد وضعه لمرتفعات الجولان لتدريب الطيارين الإسرائيليين. وكان رئيسا للبحوث والتطوير في القوة الجوية الإسرائيلية حيث عمل هناك لمدة 21 سنة. أما الآن فإن شركته مشغولة في رسم مناطق مدنية ذات ثلاثة أبعاد في داخل وخارج الولايات المتحدة وهذا لا يشمل فقط حي الأعمال والتجارة في فيلادلفيا فحسب بل ويشمل كذلك جامعة بنسلفانيا التي سترسم افتراضيا قريبا.

* جامعة افتراضية

* وكان البروفسور دينس كلهاين في ولاية بنسلفانيا ومدير مختبر النمذجة الخاصة بعلم الخرائط قد جلب المشروع إلى حرم الجامعة الخاص بهذه الولاية. وقد تم حتى الآن جمع كل المعلومات «من خلال عربة تجر مقطورة صغيرة ظلت تتحرك داخل المكان فوق الطرق الخاصة بمشي الطلبة، مع طائرات ظلت تحلق فوق نفس المنطقة»، حسبما قال كلهاين.

ويتوقع الدكتور كلهاين أن يسهل النموذج الاستفادة منم تطبيقات كثيرة منها العثور على الطلبة القدامى والجدد، وتسجيلهم في الجامعة، والبقاء على اتصال بالخريجين. وقد يصبح النموذج أساسا لربط موقع الجامعة الإنترنتي كله، «فبدلا من سلسلة من الصفحات المستوية فوق موقع الإنترنت يستطيع الأفراد أن يتنقلوا عبر الحرم الجامعي». وأضاف كلهاين أنه يكفي أن تضغط على الماوس عند أي صورة لمبنى حتى تصل إلى مصادر الموقع الإنترنتي المعني أو تقابل أشخاصا آخرين يمكنك أن تتبادل الحديث معهم، وتابع انه «سيتم إرسال المعلومات عبر صفحات الموقع الشبكية لكن التنقل سيكون عبر فضاء ذي ثلاثة أبعاد».

قد يكون البرنامج مفيدا أيضا للتخطيط لبناء المجمعات الجامعية حسب قول كلهاين. وهذا يتضمن وضع تصورات للكيفية التي ستحتل المباني فيها مساحة تبلغ 18 أكرا (الأكر يساوي 4840 ياردة مربعة) مخصصة لبناء الجامعة. وقال «يمكننا أن نأخذ تصاميم معمارية للمباني ثم ندخلها في نموذج الحرم الجامعي ونرى كيف ستبدو في الفراغ».

ويتوقع الدكتور كلهاين أن تكون ألعاب الكومبيوتر حقلا تطبيقيا آخر لهذا النظام حينما يبدأ طلبة جامعة بنسلفانيا الذين يتابعون دراسات الماجستير في ألعاب الكومبيوتر بالاستفادة من المعلومات المتوفرة. وأضاف «تبدو المباني حقيقية في النموذج والتفاصيل التصويرية خارقة للمألوف».

وقد انتهى الآن جمع المعلومات الضرورية للنموذج في المنطقة التجارية المركزية الواقعة في بنسلفانيا. وقال بول ليفي رئيس المنطقة التجارية في مركز المدينة ان المشرفين «قاموا بالطيران والسياقة فوق كل شارع».

وتعليقا على عمليات وضع النماذج الكومبيوترية للمباني وما يحيطها قال الدكتور ليفي إن هذا الحقل غير جديد لكن استخدام التقنية على حجم كل المدينة كان من الناحية التاريخية، مكلفا ويتطلب عملا مكثفا جدا. لكن «التقنية التي قدمها الدكتور شنكار قد سرعت بشكل كبير عملية النمذجة وقدمت تصاميم قريبة جدا مما هو موجود على أرض الواقع».

وتبدأ العملية بالحصول على المعلومات، ويتم تصوير كل المباني من الجو وهذا ما يجعل رؤية كل بناية من أربعة اتجاهات على الأقل ممكنا، حسبما قال الدكتور شنكار. أما التصوير الأرضي من خلال استخدام مقطورة مسحوبة من قبل سيارة وفيها جهاز استكشاف يعمل على الليزر مع كاميرا رقمية وجهاز استلام من نظام تعيين المواقع على مستوى الكرة الأرضية عبر قمر صناعي، إضافة إلى كومبيوتر جوال يكون إلى جانب السائق يقوم بالتحكم بالأجهزة.

وقال الدكتور شنكار إن العملية قد نظمت على أساس أنها خط إنتاجي، فمع وجود برنامج يقوم بتنسيق الأجزاء المختلفة من العملية إضافة إلى الطرائق التي تسمح للأشخاص بالعمل بشكل متزامن. وتقوم شبكة خاصة بحفظ جميع المعلومات الفوتوغرافية وهي مربوطة بـ25 محطة عمل خاصة بالمشتغلين على صياغة النموذج. وقال شنكار «كل شخص مرتبط بهذه الشبكة يحصل على جزء من المدينة». وتبلغ تكاليف النمذجة لكل كيلومتر مربع 150 ألف دولار.

وينبغي مراجعة النماذج حينما يحدث تغير في المنظر العام للمدينة، ففي جامعة بنسلفانيا يتوقع أستاذ العمارة المساعد علي ملكاوي القيام بجزء من المشروع. وهو يقول عن هذا المشروع «إنه سينمو ويجب أن تتم إدارته للتأكد من أن المعلومات تتجدد باستمرار فيه». ويظن الدكتور ليفي ان تطبيقات النموذج ستكون كثيرة. وقال «له تطبيقات واسعة في مجال استئجار الشقق والمحلات... أنت تستطيع أن تكبس على صورة الطابق الثالث عشر في مبنى ما، لتفحص المستأجر والمشهد أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»