آلات مفكرة .. لا تزال بعيدة المنال

تحديات كبرى تواجه ابتكار نظم الذكاء الصناعي

TT

في عام 1982، عندما كان داني هيلز ما زال طالبا في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا (إم آي تي)، في الولايات المتحدة، اشترك مع آخرين في تأسيس شركة «ثينكينغ ماشينز» (الآلات المفكرة)، التي كانت واحدة من اشهر العمليات الفاشلة في تاريخ صناعة الكومبيوتر!، وحاولت هذه الشركة التي كانت عبارة عن خلية لأشهر المفكرين والباحثين، تشييد أول آلة تعمل بنظم الذكاء الصناعي، لكنها لم تنجح في «بناء آلة تكون فخورة بنا» (شعار الشركة)، فقد قامت هذه الآلة التي اطلق عليها «كونيكشين ماشين» بعرض فعالية «المعالجة المتوازية»، التي هي اساس الحسابات الكومبيوترية الحديثة المتفوقة. واليوم يشغل داني هيلز كرسي الرئاسة المشارك لـ «أبلايد مايندس» وهي شركة للتصميم والابتكارات، حيث يقوم فيها بتشييد «كلوك أوف ذي لونغ ناو» وهي جهاز لقياس الوقت، الغرض منه أن يدوم في عمله لفترة 10 الف سنة من الآن!.

* ذكاء صناعي لماذا يكون الذكاء الصناعي بمثل هذه الصعوبة؟، يقول هيلز: «نحن ننظر الى عقولنا ونراقب نمط تفكيرنا الواعي، ومنطقه، وتخطيطه، والقيام بالقياسات التناظرية، ونفكر ونقول لأنفسنا، هذا هو التفكير، وهو في الواقع الجزء الظاهر فقط من جبل الجليد الكبير والعميق جدا». ويضيف في حديث لمجلة «تكنولوجي ريفيو»، التي يصدرها المعهد، «انه عندما شرع باحثو الذكاء الصناعي الأوائل في اعمالهم الأولى، افترضوا ان المشاكل المعقدة ما هي إلا امر شبيه بلعبة الشطرنج، ويماثل عملية النجاح في امتحانات التكامل والتفاضل الحسابية. إلا انه تبين ان مثل هذه الأمور سهلة، لكن انواع التفكير التي كانت لا تتطلب جهدا، كالتعرف على الوجوه، او ملاحظة ما هو المهم في قصة ما، تبين انها هي الصعبة جدا».

وفي ما يتعلق بالسؤال: لماذا فشلت الآلات والأجهزة المفكرة في انتاج آلة مفكرة؟، يعلق هيلز بقوله ان الجواب الطبيعي لذلك هو «اننا لا نملك الوقت الكافي لذلك. والوقت هذا قد يعني عقودا وحياة بطولها. انها مشكلة عويصة، لا بل مشكلات عويصة عديدة، ونحن لا ندري كيف نحلها. وفي الواقع لا نملك جوابا علميا شافيا عن السؤال العظيم: ما هو العقل؟».

وفي ما يخص آلة «كونيكشن ماشين»، وما اذا كانت منصة فعالة للعمليات الكومبيوترية المتفوقة، واسباب عدم نجاح شركة «ثينكينغ ماشينزز»، كشركة للكومبيوترات المتفوقة، يجيب هيلز بقوله: «تبين أن عمليات الكومبيوتر المتفوقة هي تقنية وليست عمليات أعمال وتجارة. ومرة ذكر لي صديقي ناثان مايهرفولد الذي كان يدير مركز ابحاث مايكروسوفت حينذاك، انه من الصعب انتاج برمجيات للكومبيوتر المتفوق، كما هو الحال للكومبيوتر الشخصي («بي سي») العادي، لكن سيكون لك بضعة آلاف من الزبائن فقط، في حين سيكون لنا زبائن بالمليارات. ليس هذا فحسب، بل ان كل واحد من هؤلاء الزبائن يتوقع ايضا أن اعطيه بالضبط ما يحتاج».

وكانت التطبيقات التجارية الناجحة للبحوث التي أجريت في «ثينكينغ ماشينز» في اغلبيتها تصاميم رقاقات وشرائح الكترونية، وبرامج للتنقيب عن المعلومات، والبحث عن النصوص، وعمليات الترميز، وكيمياء العمليات الكومبيوترية، وعمليات الغرافيكس الكومبيوترية، وعمليات التطويع والملاءمة المالية، والمعالجات الزلزالية، ونماذج دفق السوائل. وكانت التطبيقات العلمية مثل الفلك، ونمذجة الطقس، مثيرة عندما كانت تساعد في اعطاء نتائج على صورة مواضيع غلاف على مجلة «نيتشر»، لكننا لم نحقق أي مداخيل، أو ارباحا منها.

وبالنسبة الى براءات الاختراع التي حصلت عليها «ثنكينغ ماشينز»، التي كانت أكثر من اي جهة اخرى مسؤولة عن عمليات الموازاة الكبيرة، فإنه حصل نتيجتها على تقدير واعتراف، لكن ليس على الصعيد المالي، رغم انه كان واحدا من العديدين الذين ساهموا في تطوير العمليات الكومبيوترية المتوازية الكبيرة.

* فلسفة العقل وحول فلسفته المتعلقة بالذكاء الصناعي واختلافها عن فلسفة مارفن مينسكي الشهيرة «مجتمع العقل»، يقول هيلز مارفن: «انه معلمي، لذا فإن اي فلسفة لدي عن الذكاء الصناعي بدأت من عنده. لقد كنت أعيش في الطابق تحت الأرضي في منزله عندما كان يكتب كتابه (مجتمع العقل)».

لكن إن كان هدف الكتاب القول إن «الدماغ هو برنامج أخرق؟»، كما يصفه مارتن «فإنني أرى ان هناك الكثير من الأشياء المختلفة التي تحصل، والتي تتفاعل مع بعضها بعضا بأساليب معقدة. ومما لا شك فيه أن مارتن مخطئ في العديد من التفاصيل، لكنني اعتقد ان الصورة الكبيرة للعديد من الأساليب والعمليات المختلفة شبه المستقلة، المرتبطة بعضها بعضا برباط ضعيف، هي صحيحة في الأساس».

هل كان هيلز حقا الأول في زمانه في تطبيق الحسابات والعمليات الكومبيوترية على نظام المناعة والمورثات والبايولوجيا العصبية؟، وماذا يرى اليوم في تغلغل العمليات الكومبيوترية اليوم في كل مكان في عالم البيولوجيا؟.. يجيب الباحث: «لقد شعرت بالإثارة، لان البيولوجيا الكومبيوترية باتت شيئا فعليا، وهي تبدو كما كان شأن الكومبيوتر في عام 1970. ان كل الأشياء تبدو ممكنة والعائق الوحيد هو خيالنا. ولا تزال هناك الكثير من الأسئلة الأساسية البسيطة التي تفتقر الى جواب: كيف يجري فك رموز الذكريات مثلا؟ وكيف يكون لنظام المناعة احساس بالذات؟»، ويضيف انه مهتم بشكل خاص بنتيجة ما سيتأتى عن النماذج الكومبيوترية للنشوء والارتقاء.. «رغم ان عليّ ان أقر ان الحقل هذا بات متجمدا في مكانه في الوقت الراهن.. وجميع النماذج الحالية من التطور والارتقاء تخفضه الى نوع من حسابات البحث العشرية الضعيفة جدا». لكنه يشعر دائما ان هناك الأكثر من ذلك. وهذا ليس مرده الى ان علماء البيولوجيا مخطئون حول هذه الآليات، لكن لأن النماذج هذه هي أكثر بساطة من البيولوجيا ذاتها.. «ربما المفتاح هو ذلك التفاعل بين التطور والارتقاء، أو حتى السلوك والبيئة، أو ما يشبه ذلك».