سرقة الهويات والمعلومات.. عمل عشوائي لا سطو متعمد

المصارف تتكبد خسائر فادحة لتعويض الضحايا

TT

غالبا ما تبدو سرقة الهويات عملا عشوائيا أكثر منها عملية سطو متعمد على الأسرار الشخصية للضحية. لكن بينما يشعر المستهلكون بالضرر الناجم عن سرقة المعلومات والبيانات الخاصة بهم، وما تسببه من إزعاج وغضب كبيرين، فإن مصارفهم هي التي تدفع الثمن عادة.

هذا ما كشفت عنه النقاب أخيرا دراسة خاصة بسرقة الهويات قامت بها مؤسسة «جافلن للأبحاث» المتخصصة في التحاليل. وكانت الدراسة هذه التي استطلعت آراء خمسة آلاف أميركي في العام الماضي حول تجاربهم مع سرقة الهويات، قد قدرت أن مثل هذه الأعمال قد كلفت نحو 54 مليار دولار في العام الماضي، بارتفاع كبير عن مبلغ الـ48 مليار دولار الذي قدرته للعام الذي سبقه. وكان سبب هذه الكلفة العالية العدد الكبير من حوادث الغش التي شملت 11.2 مليون مستهلك في العام السابق، مقارنة بـ9.9 ملايين للعام الذي سبقه.

* نجاحات نسبية

* لكن المفاجأة التي تفوق الكلفة الإجمالية لسرقة الهويات هو تمكن الضحايا من المستهلكين استرداد الكثير من خساراتهم مقارنة بالسنوات الماضية. وكمعدل عام، فقد خسر المستهلك الذي سرقت منه المعلومات والبيانات نحو 375 دولارا في العام الماضي، أقل من الـ498 دولارا التي خسرها في العام الذي سبقه، والـ720 دولارا في العام 2007.

يعني هذا أن الخدمات المالية تقوم بامتصاص القسم الأكبر من خسائر عمليات الغش والاحتيال، كما يقول رئيس شركة «جافلن» جيمس فاندايك في حديث لمجلة «فوربس» الأميركية، «فالأعمال تنمو فعلا، حتى لو ارتفعت نفقات تخفيف عمليات الغش التي جعلت خسائر الضحايا مبالغ ضئيلة لا تُذكر».

ويقول فاندايك إن الزيادة في عمليات الغش سببها الجزئي على الأقل الصعوبات الاقتصادية والبطالة، «فإذا داهمك اليأس، تندفع إلى القيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية التي تسنح بها الفرص من وقت إلى آخر».

أما لماذا تكون المصارف مستعدة لتغطية النسبة الكبيرة من تكاليف عمليات الغش هذه، فلأنها - كما يفترض فاندايك - تحاول التعامل وإيجاد الحلول لمسائل أمن المعلومات للمستهلكين الذين ينفد صبرهم، وقد تخسرهم كعملاء. واستنادا إلى بحث أجرته «جافلن» فإنه في حالة واحدة من كل خمس حالات، تقوم الضحية بتغيير المصرف الذي تتعامل معه، «واكتساب عميل جديد قد يكلف مئات الدولارات، وباتت المصارف أكثر حساسية تجاه كلفة فقدان عميل مثل هذا»، وفقا لفاندايك.

ولا يتوقف الأمر على مجرد قيام مؤسسات الخدمات المالية بتسديد كلفة العمليات الناجحة لسرقة الهويات فحسب، بل تعاني أيضا الخروقات الأساسية للبيانات والمعلومات التي تفضح الآلاف، بل الملايين من المعلومات الشخصية للعملاء. وفي العام الماضي 2009 كبّدت الخروقات التي استهدفت المعلومات مؤسسات الخدمات المالية 6.75 مليون دولار، مقارنة بـ6.65 مليون دولار للعام الذي سبقه، استنادا إلى دراسة أعدها معهد «بونيمون» نُشرت الشهر الماضي.

وشكّل فقدان العملاء غالبية هذه الخسائر، ومن بين تلك التي أحصتها «بونيمون»، احتمال فقدان مؤسسات الخدمات المالية للعملاء إثر خرق ما، أكثر ما تفقده المؤسسات والصناعات الأخرى العاملة في مجال التقنيات والبيع والتسويق. وهذا ما يمثل أخبارا سيئة لمؤسسات الخدمات المالية، بما في ذلك شركتا «وورلد باي» التابعة لـ«رويال بانك أوف سكوتلند»، و«هارتللاند بايمنت سيستمس»، اللتان قضتا العام الماضي كاملا تحاولان ترميم الضرر الذي أعقب قيام اللصوص بالسطو على ملايين المعلومات التي تخص عملاءهما.

* إخفاقات الأفراد

* لكن الأرقام التي كشفت عنها «جافلن» تمثل اتجاها مزعجا آخر، كما يقول لاري بونيمون رئيس مؤسسة «بونيمون»، فلأن المصارف تقوم بدفع القسم الأكبر من التكاليف الناجمة عن سرقة الهويات، فقد لا يشعر المستهلكون بالمسؤولية حول منع عمليات الغش ودرئها، وبالتالي فقد يتفادون الخطوات البسيطة المؤدية إلى الحفاظ على تحديث البرمجيات المضادة للفيروسات بشكل دائم، ومن ثم الكشف على البيانات المصرفية بحثا عن صفقات مشبوهة، أو غير عادية. وهذا قد يؤدي إلى رسوم عالية يُضطرّ جميع العملاء إلى تحملها عندما يقوم المصرف بتحمل كلفة الخسائر وفقا لـ«بونيمون»، «فما دامت المؤسسات تقوم بتسديد النفقات، فلا يوجد عند ذاك الحافز بالنسبة إلى الفرد لتحمل المسؤولية، مما يعني ضريبة كبيرة على جميعنا»، كما يضيف.

غير أن فاندايك يقول إن المستهلكين ليسوا في الواقع مهملين بالنسبة إلى معلوماتهم وبياناتهم الشخصية لأن المصارف تقوم بالتسديد نيابة عنهم، فحتى في المواقف التي تتعهد فيها شركة بطاقات الائتمان بتحمل تكاليف عمليات الغش، يظل للعملاء نوع من الشعور المتوارث للحفاظ على الخصوصيات، «فقد وجدنا أن الأفراد يقومون فعلا بحماية هوياتهم الشخصية، لأنهم تعتريهم درجة عالية من الخوف والغضب عندما يتعرضون للسرقات، حتى لو لم يترتب عليهم دفع أي كلفة، وكانت مسؤوليتهم صفرا»، على حد قوله.