الخرائط الرقمية وصور الشوارع المفصلة.. مصدر خطر على الخصوصيات

بنقرة واحدة يمكن الحصول على سيل وفير من المعلومات

TT

كيف نستطيع أن نجاري العيش في عالم تتوافر فيه الكثير من البيانات عن طريق نقرة واحدة من الماوس؟ فالمشاركة بالصور وخدمات الخرائط الرقمية مفيدة جدا لأولئك المتجولين والمسافرين، ومربحة بالنسبة إلى المعلنين الساعين إلى الإعلانات المرتبطة بالأماكن والمواقع. لكن كمية المعلومات والبيانات، وجودتها والتواصل معها، تثير الأعصاب. وبمقدور المجرمين الوصول أيضا إلى البيانات هذه التي يجري التشارك بها.

والخرائط الرقمية والتصوير الفوتوغرافي قد يقرب العالم بعضه من بعض. لكن المشكلة بالنسبة إلى بعض الناس تكمن في أنه قريب من بعضه جدا جدا، فبينما يرى المسافرون في ذلك مجالات واسعة لتعقب الوجهات التي يقصدونها، يرى مناصرو الحماية في ذلك تلصصا وتعديا على الخصوصيات. وهذا الاتجاه لا يزال سائدا ومستمرا.

* خدمات مفيدة

* وبينما ينشر هواة التصوير صورهم على خدمات مثل «فليكر»، تنصب وكالات السياحة كاميرات الشبكة (ويبكام) على الشواطئ والأماكن المختلفة لإبراز مهرجاناتها وعروضها في الوقت الذي لا يكتفي رسامو الخرائط بإنتاج الخرائط الورقية، بل بوضع مخططات تفصيلية للمدن على الشبكة مدعومة بصور مرتبطة ببعض عناوين الشوارع المعينة. وبفضل «غوغل» ومحرك «بنغ» وما شابههما تشق المزيد من الصور دائما طريقها إلى الشبكة التي يمكن عرضها عن طريق نقرة واحدة.

وواضح جدا من هم الذين يستخدمون هذه الخدمات. فالراغبون في تمضية العطلات، الذين أرهقهم النظر والتفتيش عبر الكتيبات السياحية الدعائية، قد يفضلون النقر على كاميرا «ويبكام» للتأكد بأنفسهم ما إذا كان هناك «ديسكو» قريب، أو شاطئ للسياحة قريب، كما هو معلن عنه. أما الأشخاص الراغبون في الانتقال إلى أمكنة أخرى فيمكنهم الكشف رقميا على من سيكونون جيرانهم من دون مغادرة منازلهم.

ومثل هذه الخدمات مفيدة لأولئك المتنقلين، فأي شخص يملك هاتفا جوالا بوسائط متعددة يمكن استخدامه لمعرفة اتجاهاته إلى أقرب مطعم يرغب فيه والكشف على لائحة الطعام على الشبكة وهو في طريقه إليه. وحالما يحصل على كل ذلك، يمكن للجوال عند ذاك مساعدته في العثور على جدول مواقيت القطارات للعودة ثانية إلى مكان إقامته.

ويقول رافاييل ليترز المسؤول ن مشروع «ستريت فيو» في أوروبا التابع لـ«غوغل»: «رؤيتنا هي في جمع الإنترنت برمتها في خريطة واحدة». ويقوم هذا النظام بربط المشاهد البانورامية للمنازل الإفرادية بخرائط الأقمار الصناعية. إلا أن هذه الخدمة تعرضت إلى فضيحة تنصت من سيارات هذه الخدمة على شبكات «واي - فاي» لمستخدمي الإنترنت.

وهذه الشركة العملاقة ليست وحدها الراغبة في مشروع مثل هذا. إذ يبدو أن «مايكروسوفت» لها خدمة مماثلة هي «فوتوسينث» التي تعمل في 56 مدينة أميركية. وبمقدور مستخدميها تحميل صورهم، أو شرائط الفيديو البانورامية وربطها بالموقع المنشود وجعلها متوافرة بشكل عام فقط لمجموعة الأصدقاء. وهذه أعمال مربحة لكون الإعلانات التجارية قرب المواقع، التي يجري البحث عنها، هو ربما مستقبل الملاحة.

* استخدامات مشبوهة

* لكن كمية هذه البيانات والمعلومات على صعيدي الكمية والنوعية قد تجعل البعض متوترا وعصبيا. فليس طلاب العطل وأولئك الراغبون في الانتقال ينظرون وحدهم إلى هذه الصور، كما يقول ثيلو ويشيرت موظف أمن البيانات في ألمانيا الذي أضاف «يمكن استخدام مشاهد الشوارع بشكل مختلف كليا، كما هو الحال في مجال العقارات والصيرفة بحيث يمكن عن طريق نقرة واحدة سحب ملفات الاستملاكات الأصلية والتحليلات التأمينية الخاصة بالزبائن». وأقر بأن شركات أخرى تقدم مثل هذه الخدمات، ولكن ليس بمثل هذا التوظيف الجيد.

وبمقدور المجرمين أيضا استخدام مثل هذه الخدمات بغية جمع الأرباح، وهو مصدر قلق آخر. وهكذا وبفضل خرائط الشبكة، لم يعد هناك حاجز يملك قوة كافية لحجب المتطفلين. ومثال على ذلك، هو التقاط كاميرا «ستريت فيو» مركبة على ارتفاع 2.9 متر من مستوى الشارع صورة شخص فلندي يجلس عاريا في منزله على كرسيه الهزاز. والواقع أن حجب وجهه رقميا لم يكن إرضاء كافيا له. وفي بريطانيا، رفعت امرأة دعوة طلاق من زوجها بعدما رأت سيارته متوقفة أمام منزل صديق، في الوقت الذي زعم أنه موجود في مكان آخر.

لكن ويشيرت يحذر من جعل «ستريت فيو» مصدر القلق الوحيد بالنسبة إلى القلقين على الخصوصيات. «فما هو إلا رأس جبل الجليد». ويصر على أن مثل هذه المسائل ليست مجرد رقمية، بل حقيقية. «فعندما تكون صورك أمام منزلك تصبح المسألة حقيقية وأكثر خطورة».

المشكلة هنا إذن هو كيفية التعايش في عالم بمثل هذه الوفرة من المعلومات التي تأتي بنقرة ماوس؟ ثم هناك مسألة الآثار الرقمية التي نخلفها وراءنا على الشبكة، التي ينبغي لنا أيضا أخذها بعين الاعتبار.

والمشكلة تكمن في أن قوانين أمن المعلومات ترجع إلى تاريخ تفكير الناس بأكوام من الورق والمستندات، وربما التنصت إلى المكالمات الهاتفية، وليس إلى ظاهرة الإنترنت في يومنا هذا التي لا توجد ثغرة واحدة فيها.