كيف تجذبك المواقع الإلكترونية.. للبوح بخصوصياتك؟

تصمم بملامح غير رسمية وتطعم بصياغات لغوية للإيقاع بهم

TT

وجد باحثون في جامعة كارنيغي ميلون الأميركية أن مظهر موقع الشبكة يؤثر تأثيرا كبيرا على كيفية قيام الأشخاص النزيهين بالإجابة على الأسئلة الشخصية التي يطرحها الموقع عليهم. وعلى النقيض من ذلك، تبين أن من المحتمل أن يقوم المتصفحون بإفشاء أسرارهم على مواقع الشبكة التي تبدو أقل شهرة. كما وجد الباحثون أن الأسلوب الذي يقوم موقع إلكتروني بصياغة أسئلته به يؤثر كثيرا على رغبة المتصفحين في الإفصاح عن المعلومات.

ولمثل هذه المكتشفات مضاعفات على الخصوصيات في الشبكة، تؤثر على كيفية قيام المسوقين بالتوجه إلى زبائنهم، وعلى كيفية محاولة صانعي السياسات حماية الزبائن من سوء استخدام المعلومات الخصوصية.

* جمع المعلومات

* تقوم الشركات بشكل مستمر بجمع المعلومات عن الأشخاص في الشبكة، إذ تقوم «غوغل» بتخزين مليارات من استفسارات البحث يوميا، في حين تقوم «فيسبوك» بتقصي الاهتمامات والعادات الاجتماعية لملايين المستخدمين. والكثير من هذه المعلومات التي مصدرها الشبكة، تأتي من تعقب سلوك الأشخاص، وإن كان البعض يتطوع بذلك من تلقاء نفسه.

وكان باحثو جامعة كارنيغي ميلون قد صمموا العديد من الاختبارات لتحديد ما الذي يشجع البعض على إفشاء معلوماتهم الشخصية على الشبكة. ويقول أليساندرو أكويستي الأستاذ المشارك في تقنية المعلومات والسياسة العامة في الجامعة: «إننا مهتمون بشكل خاص بالانفصام بين ما يتفوه به الناس حول رغبتهم على صعيد الخصوصيات، وما ننتهي به على صعيد ما نفعله على الشبكة». وكان أكويستي مشتركا في هذا العمل مع طالبة الدكتوراه ليسلي جون، وأستاذ الاقتصاد جورج لوينشتاين.

وكان هؤلاء الباحثون قد وجهوا مجموعة متطابقة من الأسئلة في بحث ينشر في صحيفة «جورنال أوف كونسيومر ريسيرتش» إلى الذين تطوعوا في هذا المشروع مستخدمين ثلاثة مواقع مختلفة من الشبكة. وقد شملت أسئلة مثل: «هل حصل أن قمت أنت بخيانة شريكتك، في علاقة عاطفية»؟ و«هل حصل أن قمت، بقيادة السيارة وأنت متجاوز الحد القانوني في احتساء المشروبات»؟

* تصيد الخصوصيات

* وكان أحد المواقع يعرض شعارا رسميا كما يبدو منظره، مع ألوان رسمية ورصينة. وصمم الموقع الآخر ليظهر طبيعيا. أما الموقع الثالث فقد استخدم ألوانا متوهجة مع حروف أقل احترافا، ورموزا كارتونية تطغى عليها الشقاوة. ووجد الباحثون أن عدد الأشخاص كان ضعف العدد المتوقع الذي أقر بعلاقة غير شرعية، أو نشاطات يمكن التساؤل حولها اجتماعيا، لدى مواجهتهم بأسئلة في الموقع الثالث، الذي هو أقل شهرة على صعيد المظهر. وكان نحو الثلث من جميع هؤلاء المشتركين قد كشفوا عن عناوين بريدهم الإلكتروني، في حين كان نحو نصف هذه العناوين الإلكترونية سهلة التعقب رجوعا إلى هوية الشخص الحقيقية.

وعلى الرغم من أن مثل هذا السلوك قد يكون غير منطقي، إلا أن الباحثين يعتقدون أن المتطوعين الذين خضعوا لاستجواباتهم كانوا ربما تحت تأثير أن تكون المواقع التي تبدو أقل رسمية، أو جدية، هي الأقل احتمالا في أن تفشي أسرارهم أو تفضحهم.

وبمقدور المسوقين أن يروا في مثل هذا السلوك مؤشرا جيدا، استنادا إلى أكويستي. فقد يتمكنون من استثمار ذلك عن طريق تصميم مواقع للشبكة تشجع زائريها على إفشاء المزيد من المعلومات، على الرغم من أن المواقع التي ينقصها الاحتراف هي أكثر احتمالا في أن تفتقد إلى وسائل حماية الخصوصيات، كما أنها أكثر ميلا إلى بيع المعلومات الشخصية إلى مرسلي البريد المتطفل.

* صياغات لغوية

* ولاحظت مجموعة «كارنيغي ميلون» أيضا أن صياغة العبارات قد تؤثر أيضا على كمية المعلومات التي يكشف عنها الأشخاص، أو يبوحون بها. ومثال على ذلك فقد تردد الأشخاص في الإجابة عن سؤال صريح حول ما إذا كانوا قد خرجوا مع أشخاص لإثارة غيرة الآخرين، لكنهم أجابوا بصراحة لدى سؤالهم السؤال ذاته، مع إضافة عبارة «هل تعتقدون أن ذلك أمر غير أخلاقي»؟ ويقول أكويستي إن صياغة عبارات مثل هذه، يمكنها أن تلهي الأشخاص عن الحقيقة في أنهم يبوحون بمعلوماتهم الشخصية من دون أن يدركوا ذلك.

ويضيف في حديث نقلته مجلة «تكنولوجي ريفيو» أن «الدرس المستمد هنا هو أن من الصعوبة علينا ممارسة قضايا الخصوصيات، واختيار الميزان المناسب للكشف عن المعلومات، نظرا لأن مسائل الصياغة من شأنها أن تغير بشكل دراماتيكي ميلنا إلى ذلك». ويقول جوزيف بونيو الباحث في جامعة كمبريدج، الذي كشف أن الشبكات الاجتماعية تحصل على المزيد من المعلومات من مستخدميها لدى طمس ترتيباتهم الأمنية، أن عمل مجموعة «كارنيغي ميلون» هذا يؤسس إلى حقائق مهمة حول كيفية قيام الأشخاص بالكشف عن معلوماتهم، «فقد وثقوها بشكل متين جدا حسب اعتقادي»، على حد قوله، إذ يعتقد أن مثل هذه الاكتشافات من شأنها أن تثبت أهميتها في سياق النظم التي تحدد ما هي المعلومات التي يمكن للمسوقين جمعها من المستخدمين، وكيفية كشف ما سيحدث لمعلومات مثل هذه.

لكن سورين بريباش، وهو باحث آخر في كمبريدج، الذي درس الخصوصيات على الشبكة، يقول إن من مصلحة الشركات غالبا حماية خصوصيات المستهلكين. وأضاف أن بحثه الخاص أظهر أن المستهلكين راغبون في إنفاق المزيد من المال على منتجات الشركات إذا ما وثقوا أنها ستحمي خصوصياتهم. والمواقع التي تعتبر «صديقة للخصوصيات» من شأنها أن تبيع منتجات بأسعار أعلى بنسبة 80 في المائة من أسعار شركات «غير صديقة للخصوصيات»، وفقا لدراساته.