برامج كومبيوترية أطاحت بحاكم ولاية نيويورك السابق

تطبيقات لرصد التحويلات المالية كشفت علاقاته المشبوهة

تعقب آثار الأموال (كي آر تي)
TT

اذا كان ثمة درس يمكن استخلاصه من فضيحة حاكم نيويورك السابق إليوت سبيتزر وسقوطه المروع بسبب فضائح ارتباطه بشبكة للدعارة، الى جانب الاشياء الاخرى المعروفة عنه، فهي ان المصارف باتت تولي اهمية كبيرة، حتى بالنسبة الى اصغر الصفقات الخاصة بالزبائن. وقد تم رصد سبيتزر بعد كشف برامج كومبيوترية لتحويلات مالية اجراها لحساب تلك الشبكة المشبوهة.

ولهذا يمكن لنا ان نوجه الشكر الى برنامج عصري جدا، والى الضغوطات الحكومية التي تلت احداث 11 سبتمبر 2001 في اميركا، الخاصة بالعثور على اي دلائل تتعلق بغسيل الاموال وتبييضها والتمويلات الخاصة بالعمليات الارهابية. ويقول الخبراء ان جميع المصارف الكبرى، وحتى الصغيرة منها تشغل برنامجا مضادا لغسيل الاموال والذي يقوم بتمشيط ما يقارب 50 مليون صفقة أو عملية مالية يوميا بحثا عن اي شيء غير اعتيادي. واستنادا الى التقارير الصحافية التي تناولت قضية سبيتزر، فإن ثمة ثلاث عمليات لنقل مبالغ من المال عبر الهاتف تبلغ قيمة كل منها 5000 دولار، هي التي اطلقت جرس الانذار. والذي نبه المراقبين اكثر الى ذلك، هو انه كان شخصية سياسية مرموقة. لكن وحتى اكثر النشاطات دنيوية وتواضعا الخاصة بالمواطنين العاديين، فإنها تعطى الدرجة ذاتها من الاهمية على صعيد التدقيق والتمحيص.

* استراتيجيات مضادة

* «ويبدو ان جميع المصارف الكبرى لها مثل هذه البرمجيات»، كما يقول بيت بالينت المؤسس المشارك لمجموعة «دومينون ادفايزوري غروب» التي تساعد المصارف على تطوير استراتيجيات مضادة لغسيل الاموال وتبييضها وعمليات الغش. «واستنادا الى حجم هذه العمليات فقد يصل عدد الانذارات الى الالاف شهريا» على حد قوله. واغلبية هذه الانظمة تتبع قوانين واحكاما بسيطة، وهي البحث عن الامور غير الاعتيادية، التي تطلق بدورها عملية مسح شامل. وتقول شركة البرمجيات «ميتافانتي» ان برنامجها على سبيل المثال يحتوي على اكثر من 70 من افضل الاجراءات المتبعة التي تغطي تشكيلة واسعة من انواع الصفقات التي تتراوح بين ايداع الاموال الى شراء بوليصات التأمين. وابسط هذه الاحكام قد تكشف عن صفقات مالية كبيرة، او صفقات متعددة في اليوم الواحد.

وفي قضية سبيتزر افادت صحيفة وول ستريت جورنال عن ثلاث دفعات منفصلة بقيمة خمسة آلاف دولار لكل منها، جرى تحويلها برقيا، قد يكون من المحتمل انها اطلقت واحدة من هذه الاحكام من دون الرجوع الى المزيد من الاجراءات المعقدة. والمصارف في مثل هذه الحالات تكون متأهبة لمثل هذا النشاط المريب. وكانت صفقات سبيتزر تطابق بالتأكيد مثل هذه الحالات، كما نقلت مجلة «تكنولوجي ريفيو» التي يصدرها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا عن دايف ديمارتينو نائب رئيس شركة «ميتافانتي». وكانت تقارير الصحيفة قد تعرفت على مصرف «نورث فورك» في نيويورك المملوك من قبل «كابيتال وان»، وهو المصرف الشخصي لسبيتزر. وكانت ناطقة بلسان المصرف قد رفضت تعريف اي البرمجيات المضادة لغسيل الاموال الذي يستخدمه المصرف.

لكن المصارف ودوائر الامن تبحث ايضا عن الامور التي لا يمكن توقعها، او التنبؤ بها. وهذه الامور المجهولة لا يمكن كتابة قوانين واحكام خاصة بها، «فاذا كنت تكتب السيناريوهات فقط، فإنك لن تجد اشياء لا تعرفها» كما يقول مايكل ريسي كبير العلماء في شركة «فورتنيت»، احدى الشركات البارزة ايضا التي تسوق الانظمة المضادة لغسيل الاموال، «إذ ان نحو 60 في المائة من الامور التي يعثر عليها زبائننا هي من الامور التي يعرفونها. أما الباقي فلا يعرفونها».

* رصد الانحرافات

* والاسلوب الابسط للتعرف على الامر غير المتوقع، هو ان يكون مخالفا للروتين. فالشخص الذي يودع عادة حوالتين نقديتين شهريا لمدة سنتين قد يستقطب الاهتمام، اذا ما قام فجأة بايداع حوالتين كبيرتين خلال اسبوعين على سبيل المثال.

ولكن تقوم مجموعة البرمجيات هذه ايضا بتجميع الزبائن والحسابات الشخصية في «سير شخصية» لها علاقة، او في «مجموعات متكافئة» بغية تأسيس خطوط اساسية عريضة خاصة بالسلوك العام. وبعض البرمجيات قد يجمع معا ايضا جميع حسابات الكشف الخاصة التي يقل رصيدها عن 15 ألف دولار، او الحسابات التجارية التي يقل عائدها الاجمالي عن 100 ألف دولار شهريا. وبعضها قد يذهب ابعد من ذلك جامعا جميع الحسابات التجارية، حتى تلك التي تتعلق بمرافق تنظيف الملابس والشركات الاستشارية.

وبمقدور مجموعات البرامج المعقدة ان تصنف الاشخاص، او الحسابات وفقا الى فئات متعددة في وقت واحد. فقد تجري مقارنة زبون واحد الى الآخرين من المدرسين، او الى الاشخاص الذين يتعاطون مع فرع واحد محلي لاحد المصارف، او الى الاشخاص الذين يملكون دخلا ثابتا كالمعاش الشهري مثلا.

ويجري تحليل كل فئة لتقرير نمط السلوك العادي، اذ يجري تمحيص ومسح كل صفقة من الصفقات التي يقوم بها الزبائن في هذه الفئات، بل الصفقات التي تعود حتى الى سنة خلت بحثا عن دليل لانحراف عن النمط العادي، عن طريق استخدام اجراءات معينة مثل رقم الصفقات وحجمها وتكرارها من بين اشياء اخرى.

وعما اذا كانت تجري الاشارة الى حصول نوع من الانحراف، فإن ذلك يعتمد جزئيا على سجل تعرض الزبون الى الخطر، وأمر انكشاف ذلك وفقا الى المعيار الذي وضعه المصرف، استنادا الى مهنة الزبون وعمله، وموقعه الجغرافي، والتفاصيل الشخصية الاخرى. فمعلمة مدرسة متقاعدة عاشت طوال حياتها في ضواحي مينابوليس قد تملك سجل خطورة اقل بكثير من رجل اعمال من صقلية يبلغ من العمر 42 سنة ويعمل في ميدان الاستيراد والتصدير على سبيل المثال. اما الاشخاص المعرضون سياسيا كما يدعونهم، كالسياسيين مثلا، والمديرين التنفيذيين الكبار، والقضاة، فإنهم يتلقون اوتوماتيكيا مستوى اعلى من المسح والتدقيق.

ويملك كل مصرف مجموعة من الاشخاص الذين يقومون شخصيا بمسح وتمحيص جميع الصفقات التي جرت الاشارة اليها. وأغلبية هذه التحذيرات تمثل سلوكا مقبولا، ولا يمكن عمل اي شيء بخصوص ذلك. فاذا قامت معلمة المدرسة تلك من مينابوليس ببيع منزلها على سبيل المثال، فان سعر المنزل الذي قبضته على شكل دخل يظهر انحرافا عن النهج العادي لمجموعتها من الاشخاص المتوازيين والمتكافئين معها في المرتبة. لكن المحقق في المصرف سيقدر تماما ان الامر لن يحتاج الى مزيد من المتابعة. «المصارف لن ترغب بان تكون في موقع التبليغ عن زبون من دون سبب وجيه» على حد قول أيدو افر نائب قسم ادارة المنتوجات في «أكتيمايز» المؤسسة الاخرى الكبيرة التي تسوق البرمجيات المضادة لغسيل الاموال، «فهي، اي المصارف، لن ترغب في الكشف عن صفقات ما لم تكن موضع شبهة فعلية لها اساس».

* تقارير مصرفية

* في اي حال اذا لم يتمكن المراجعون او المحققون في المصرف من شرح نشاط ما، فانهم في هذه الحالة سيرفعون تقريرا رسميا عن نشاط مشبوه مع نص مدون يصف هذه الصفقة الى مكتب خدمات العائدات الداخلية، والى شبكة مناهضة الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الاميركية Fin Cen وهي المجموعة الاتحادية المسؤولة عن الاشراف الاداري على قانون سرية المصارف الصادر عام 1970.

وتجري مراجعة اغلبية تقارير النشاطات المشبوهة في نهاية المطاف من قبل الفرق المحلية من المحققين التابعين الى وكالة التحقيقات الاتحادية (إف بي آي) وغيرها من الوكالات الامنية الاميركية، ومكتب المدعي العام الاتحادي، لكن التقارير ترسل ايضا الى قاعدة المعلومات الخاصة بقانون سرية المصارف، التي تتوفر ايضا للوكالات الاتحادية المخولة فرض القوانين. وبمقدور محققي الوكالة هناك البحث عن اسماء معينة وارقام حسابات وغيرها من التفاصيل كالأرقام الهاتفية للتأكد مما اذا كان الاشخاص الذين هم هدف تحقيقاتهم قد أثاروا اهتماما ما، او سجلوا اشارة مالية ما تلفت النظر.

ويقول ستيف هيوديك الناطق بلسان Fin Cen ان برنامج التحليل الاوتوماتيكي للانماط يستخدم ايضا في قاعدة المعلومات الخاصة بقانون سرية المصارف بغية الكشف عن انماط من النشاطات او الصلات بين الافراد التي قد يغفلها البشر. لكنه رفض الكشف عن البرنامج الذي يستخدمه Fin Cen.

ومع تزايد تعقيدات البرامج وقيام الحكومة الاميركية بممارسة المزيد من الضغوط لرصد النشاطات المشبوهة، فان عدد تقارير النشاطات المشبوهة قد ارتفع بصورة كبيرة. ففي عام 2000 رفعت المصارف وحدها (وليس المؤسسات الامنية او الكازينوهات) 121505 من تلك التقارير. وفي عام 2006 رفعت 567080 تقريرا. وفي نهاية يونيو الماضي، وهو الشهر الاخير الذي توفرت فيه مثل هذه الارقام، كان العام الماضي 2007 في طريقه الى تسجيل رقم قياسي جديد.

ويقول التقنيون ان برمجيات المستقبل ستكون حتى افضل من الحالية في الكشف عن الانماط غير الاعتيادية وتحليل الشبكات الاجتماعية للافراد والدخول في قواعد المعلومات الواسعة التي تملكها شركات مثل «ليكسيس نيكسيس» و«تشويس بوينت»، وبالتالي استخدام مثل هذه المعلومات الخارجية للمساعدة في تقرير وضع الصفقات الخاصة بالزبائن. وقد يكون مثل هذا الامر كابوسا في ما يتعلق بالتعدي على الخصوصيات، لكنه يساعد في الحفاظ على سلامة المصارف من عمليات الغش والغرامات التي قد تتبعها. ويعلق ريسي من فورتينتس بقوله «لقد شرعنا في الوصول الى لب المشكلة في كيفية هضم كميات كبيرة من المعلومات التي يحاول بعض الاشخاص الاختباء داخلها».