توسع القبول الجامعي الإلكتروني في السعودية

«أم الجامعات» لن تعترف به إلا بعد عامين .. وتعبئة طلب القبول لا تستغرق «شرب قدح شاي»

TT

اضطر طلال القوزي، موظف حكومي، إلى السفر من محافظة القنفذة إلى مدينة جدة، لإنهاء إجراءات القبول في جامعة الملك عبد العزيز، وكلفه ذلك تلف سيارة والده على طريق «الساحل» (جنوب غربي السعودية)، إثر حادث مروري تعرض له في صيف 1999، مضيفاً «أكمل شقيقي تعبئة نموذج طلب القبول قبل أيام، عن طريق «بوابة القبول الإلكتروني» في موقع جامعة الملك عبد العزيز، قبل أن أكمل شرب قدح من الشاي».

وقبل أكثر من أسبوعين، وما إن خرج طلاب وطالبات السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية في السعودية من نفق الامتحانات النهائية، حتى كان لزاماً على معظم الناجحين والناجحات دخول نفق آخر، خاص بالقبول في الجامعات والكليات المدنية والعسكرية، للظفر بمقعد دراسي وسط منافسة شديدة، بعد أن بات القبول في الجامعة أزمة وطنية، يشتكي منها السعوديون في صيف كل عام.

غير أن زيادة حجم الخريجين من الثانوية عن عدد المقاعد الجامعية المخصصة لهم في كل عام، لم تكن المشكلة الوحيدة التي تواجه أولياء أمور الطلاب والطالبات، فهناك مشكلة عملية القبول وإجراءاته، التي تتطلب في بعض الأحيان، سفر الطالب أو الطالبة إلى منطقة أو مدينة أخرى، للبدء في إجراءات طلب القبول الجامعي، ما يحرم كثيرا من العائلات السعودية من الاستمتاع بالإجازة الصيفية، وتصل الأمور أحياناً، إلى وفاة بعض الطلاب أثناء سفرهم براً إلى الجامعات.

ومع التطور الضخم والمتسارع في مجال التقنية والإنترنت، توجه كثير من الجامعات لإنشاء مواقع إلكترونية خاصة بها، تحتوي على معلومات عن إدارات الجامعة وعماداتها وكلياتها وأقسامها والمرافق الخدمية والمساندة، إضافة إلى أخبار الجامعة ومنسوبيها، وتوقف كثير من الجامعات والكليات عند هذا الحد، ولم تطور مواقعها لتصبح أكثر تفاعلية مع زوارها من الطلاب والطالبات، خاصة فيما يتعلق بقضايا القبول والتسجيل.

غير أن بعض الجامعات والكليات، المؤمنة بما توفره تقنية الإنترنت من حلول عملية، تساهم في تسهيل تعامل المجتمع مع الجامعة، قررت، في فترات متفاوتة، تحويل كثير من الإجراءات الإدارية إلى تعاملات إلكترونية، لا تستدعي الحضور الشخصي لإنهائها، خاصة عملية القبول والتسجيل في صيف كل عام، وما يصاحبها من متاعب وصعوبات للمتقدمين والجامعة معاً، انسجاماً مع توصيات «ندوة القبول ومعاييره في الجامعات السعودية»، التي جرت عام 2001، والتي منها تسهيل إجراءات القبول، التي تشمل طريقة تقديم طلبات الالتحاق والمواعيد الزمنية، وإعلان النتائج وتقليل معاناة الطلبة، وذلك بالعمل على التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي، من خلال «مكاتب التنسيق اللامركزية» في كل مؤسسة، وبالاستفادة من التقنية الحديثة في مجال الحاسب الآلي في هذا المجال، لتحقيق عدم تكرار قبول الطلبة في أكثر من مؤسسة في آن واحد.

* مواقع جامعية

* وكانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، التي يقع مقرها في مدينة الظهران (شرق السعودية)، أولى الجامعات السعودية استفادة من موقعها الإلكتروني، في تسهيل عملية القبول والتسجيل للطلاب الراغبين في الدراسة بالجامعة، من خلال وضع رابط لنموذج طلب التحاق للجامعة، يكفي الطلاب مشقة السفر من مختلف مناطق السعودية لإنهاء إجراءات القبول، ثم تبعها عدد من الجامعات، كجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك فيصل، وجامعة أم القرى، والجامعة الإسلامية، وكلية الجبيل الصناعية.

ذكر عبد العزيز البلوي، سعودي متخرج في الثانوية العامة في هذا العام، أنه تقدم بطلب للقبول في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عن طريق الإنترنت، ولم يستغرق منه سوى خمس دقائق فقط، مضيفاً «بعكس ابن عمي، الذي تخرج من الجامعة ذاتها قبل خمسة أعوام، حيث سافر براً إلى مدينة جدة لإنهاء اجراءات القبول الخاص بالجامعة، واستغرق ذلك يومين، أي 2880 دقيقة».

لكن جامعة الملك سعود «أم الجامعات السعودية»، كما يطلق عليها في السعودية لقدمها، لم تتح عملية القبول الإلكتروني حتى الآن، مكتفية فقط بإتاحة نتائج الاختبارات إلكترونياً للطلاب والطالبات، غير أنها وقعت اخيراً مذكرة تفاهم تنفيذ القبول الإلكتروني في الجامعة مع «هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات»، لتقديم أفضل الخدمات للطلاب الراغبين في الالتحاق بالجامعة بطريقة سهلة، ما يسمح للطالب بالتقدم للجامعة ومتابعة طلبه ومعرفة نتائج القبول عبر شبكة الإنترنت، وتم اتفاق الجامعة مع برنامج «التعاملات الحكومية الإلكترونية» (يسر)، الذي تم تشكيله من قبل «وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات» بمشاركة «وزارة المالية والاقتصاد الوطني» و«هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات» لتيسير تنفيذ توجه الدولة للتحول إلى تقديم الأعمال والخدمات الحكومية إلكترونياً، وتكوين فريق مشترك من قبل الجامعة وبرنامج (يسر) لإعادة تصميم خدمة القبول بالجامعة بغرض تقديمها إلكترونياً، وستتولى عمادة القبول والتسجيل إدارة المشروع والإشراف على تنفيذه على مراحل خلال عامين.

* قبول إلكتروني

* من جهته، قال لـ «الشرق الأوسط»، الدكتور عمر عبد الله السويلم، عميد القبول والتسجيل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن «حتى الجامعات الأجنبية تشترط أن يحضر الطالب الوثائق الورقية بعد إتمام عملية التسجيل، والموافقة المبدئية من قبل الجامعة لقبوله فيها، وهذا شرط أساسي في أي جهة، فلا يقبل أي طالب بصور، أو بنماذج صيغ إلكترونية للوثائق الرسمية، فلا بد من إحضار الوثائق الرسمية بعد إتمام قبول الطالب، وهذا النظام عالمي الانتشار والتطبيق، وليس مرتبطا فقط بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن».

ويؤمن السويلم بأن القبول الإلكتروني يسهل من عملية القبول والتسجيل في الجامعات، ويلغي قضية حضور الطالب وسفره لتقديم أوراقه، ويكتفي بتقديم طلب الالتحاق إلكترونياً، ومن ثم تأتي النتائج المطلوبة من الجهات الرسمية، مثل نتائج الشهادة الثانوية، ونتائج الاختبارات المشترط تجاوزها للقبول في الجامعة، كاختبار القدرات العامة والاختبار التحصيلي، مضيفاً «إلى جانب ما يطلب من الطالب تعبئته في نموذج التقديم الالكتروني، وبعد ذلك تجري الجامعة مفاضلة بحسب معايير القبول، ثم ترسل النتائج للطلاب إلكترونياً عبر ثلاث طرق، عن طريق رسائل الـ sms على جوال الطالب، أو البريد الإلكتروني، أو من خلال نظام الاستعلام في موقع الجامعة الإلكتروني، وإذا تم قبول الطالب، يعطى فترة أسبوع لمراجعة الجامعة، وتقديم الوثائق الرسمية، وتنتهي عملية القبول وإجراءاته خلال نصف ساعة تقريباً».

وحول اشتراط جامعة الملك فهد للبترول والمعادن اجراء اختباري القدرات العامة والتحصيلي، أكد الدكتور السويلم أن الجامعة تعتمد على ثلاثة معايير للقبول، شهادة الثانوية العامة، واختبار القدرات العامة، والاختبار التحصيلي، بسبب صعوبة الاعتماد على معيار واحد، لضمان جودة القبول، حيث تأخذ الجامعة نسبا معينة ومختلفة من هذه المعايير لإظهار نسبة مركبة، للمفاضلة بين الطلاب المتقدمين.

وذكر عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك فهد أن المتقدمين من مختلف مناطق السعودية، وبأن هذه التجربة لا تطبق للمرة الأولى في الجامعة، لأنها رائدة في هذا المجال، مضيفاً أنه «ومنذ العام الماضي، لم أجد طالبا يشتكي من عدم مقدرته التسجيل في الجامعة إلكترونياً، وكان الدكتور خالد السلطان، مدير الجامعة، صرح في مؤتمر صحافي سابق، على أن القبول في الجامعة يتم بطريقة إلكترونية، وبشكل كامل، ولم يأت أي طالب، إلى الآن، لتقديم أوراقه بشكل شخصي، فالتسجيل إلكتروني 100 في المائة».

وتجدر الاشارة الى ان وزارة التعليم العالي قامت بزيادة حجم القبول خلال الأعوام العشرة الماضية، وفق ما تستوعبه كل جامعة وكلية، ثم طرح الملف لاحقاً تحت قبة مجلس الشورى السعودي في 13 يونيو (حزيران) 2003، لدراسة موضوع القبول في الجامعات، بهدف توسيع فرص القبول فيها، وتساويها أمام المستحقين من المتقدمين وملاءمة مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية والاقتصاد الحديث، حيث أوصى المجلس بالإسراع بتنفيذ ما توصلت إليه اللجنة الوزارية العليا من توصيات، الذي رأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وفقاً لما تضمنه قرار مجلس الوزراء في 28 مايو (أيار) 2001، وبأن يقوم مجلس التعليم بإعداد خطة طويلة المدى مدتها (خمس وعشرون عاماً) للتعليم الجامعي، تحدد احتياجاته وأنماطه ونوعية مخرجاته وأساليب تمويله، مع تحديد آليات تنفيذ هذه الخطة.