برامج مراقبة أميركية.. للتعرف على الأفكار والدوافع البشرية

تهدف إلى وضع التوقعات المستقبلية وتحديد نوازع الأفراد وسلوكهم

TT

يبدو أن الهيئات الحكومية في الولايات المتحدة شرعت وبوتيرة متسارعة في البحث بعمق في سبل التنصت على الجمهور بغية جمع المعلومات حول كل الأمور.. ابتداء من كيفية تصفح الإنترنت، إلى كيفية استخدام المعلومات المستقاة من الشبكة، بغية وضع التوقعات المستقبلية. وهذه العملية ليست سوى عملية تطفل في الواقع.

وفي ما يلي سبعة برامج جرى الإعلان عنها هذا العام، ومنها في بعض الحالات برامج «تزحف.. وصولا إلى دماغك»، لكي ترى عبره، ما الذي يحدث في هذا العالم. وترغب وكالة الاستخبارات الأميركية الاستعانة بالتقنيات، لوضع توقعات حول احتمالات المستقبل التي تنبثق من الأحداث العامة.

برامج توقعات المستقبل

* وتتوافر مختلف البيانات والمعلومات العامة التي يمكن جمعها واستخدامها من قبل النظم الذكية لتوقع أحداث المستقبل، ولكن ينبغي على تلك النظم تسخير التقنيات لاستخراجها. وهذه واحدة من الأفكار الكامنة وراء برنامج ستعرضه مجموعة نشاطات مشاريع الأبحاث الاستخبارية المتطورة (جاربا) JARPA بالتفصيل في مؤتمر «يوم الاقتراحات» في واشنطن العاصمة الشهر المقبل.

والبرنامج الذي يعرف بـ«المؤشرات المفتوحة المصدر» OSI سيستهدف «أساليب التطوير للتحليلات الأوتوماتيكية المستمرة للبيانات العامة المتوفرة، بغية توقع أو تحري أي اضطرابات، أو عمليات شغب اجتماعية، كالأزمات السياسية، وتفشي الأمراض والأوبئة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ونقص المصادر، والكوارث الطبيعية، كما أشارت «جاربا».

واستنادا إليها، فإن الكثير من الأحداث الاجتماعية المهمة سبقت أو أعقبت التغيرات السكانية في ميادين الاتصالات والاستهلاك والتنقلات. وبعض هذه التغيرات يمكن ملاحظتها بشكل غير مباشر من البيانات المتوفرة بشكل عام، مثل الاتجاهات العامة، والمدونات، والمدونات المصغرة، والحركة على الإنترنت، ونشاطات كاميرات الشبكة «ويبكام»، والأسواق المالية، وغيرها.

من جهته يقوم «مركز إيميس» للأبحاث التابع لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، ووكالة الأبحاث الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (داربا) باستطلاع بعض المختصرات، والمواضيع، والأوراق العلمية والتقارير، وسير حياة أعضاء هيئات الحوار، لتكون جزءا من المنتدى الدراسي «100 يير ستارشب ستدي سيمبوزيوم» الذي سينعقد في مدينة أورلندو في ولاية فلوريدا، نهاية سبتمبر (ايلول) المقبل.

ونقلت مجلة «بي سي وورلد» الإلكترونية عن ديفيد نايلاند مدير مكتب التقنيات التكتيكية في وكالة «داربا» أن «هذا ليس مؤتمرا آخر عن تقنيات الفضاء، بل إننا نأمل بمشاركة الآخرين من محامين، وكتاب روايات الخيال العلمي، والتقنيين، وغيرهم في هذا الحوار، لنتأكد من أننا نفكر بجميع جوانب الطيران بين الكواكب مثلا».

أوصاف لغوية عالمية

* ويرغب الباحثون في «جاربا» تشييد بنك أو مستودع من الاستعارات والمجازات، ليس الإنجليزية والأميركية منها، بل إيرانية فارسية أيضا، ومكسيكية، وروسية. لكن لماذا مثل هذه الاستعارات؟ «لقد عرفت هذه الاستعارات منذ أرسطو كمعدات وأدوات شعرية بلاغية فريدة من نوعها من شأنها إغناء اللغة بالوصف والتنميق، والتي تكشف أيضا كيف أن ثقافات الجماهير تحدد وتتفهم العالم الذي يدور حولها»، وفقا إلى «داربا».

وترغب «داربا» أيضا معرفة كيف أن القصص والروايات تؤثر على العقل البشري وسلوكه. ولهذا الغرض استضافت هذه الوكالة ورشة عمل في أوائل العام الحالي لمناقشة ذلك مع إمكانيات التطبيق.

وذكرت «داربا» أن «القصص والروايات تمارس تأثيرا كبيرا على الأفكار الإنسانية والسلوك البشري. فهي تعزز الذاكرة، وتصوغ العواطف، وتشكل الميول والنوازع، مع الانحيازات إلى جهات معينة، وقد تؤثر على الصلب الأساسي للهوية الشخصية. وتأتي مع كل ذلك نوازع التعصب والتشدد، والعنف الاجتماعي، والإرهاب. لذا فإن تفهم دور هذه القصص والروايات يلعب في مضمار الأمن وسياقه. وهو أمر في غاية الأهمية».

سبر الوسائط الاجتماعية

* وتريد وكالة الاستخبارات الأميركية معرفة كيف يعمل الدماغ البشري المنهك المرهق بكل ذلك؟ ويبدو مثل هذا السؤال، وكأنه صادر عن كابوس من الخيال العلمي. لذا ترغب وكالة الاستخبارات في تطوير تطبيقات ترتكز على أسلوب البشري لتفهم الكم الكبير من المعلومات التي تأتي كما اتفق، والتي تكون غير منتظمة ومنحازة. وكانت «جاربا» قد منحت أخيرا شركة «رايثون بي بي إن تكنولوجيس» عقدا بقيمة ثلاثة ملايين دولار لتقصي أساليب جديدة لنمذجة ما تسميه قدرة الدماغ البشري على أتحاذ القرارات الصائبة والعقلانية. وللبحث هذا مكاسب تجارية وعسكرية، مثل مساعدة جماعات الاستخبارات على تحليل شرائط الفيديو السريعة المصورة للمعارك، والبيانات الصوتية والنصية بسرعة ودقة.

وترغب «داربا» أيضا في تحويل الوسائط الاجتماعية الساذجة إلى علم حقيقي. فبالنظر إلى أن مناخ الوسائط الاجتماعية اليوم يبدو أشبه ببيئة «الغرب المتوحش» السابق، عرض الباحثون العسكريون في «داربا» 42 مليون دولار كمنحة لتطوير ما يسمى العلم الجديد للشبكات الاجتماعية.

وأشارت «داربا» إلى أن الهدف العام من برنامج «الوسط الاجتماعي في الاتصالات الاستراتيجية» SMISC هو تطوير عدد وأدوات وأساليب تشغيل أوتوماتيكية وشبه أوتوماتيكية، لاستخدام هذه الوسائط بشكل منهجي، وبأسلوب معين على صعيد البيانات والزمن.

وتشير «داربا» إلى أن «عالم الوسائط الاجتماعية ينطوي على الكثير من التفاعلات بين مجموعات كبيرة من البشر في وقت ضيق جدا لم نعهده من قبل. من هنا تبرز ظاهرة جديدة تتطلب التفكير بهذه التفاعلات بأسلوب جديد. والأدوات التي نملكها حاليا لمعرفة ما يجري في هذه الشبكات، وكيفية الدفاع عن أنفسنا تجاهها، تعتمد فقط على الصدفة. لذا علينا التخلص من اعتمادنا الحالي على الحظ، والأساليب اليدوية غير المعقدة، وذلك عن طريق استخدام تشغيل منهجي أوتوماتيكي وشبه أوتوماتيكي لتحري، واستقصاء، وتعقب، وتصنيف، وقياس، وبالتالي التأثير على مجريات الأمور في هذه الوسائط الاجتماعية على صعيد البيانات التي تتضمنها».

أخيرا ترغب وكالة التحقيقات الجنائية (إف بي آي) حل الملاحظات المشفرة التي تنجم عن الجرائم الغامضة. ففي مارس (آذار) الماضي طلبت الوكالة مساعدة الرأي العام الأميركي لكسر الرمز المشفر الذي وجدته في ملاحظتين في جثة شخص قتل عام 1999. وتقول الوكالة إن ضباط الشرطة في سانت لويس في ولاية ميزوري الأميركية اكتشفوا جثة ريكي ماكورميك، 41 سنة، في حقل، وفي جيب بنطاله الملاحظتان المشفرتان. وظلت هاتان الملاحظتان لغزا محيرا، ولم تتمكن السلطات من اعتقال المجرمين حتى اليوم.