استخدام تقنيات الكومبيوتر في التعليم... آفاق أرحب وفوائد كبرى

TT

يكثر الحديث في أيامنا هذه عن ما تأتي به تقنية المعلومات من تغيير في كيفية ممارسة حياتنا اليومية، وتتضارب الآراء حول هذه التغييرات. فمنها ما هو مشجع لدخول التقنية ومنها ما يعارضها تماما، وهناك من هم بين الرأيين ومن يتحفظون على منافع التقنية في حياة الانسان اليومية. واليوم، نرى أن التقنية تقتحم أهم مؤسسات بناء المجتمع أي مؤسسات التعليم. فما عادت التقنية مادة تدرس في الصفوف، بل أصبحت أسلوباً من أساليب التدريب والتعليم تتبعها الشركات في تدريب موظفيها والجامعات في تدريس طلابها. وأسلوب التعليم عبر التقنية أو Technology Based Training (TBT) هو أسلوب جديد تتبعه شركات وجامعات المنطقة في نقل المعلومة للطلاب والموارد البشرية العاملة على السواء. ويقوم أسلوب التعليم عبر التقنية بنقل المعلومات للطالب أو المتدرب، ليس عبر الصف والاستاذ وجها لوجه، بل عبر برنامج كومبيوتر يضم المنهج المراد تعليمه. فمثلا، تقوم شركات كبرى مثل «موتورولا» و«بروكتور آند غامبل» و«إن.سي.آر» وغيرها بتدريب موظفيها على مختلف المواضيع عبر هذه البرامج. فبعد تحديد متطلبات العمل، تقوم الشركات بشراء أو تطوير المواد التدريبية على شكل برامج يستطيع المتدرب الدخول إليها عبر شبكة الانترنت أو الانترانت اذا وجدت، في أي وقت يشاء وأين ما كان. ثم تقيم هذه البرامج المتدرب وتحدد له ما ينقصه من المعلومات، اضافة الى امتحانه بعد انتهاء التدريب، وبالتالي تكون عملية التدريب كاملة متكاملة عبر التقنية. وبنفس المنطق، تطبق عملية التدريب عبر التقنية في الكثير من الجامعات والمدارس في العالم، فلا يحتاج الطالب للحضور لمكان التدريس بل يكتفي بالدخول إلى البرامج التي تعطيه المنهاج والتطبيقات المطلوبة لنجاحه. وبينما تكبر هذه الصناعة في العالم بحوالي 13 في المائة حسب دراسة نشرتها مؤسسة IDC المتخصصة بأبحاث السوق في العام الماضي، يكبر معها عدد الشركات التي تقدم البرامج التعليمية عبر البرمجيات ومنها شركة «نت.جي» (NetG) التي حققت نموا في العام الماضي قدر بحوالي 33 في المائة. ويذكر أن دار الهندسة في بيروت كانت قد وقعت في الأسبوع الماضي عقدا مع شركة «نت.جي» للبرمجيات التعليمية والتدريبية لتزويد الدار بثمانية عشر برنامجا تعليميا، وذلك من خلال المكتب التمثيلي «غلف تك» في بيروت لشركة الخليج للحاسبات. وستقوم «غلف تك» بتركيب البرمجيات التعليمية على شبكة الشركة الداخلية. حيث ستكون هذه البرامج بمثابة المنصة التعليمية التي تقدم مختلف متطلبات التدريب لموظفي دار الهندسة. و«نت.جي» شركة عالمية تقوم بتزيد الشركات والمؤسسات التعليمية بمناهج التعليم عبر التقنية، حيث توزع برامجها على مستوى العالم عبر شركاء يتولون مهمة التسويق وخدمة ما بعد البيع لهذه البرامج اضافة الى تشكيل الصلة بين الشركة الأم والأسواق المحلية. وفي الشرق الأوسط، تقوم شركة الخليج للحاسبات والتي يقع مركزها في أبو ظبي فى الامارات، بتسويق البرامج للشركات والمؤسسات التعليمية في لبنان والامارات والأردن، ويزعم المسؤولون عن هذا القطاع أن حصة «نت.جي» في السوق العربية تصل الى 80 في المائة من السوق. وسألت «الشرق الأوسط» معتز سلامة أحد المسؤولين عن منتجات «نت.جي» في الشركة عن مدى تقبل الشركات والمؤسسات التعليمية في المنطقة لتحديث أساليب التعليم والتدريب وادخال التعليم عبر التقنية في المؤسسات فقال «بدأت الخليج للحاسبات تسويق حلول «نت.جي» التعليمية في أوائل التسعينات، ولم تتجاوب الأسواق وقتها لهذا التغيير النوعي في أساليب التعليم والتدريب، أما اليوم، فقد تغير السوق تماما، بسبب ازدياد الوعي بأهمية التقنية وفوائدها في التعليم، فاليوم لدينا العديد من اكبر شركات المنطقة والمؤسسات التعليمية التي تقدم لموظفيها وطلابها فرصة التعليم عبر التقنية، ومنها طيران الامارات وبنك دبي التجاري وبنك المشرق وبنك لبنان المركزي و«أدنوك» والجامعة الأميركية في دبي».

وسألنا سلامة عن الأمور التي تعيق انتشار التعليم عبر التقنية في الوطن العربي فقال «ان أهم عائق اليوم لانتشار أسلوب التعليم عبر التقنية في بلادنا هي ثقافتنا. فمن الصعب على الأهل والمديرين الذين اعتادوا منذ الصغر ومنذ عشرات السنين على أسلوب المدرسة والصفوف والتدريب وجها لوجه، أن يتحولوا اليوم لجهاز الكومبيوتر لتلقي المعلومات، ومن الصعب اقناعهم بفوائد هذه الأساليب الحديثة». وعند سؤال سلامة عن كيفية مواجهة هذه العقبات قال «ان أهم أساليب الاقناع هي التجربة. فاذا كانت الشركات الكبرى والجامعات قد ابتدأت في تبني أساليب التعليم عبر الكومبيوتر فان هذا دليل على تجارب ناجحة ومقنعة».

وسألنا سلامة عن ما يستفيد منه الطالب أو المتدرب من التعليم عبر التقنية وان كان هذا الأسلوب موازيا للأسلوب التقليدي في التعليم فأجاب «ان الهدف من التعليم عبر التقنية هو ليس فقط توصيل المعلومات وترسيخها في ذهن الطالب أو المتدرب فحسب، بل وتقديم نوع جديد من الخبرات في التعليم، واعطاء الطالب والمتدرب الحرية في انتقاء الوقت والنوعية في المعلومات. فمثلا، يستطيع المتدرب التغاضي عن الدروس التي يعرفها والتركيز على المعلومات التي تنقصه وبذلك يكسب المزيد من الوقت، ويستطيع أيضا اعادة الدرس اكثر من مرة الى أن يستطيع استيعاب المعلومة كاملة، وهذا ليس الا عددا قليلا من المنافع. أما بالنسبة للمؤسسات التعليمية والشركات التي تتبع هذا الأسلوب في التعليم، فانها تقدم لطلابها وموظفيها وسيلة مرنة تلائم متطلبات اليوم. فالطلاب العاملين مثلا يستطيعون متابعة دراساتهم بسهولة، والشركات تستطيع الاستفادة من مواردها المادية لتقديم أساليب مرنة في تدريب موظفيها». أما عن مدى ملاءمة مناهج «نت.جي» لطلاب وشركات المنطقة وخصوصا من ناحية اللغة فقال «تكمن المرونة في هذه البرمجيات في امكانيات دمج الدروس في بعضها البعض لتعطي الطالب أو المتدرب الدروس التي تطابق متطلباته. ومن ناحية اللغة، فان تطبيقات «نت.جي» التعليمية تأتي باللغة الانجليزية والعديد من اللغات الأخرى. أما بالنسبة للغة العربية، فقد بدأت الشركة أخيرا بتعريب المواد في الولايات المتحدة وستقوم باطلاقها في أسواق الشرق الأوسط في العام 2002». ويجدر بالذكر أن لائحة شركاء الشركة العالميين تضم «أوراكل»، و«مايكروسوفت»، و«أي.تي أند تي» وجامعة «برونل» وغيرها، حيث انهم يعملون مع «نت.جي» في تطوير المناهج. وعند سؤال سلامة عن تكلفة تقديم التعليم عبر التقنية في الجامعات والشركات قال «تتراوح التكاليف حسب توفر البنى التحتية التي تتطلبها هذه البرامج وإن كانت ليست بقليلة. لكن العائد من تبني هذه التقنية في التدريب ليس بقليل كذلك».

ويبقى السؤال الأهم عن مدى تأثير التعليم عبر التقنية على المستقبل المهني للمدربين والأساتذة وعلى فرصة عملهم في المستقبل حيث يعلق سلامة قائلا «من الممكن أن يحدث هذا في بعض الشركات كبنك الامارات على سبيل المثال، حيث يعتمد المسؤولون على برامج «نت.جي» لتدريب موظفيهم. ولا أعتقد أن هذا ما سيكون عليه الحال في المؤسسات التعليمية، حيث الاعتماد الأساسي يكون على الأستاذ، أما التعليم عبر التقنية فهو يقدم القيمة المضافة للطالب، التي تكمن في استطاعته الرجوع الى المواد وقتما يشاء، وهي أيضا ذات قيمة للأستاذ وذلك لأنه يستطيع عبر هذه التقنية الرجوع الى ملف الطالب ومعرفة المراحل التي وصل اليها وسرعته في التقدم».