سباق العمالقة نحو المنزل الإلكتروني

«مايكروسوفت» و«أبل» في معركة ضارية لدمج التقنيات وربط قاعة الجلوس بعالم التسلية والألعاب

TT

الجميع بات يرى ملامح المعركة التي تدور رحاها بين عملاقي الصناعات الالكترونية: شركة «مايكروسوفت» لبرامج الكومبيوتر وشركة «أبل» للكومبيوترات، التي تهدف الى وصل صالة الجلوس في المنزل الى الانترنت، وذلك بعد ان تحدث بيل غيتس عن آفاق الحياة الرقمية والتقنيات الجديدة في المنازل الالكترونية لدى افتتاح معرض الكترونيات المستهلكين في لاس فيغاس الاسبوع الماضي. ويستعد العملاقان للجولة المقبلة من تنافسهما الطويل الذي مضت عليه عقود.

وبعده بيوم واحد اعلن ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» في معرض «آبل إكسبو» السنوي في سان فرانسيسكو، عن عرض «آي فون»، احدث هاتف ثوري يسبق عصره بخمسة اعوام، يتواصل مع الكومبيوتر ويعرض برامج التلفزيون، ويهاتف، ويصور بكاميرته، يتوقع طرحه منتصف العام الحالي، ومع انطلاق هذا الهاتف سيدخل العالم في مشهد رقمي جديد تتجسد فيه عمليات اندماج تقنيات التواصل الالكترونية واندماج نظم عرض وسائط الاعلام المتعدد: الصورة والصوت، والاشكال المتحركة، والمخططات، والنصوص، في تصميم جديد.

كما عرضت «أبل» جهاز «أبل تي في» التلفزيوني الذي يربط بين الكومبيوتر والتلفزيون صممته الشركة بثمن 300 دولار تقريبا، سعة القرص فيه تبلغ 40 غيغابايت، تكفي لحفظ 50 ساعة متواصلة من التسجيلات المرئية او 9 آلاف اغنية او 25 الف صورة. وسيطرح هذا الجهاز الشهر المقبل. وقالت الشركة انه سيكون ثوريا في ميدان العروض المرئية مثل «آي بود» في ميدان العروض الغنائية والموسيقية.

المعركة لن تكون مجرد فصل في الصراع الكلاسيكي هذا، بل انها معركة لتطوير افضل التقنيات لربط صالة الجلوس مع الانترنت، كي يتم عرض البرامج التلفزيونية والافلام السينمائية والعاب الفيديو والموسيقى، بعد إنزالها جميعا الى شاشة التلفزيون، الأمر الذي سيغير الى الابد الاسلوب الذي ينهل عبره ملايين الناس محتويات عالم التسلية والترفيه في المنزل.

«ستكون هذه فعلا معركة شمشون» الجبار، كما يقول جون روفولو المدير في تقنيات «ديلويت أند توش» واساليب ممارسة الوسائط المتعددة والمواصلات، «فالفائز منهما سينعم بفرص ربح كبيرة في السنوات المقبلة». واشار غيتس في كلمته الى ان الفرق بين الكومبيوتر والتلفزيون في طريقه للزوال، واعلن ان شركته تعاقدت مع عدد من الشركات لتوفير افلام تشاهد في الكومبيوتر، او تشاهد على شاشة تلفزيون عن طريق جهاز ألعاب »اكس بوكس«.

* منزل الإنترنت الدافع الكبير لنقل الانترنت من المكان الذي توجد فيه، الى غرفة الجلوس هو الثورة في عروض التسجيلات المرئية (الفيديو) التي ستكون على شاكلة برامج تلفزيونية مدفوعة الأجور، وافلام سينمائية يجري تنزيلها. وهذا الاتجاه الذي الذي انطلق في العام 2006 ومن المتوقع ان يأخذ حجمه الكامل في العام 2007 الحالي مع دخول شركات كبيرة مثل «أمازون. كوم» ومحلات «وول ـ مارت ستورز» الاميركية التجارية الكبرى التي ستدخل في هذا الميدان ايضا.

وكان تقرير نشرته في شهر ديسمبر من العام الماضي مجموعة «إن بي دي غروب» المتخصصة في ابحاث السوق في الولايات المتحدة قد اشار الى توقعات بزيادة عمليات تنزيل التسجيلات المرئية، الى الضعفين، أو ثلاثة اضعاف في العام المقبل. وترى «ستراتيجي اناليتيكس» ان هذه السوق ستنمو الى 1.4 مليار دولار في العام 2007 الحالي، من 298 مليون في العام الماضي، الى ان تصل الى نحو 6 مليارات دولار في العام 2010.

«وسيجري تذكر العام الجديد الحالي على انه العام الذي تحولت فيه مبيعات الفيديو المسجلة سلفا على الشبكة، الى اعمال حقيقية» كما يقول مارتن اولاسون كبير المحللين في «ستراتيجي اناليتيكس» لخدمات الاتصالات ووسائط النطاق العريض، «فتماما كالموسيقى شرعت محتويات الفيديو التي يجري تسليمها على الشبكة تبرز الآن كقناة توزيع متزايدة الاهمية بالنسبة الى مالكي هذه المحتويات». ولأن الخدمات الفيديوية هذه تتوفر بشكل نموذجي في الولايات المتحدة حتى الان، فانه من المتوقع ان تهاجر شمالا الى كندا حال ان تثبت نماذج الاعمال هذه ذاتها على مدى السنة الحالية.

* خطط «أبل» وكان ستيف جوبز المدير التنفيذي قد اعلن في سبتمبر الماضي ايضا عن قرب موعد طرح جهاز التلفزيون الجديد الذي سماه «آي تي في» iTV الذي يصل التلفزيون في غرفة الجلوس لاسلكيا مع الكومبيوتر حيثما كان الجهاز موجودا، لإتاحة المجال امام المستخدمين الدخول الى «آي تيونس» من أجهزتهم التلفزيونية.

وكانت «أبل» قد اعلنت انها باعت اكثر من 1.5 مليار قطعة موسيقية وعشرات الملايين من الحلقات التلفزيونية والافلام عن طريق «آي تيونس». ويقدر المحللون انها، اي «أبل» تملك نحو 90 في المائة من سوق تنزيل الفيديوهات لقاء رسم مدفوع، ولذلك فهي في موقع ممتاز بالنسبة الى الفترة المزدهرة المقبلة. ومع ذلك، كان العشرات من شركات الاتصالات والتقنيات لسنوات، بين النجاح والاخفاق، قد حاولت وصل صالة الجلوس الى الانترنت، فلماذا هي اذن باتت تنطلق محلقة الان؟

الجواب كما تقول شركة «إن بي دي» يكمن في المستويات المتزايدة من الاتصالات بالنطاق العريض، والكومبيوترات السريعة والقوية المجهزة بآلات لكتابة اقراص «دي في دي»، واجهزة الفيديو الجوالة، وخدمات المشاركة بالملفات التي اتحدت وتضامنت جميعها لجعل استهلاك فيديو الانترنت اكثر سهولة. ثم ان الوصل الافضل بالنطاق اللاسلكي العريض وفر على المستهلكين ايضا تمديد الاسلاك بين مكان الكومبيوتر وغرفة الجلوس.

و«مايكروسوفت» هي واحدة من الشركات التي حاولت وفشلت مع جهازها «ويندوز ميديا بي سي» التي خرجت به قبل ان تنضج التقنية» على حد قول المحلل روفولو الذي تابع يقول «لقد خرجوا بهذه الفكرة لكن البنبة الاساسية لم تكن هناك فعلا. أما الآن فإن كل شيء بات جاهزا من المنظور التقني، بينما كانت «مايكروسوفت» قبل خمس سنوات غير ناضجة بعد».

وكان «اكس بوكس» الاصلي الذي سبق 360 المحاولة الاولى للشركة المتخصصة بالبرمجيات في غزو غرفة الجلوس. ولدى اطلاقه قبل خمس سنوات كان من الواضح ان الأمر كان اكثر من مجرد العاب فيديو، فهو مختلف عن اقرانه لكونه كان يتضمن قرصا صلبا وفتحة للنطاق العريض، مما يعني انه كان مصمما للوصل بشبكة الانترنت وتنزيل المحتويات منها وتخزينها. لذلك دعي Xbox فورا بجهاز «الكومبيوتر بي سي المتخفي». لكن خليفته 360 له وصلة لاسلكية عريضة النطاق وقدرة غرافيكية عالية الوضوح والتحديد مما يعني انه صمم لاغراض تنزيل محتويات الفيديو كما تقول «مايكروسوفت». ورغم انطلاق «مايكروسوفت» في البداية الا ان «أبل» هي المرشحة لقيادة هذا التطور الكبير للانترنت في صالات الجلوس. وفي الوقت الذي تتطلب خزانة الالعاب «اكس بوكس 360» بعض المعرفة التقنية لوصلها لاسلكيا الا ان «أبل» أقامت شهرتها على انتاج منتجات سهلة الاستخدام تثير ملامحها الجمالية السرور لدى اصحابها، وهو واقع واضح بشكل خاص في سيطرتها على سوق آلات تشغيل الموسيقى وعلى رأسها جهاز «آي بود» الناجح جدا، فاذا كان جهاز «أبل تي في» سهل الاستخدام مثل «آي بود» فانه سيكون بامكان المستهلكين تنزيل الحلقات التلفزيونية والافلام السينمائية من «آي تيونس».

* معركة الشركات وليس الامر متعلقا بـ «مايكروسوفت» و«أبل» فحسب، بل إن شركة «سوني» ترغب في قطعة من قالب الحلوى ايضا، فقد اطلقت اخيرا لعبة الفيديو «بلاي ـ ستايشن3» التي لها الصفات ذاتها كجهاز 360، كقرص التخزين الصلب والقدرة على الوصل بالنطاق العريض ومخططات الغرافيكس العالية الوضوح، واضافة الى ذلك تتيح للمستخدمين الابحار في الشبكة والكشف على بريدهم الالكتروني. وتقول «سوني» اليابانية ايضا انها تملك ميزتين على «مايكروسوفت» و«أبل» وهي انها تملك محتوياتها الخاصة من الافلام السينمائية والموسيقى، كما يمكنها توفير التفاعلية مع جهازها «بلاي ستايشن بورتبيل» PSP الجوال الذي يحمل باليد.

والورقة الرابحة التي تملكها «سوني» في هذه المرحلة هو ان الآخرين لا يستطيعون نسخ تراثنا الذي مضى عليه عشر سنوات في صنع الالعاب الالكترونية المعقدة. ورغم ان «أبل» قادرة على تأمين شيء يمكن تنزيله من الانترنت، او مشاهدة الافلام السينمائية والاستماع الى الموسيقى والاغاني، الا اننا نملك عنصر الالعاب في جهاز PSP الذي لايستطيعون بزه».

ووجود «سوني» على الشبكة ما زال في بدايته، لكن الشركة تنوي دمج جميع ما تقدمه من اشياء مختلفة ومتنوعة بشكل متكامل. ومثال على ذلك سيكون بمقدور المستهلكين تنزيل الافلام السينمائية، او الموسيقى من مخزن «سوني» على الشبكة على اجهزة PS3 ، وبالتالي الوصول الى الوسائط المتعددة بواسطة اجهزتهم PSP من اي نقطة انترنت لاسلكية ساخنة في العالم.

ويميل المحللون الى عدم اعتبار «سوني» لاعبا جديا، رغم انها ما زالت الاولى في السوق في ما يتعلق بالعاب الفيديو، او على كونها منتظمة ومالكة للمحتويات، وبالتالي تعتبر كشركة متنوعة الانتاج. وهذا الامر ليس في مصلحتها كما يقول روفولو. هذا اذا حدث وتكلمت يوما مع جماعة «سوني» في اليابان وسألتهم اذا كانوا يعلمون كيف يديرون اعمال السينما، او تشغيل ستوديو للموسيقى؟

ومن اللاعبين الجدد المحتملين شركة «سيسكو سيستمس» المتخصصة في الشبكات التي مقرها مدينة سان خوسيه في ولاية كاليفورنيا التي تقوم حاليا باقامة مستقبلات تلفزيونية رقمية عبر فرعها «سيانتفيك اتلنتا» لشركات الكابلات، اذ تنوي اطلاق علبة لتجاوز الكابلات تتيح للمستهلكين تنزيل البرامج التلفزيونية والسينما. ومزية «سيسكو» انها تقوم بتشييد وفهم تقنيات الوصل والاتصال بالنطاق العريض الضروري لتسليم جميع المحتويات كما يقول النقاد.

ولعل هذه الشركة هي الاكثر خطرا على جميع منافسيها لكونها استوعبت الجزء الاهم في ذلك كله، الا وهو التوصيلة اللازمة، كما يقول المحلل التقني روب اندرلي من مجموعة «اندرلي غروب» التي مقرها كاليفورنيا، لان «سيسكو» مؤهلة جدا في ما يتعلق بتلك البنية الاساسية، وهي تعلم كيف ستطوع ذلك على حد قوله. ويضيف انها من غير المحتمل ان تذهب في مثل هذه المشاريع بمفردها، بل ستسوق خدماتها في مجال تعزيز النطاقات العريضة بالشراكة مع شركات الهاتف.

ومن المفارقات ان صالات الجلوس الموصولة بالانترنت ستشكل تهديدا تنافسيا لشركات الكابلات والهاتف معا، فهذه الاخيرة تقدم عند الطلب خدمات فيديو رقمية عالية التحديد والوضوح عبر شبكاتها الانترنتية العالية السرعة، لذلك تجد في قيام «مايكروسوفت» و«أبل» بمنافستها في اعمالها، عن طريق استخدام شبكاتها الخاصة بها بالذات، نوعا من المكر والخديعة. لذلك باتت شركات الكابلات والهاتف تتخذ خطوات لإبطائها عن عمد.

وعلى سبيل المثال قامت شركة «بي سي إي» اخيرا بالاعلان انها ستتقاضى من مشتركيها في النطاق العريض رسوما عن كمية ما ينزلونه من مواد ومحتويات في خطوة يقول عنها المحللون انها مصممة جدا لابطاء استهلاك فيديو الانترنت.

وفي نهاية المطاف سترسي معركة وصل صالات الجلوس بالانترنت على من يملك افضل نموذج للاعمال كما يقول اندرلي.

في اي حال، فإن خدمات الدفع حسب المشاهدة لم تنجح، ومن المؤكد ان تبرز مكانها اشتراكات خاصة بتنزيل المحتويات خلال العام المقبل. وقد يكون لـ «مايكروسوفت» فائدة مبكرة في ذلك كما يقول، ولكنها ليست بتلك الفائدة الكبيرة ويرى بعض المحللين ان من الخطأ التعويل كثيرا على «أبل» على اساس نجاحها مع «آي بود» فقط وينبغي الانتظار للتعرف على «آي فون»، كما لا ينبغي صرف الأذهان عن نجاحات «مايكروسوفت» كما كان الكثيرون يفعلون في العامين الأخيرين.

* قيادة «مايكروسوفت» > تتربع «مايكروسوفت» التي مقرها ريدموند في ولاية واشنطن، على موقع القيادة بالنسبة الى خزانة العاب الفيديو «اكس بوكس 360» وخدمات الاشتراك المصاحبة لها «أكس بوكس لايف» Xbox Live على الشبكة. وكانت هذه الخزانة قد اطلقت قبل عام، وقد وجهت بشكل خاص الى ممارسي هذه الالعاب، رغم ان «مايكروسوفت» استخدمتها كآلة كاملة للوسائط المتعددة موصولة بالانترنت. وهي قادرة على الاتصال لاسلكيا مع الكومبيوتر الشخصي «بي سي» لبث الوسائط المتعددة التي تحتويها الى جهاز التلفزيون.

وكانت «أكس بوكس لايف» تقدم في الوقت ذاته الالعاب على الشبكة منذ بعض الوقت، لكنها اضافت في العام الحالي امكانية تنزيل البرامج التلفزيونية في الولايات المتحدة لقاء دولارين الى ثلاثة دولارات للبرنامج الواحد مع محتويات الفيديو الأخرى بما في ذلك اشرطة الفيديو الموسيقية المجانية والمقتطفات الدعائية عن الافلام السينمائية. وقبل اسابيع خطت «مايكروسوفت» الخطوة الكبيرة المنتظرة نحو اضافة القدرة التنزيلية للافلام المستأجرة بصيغ عادية، وعالية التحديد والوضوح، التي يراوح سعر التنزيل الواحد بين ثلاثة واربعة دولارات عبر «أكس بوكس لايف» في الولايات المتحدة.

وتقول الشركة ان لـ «أكس بوكس لايف» اربعة ملايين مشترك في جميع انحاء العالم وهي تتوقع بلوغ ستة ملايين في نهاية يونيو المقبل. وتتوقع «مايكروسوفت» بيع نحو 10 ملايين «اكس بوكس 360» حتى نهاية العام الحالي، ثلثا العدد منها موصولة الى «أكس بوكس لايف» وجرى حتى الان انزال اكثر من 70 مليون قطعة من المحتويات منذ اطلاق «اكس بوكس 360»، وهو رقم تتوقع «مايكروسوفت» ان ينمو بشكل كبير في العام الحالي.

وكانت «أبل كومبيوتر» التي يقع مقرها في «كابرتينو» قد دخلت في هذا المعترك العام الماضي، وهي تنوي الاسراع في الانتقال الى صالة الجلوس في العام المقبل. وكانت في مايو الماضي قدمت هذه الشركة المنتجة لـ «آي بود» حلقات تلفزيونية مقابل 1.99 دولار للواحدة عبر مخزنها «آي تيونز» على الشبكة لتضيف اليها في سبتمبر الماضي افلاما سينمائية كاملة مقابل 12.99 دولار للفيلم الواحد.