5 اختراقات جديدة في عالم التقنيات المتطورة

شبكة لا سلكية سريعة وبطارية تشحن نفسها وكومبيوتر توجهه الأفكار

TT

الاختراقات الجديدة في عالم التقنيات تبدو كما لو أنها من عالم الخيال العلمي، لكنها ليست كذلك. وإليكم بعضها:

رغم تفوق شبكة «واي فاي» اللاسلكية التي تتمكن من تحصيل البيانات عبر الأجواء، فإنها تقنية تعود إلى التسعينات من القرن الماضي، وجرى تطويرها مرات كثيرة «لكن نرغب في أن ندخلها اليوم في القرن الحادي والعشرين»، كما يقول علي صدري، رئيس «وايرليس غيغابايت ألاينس»، التي هي اتحاد للشركات التقنية التي قامت بتطوير مواصفات تعرف باسم «واي - غيغ» WiGig والتي تدعم الاتصالات اللاسلكية في سرعات تتجاوز عدة غيغابايت في الثانية.

«ومع التأكيد على الفيديوهات العالية الوضوح، فقد تغير استخدام الشبكة»، كما يلاحظ صدري الذي هو أيضا مدير التسويق للمجموعة اللاسلكية في شركة «إنتل» الذي يتأسف من عدم مواكبة شبكة «واي فاي» لذلك، فكلما زادت السرعة، كان ذلك أفضل.

وتقوم «واي - غيغ» بإضافة بث بنطاق 60 غيغاهيرتز إلى المزيج. ومع توفر المزيد من الطيف الذي يفوق 2.4 غيغاهيرتز و5 غيغاهيرتز، يتيح نطاق 60 غيغاهيرتز بثا سريعا للغاية.

بعبارة أخرى تقوم «واي - غيغ» بتوفير إمكانات لبث فيلم كامل عالي الوضوح خلال ثوان، أو بثه حضوريا للمشاهد بشكل سلس. كما أنها تقدم نطاقا كافيا لإرضاء منزل بكامله يستخدمه الكثير من المشاهدين المختلفين في آن واحد، بحيث يكون الأطفال يمارسون ألعابهم على الشبكة، والآباء ينزلون أفلام الفيديو الطويلة في المطبخ، والأولاد يمارسون الدردشة على الفيديو في غرفهم.

ويمكن استخدام «واي - غيغ» لوصل الكومبيوترات بالأجهزة الطرفية من دون كابلات. وتتطابق مواصفات الشبكة اللاسلكية الجديدة أيضا مع أجهزة «واي فاي» الحالية. وما يعزز من سرعة «واي - غيغ» حيلة ذكية تسمى «تشكيل الحزمة». فخلافا لغالبية نظم البيانات اللاسلكية، لا تنتشر إشارة «واي - غيغ» في الفضاء هباء منثورا في غالبيتها، بل هي من الذكاء الكافي لتعديل معايير الهوائي في نقطتي الإرسال والاستقبال، بغية إنتاج حزمة مركزة من البيانات كوصلة مباشرة لا يتخللها سوى القليل من التداخل. وتستخدم تقنية «تشكيل الحزمة» في بعض منتجات «واي فاي»، لكن «واي - غيغ» تعتمد عليها تماما.

وهناك الناحية السلبية أيضا. فالمدى الأقصى لـ«واي - غيغ» لا يتجاوز 45 قدما (13.5 متر). ويتوقع صدري قيام أربع شركات منتجة لأشباه الموصلات بإنتاج عينات من شرائح «واي - غيغ» لتكون مرجعا للجيل المقبل من الإلكترونيات اللاسلكية. وستنتج هذه الشرائح بشكل كامل في العام المقبل على حد قوله. وفي عام 2013 ستكون معدات «واي - غيغ» في أجهزة التلفزيون والكومبيوتر والهواتف والأجهزة اللوحية، وسائر المعدات الإلكترونية، وغيرها التي لا يمكن تصورها الآن.

يحلم زونغ لين وانغ بأجهزة إلكترونية يمكن أن تشحن ذاتها من دون وصلات. فإذا تمكن أستاذ علم المواد هذا في معهد «جورجيا للتقنيات» أن يشق طريقه في هذا المجال، فإن استبدال البطاريات الفارغة، أو شحنها مقبسيا، يصبح من الماضي. فقد تمكن فريق وانغ من تصميم مولدات كهربائية صغيرة يمكنها إنتاج ما يكفي من الطاقة لشحن الأجهزة الصغيرة، إذ بمقدور هذه «المولدات النانوية (دقيقة الحجم جدا) ذات الإنتاجية العالية التي تعرف بالأحرف HONGs (هونغس) اختصارا، إنتاج ما بين 2 و10 فولتات من شريحة مرنة أصغر حجما من ظفر الإصبع».

ويعتمد التصميم على تشكيلة ميكروسكوبية من ألياف، أو أسلاك أوكسيد الزنك ZnO الدقيقة جدا، التي هي أرفع من شعر الإنسان. ويجري تبييت التشكيلات الليفية هذه على شكل طبقات متعددة من الأقطاب المعدنية والبوليمرات البلاستيكية لإنتاج شطيرة مرنة من الأسلاك الدقيقة جدا.

ويعمل وانغ وفريقه على إنتاج مولدات «هونغس» بحيث يمكنه تزويد أجهزة لا سلكية كاملة بالطاقة، إذ إن الهدف هو صنع مستشعرات بيئية تتزود ذاتيا، أي بنفسها، بالتيار من أجل تشكيلة متنوعة من الاستخدامات. ومثال على ذلك يعمل الفريق على مستشعر مبيت داخل جسر محاط من الجهات كافة بالخرسانة، بحيث من الصعب جدا تغيير البطاريات. ويرى وانغ إمكانية ظهور هواتف ذاتية الشحن، إضافة إلى مشغلات موسيقية رقمية، وحتى لوحات مفاتيح طباعة تعمل لا سلكيا.

قبل قرن من الزمن أنجز العبقري الكهربائي نيقولا تيسلا بحثا رائدا يتعلق بالكثير من الأشياء والتطورات التي نستخدمها اليوم، ونعتبرها تحصيل حاصل، ابتداء من الأشعة السينية والتيار التناوبي، إلى المحركات الكهربائية ذات الكفاءة العالية والمولدات وأجهزة الراديو. ولكنه عندما وجه خياله الخصب إلى إرسال الكهرباء عبر الأجواء عن طريق الموجات اللاسلكية لتشغيل جميع الأجهزة والمعدات وتزويدها بالطاقة من دون أسلاك، واجهه الفشل الذريع.

واليوم تحاول شركة تدعى «باوركاست» أن تقوم بما حاول تيسلا القيام به عن طريق بث الطاقة الكهربائية عبر الموجات اللاسلكية. ويقول هاري أوستاف، نائب رئيس الشركة «نحاول الشروع من المكان الذي وقف تيسلا عنده. فنحن نرسل الطاقة عبر الهواء إلى أجهزة لا يمكن تغيير بطارياتها بسبب التكلفة، أو عدم الإمكانية».

ويسمى الأسلوب «حصاد الطاقة» ويستخدم جهاز بث بحجم الكتاب يدعى «باوركاستر»، (مرسل الطاقة)، لإرسال تيار كهربائي بقدرة تتراوح ما بين واحد وثلاثة واط، عبر الجو بذبذبة قدرها 915 ميغاهيرتز. ويجري تلقي هذا التيار في الطرف المستلم عن طريق أحد الشرائح التي تدعى «باورهارفستر»، (حاصد الطاقة) التي تحول الموجة اللاسلكية إلى تيار كهربائي مباشر (دي سي).

ويمكن استخدام هذا الأسلوب لتزويد قارئ إلكتروني يستخدم طاقة ضئيلة، مثل «كيندل» بالتيار. ويبلغ المدى الحالي للشحن ما بين 40 و45 قدما، مما يستوجب الحصول على نحو 15 جهاز إرسال لتغطية مساحة مكتب كبير. وثمة شركات أخرى غير «باوركاست» تعمل اليوم على التقنية ذاتها، منها مثلا شركة «نيهون دينغيو كوساكيو» اليابانية.

كلنا نعلم التالي: نستخدم أجهزتنا الجوالة من هواتف وكومبيوترات وما شابه سنوات قبل أن تموت البطارية نهائيا ويتوجب استبدالها بواحدة جديدة تماما. وإذا كان الجهاز غير مصمم لاستبدال البطارية مثل «آي فون» و«آي باد»، هناك الطامة الكبرى. لكن للعلماء في معهد «بيكمان إنستيتيوت» للعلوم والتقنيات المتطورة التابع لجامعة «إلينوي» في أميركا فكرة بديلة. إذ ينظر الباحثون برئاسة البروفسور سكوت هوايت في إطالة الحياة المجدية للبطاريات عن طريق ترميم ذاتها حتى من دون أن يدرك صاحب الجهاز وجود مشكلة ما. لكنهم عالجوها عن طريق طلاء قطب البطارية بمليارات الكريات الصغيرة المليئة بمركبات «الغاليوم - إنديوم».

والفكرة من وراء ذلك أن الكرات هذه مصممة أن تتحطم وتنفتح لدى الضغط عليها، أو تعرضها لحادث، كسقوط الجهاز على الأرض مثلا، أو تعرضه للحرارة الزائدة والسخونة، كالقصر الكهربائي. وبذلك ينساب «الغاليوم - إنديوم» ليملأ الفجوات ويرمم القصر الكهربائي، لتعود البطارية إلى حالتها الصحية الأولى خلال 40 ميكروثانية. وفي غالبية الأحوال، فهذا ليس بالوقت الكافي لكي تقوم إلكترونيات التحكم بالبطارية بإغلاقها وإطفائها، «مما يعني معاودة الوصل الكهربائي، وبشكل فوري»، كما يقول هوايت.

على الرغم من خسارته أمام كومبيوتر «واطسون» من «آي بي إم» يبقى العقل البشري الأقوى والأكثر مرونة وتعقيدا في معالجة المعلومات على هذه الأرض. ولكن يتوجب عليه التعامل مع الكومبيوترات عبر أجسادنا المعرضة للأخطاء. قم بالنقر على الأيقونة، أو المفتاح الخطأ، ليتوقف العمل تماما، أو حتى ضياع جهد يوم كامل.

وهذا ما يجعل العلماء وأصحاب الرؤية المستقبلية البعيدة يفكرون بالتفاعل مع الكومبيوتر عن طريق الأفكار مستخدمين العقل البشري لإدخال الأفكار والمعلومات، وتلقيمها وتحريرها واستغلالها. وفي مثل السيناريوهات المستمدة من الخيال العلمي، يجري استخدام الكومبيوتر كواجهة التفاعل في جهاز الكومبيوتر. والمكافأة هنا جزيلة، لأنها تحررنا من الجزء غير الكفء من سلسلة العمليات الكومبيوترية، وهو واجهة التفاعل.

«وقد يبدو هذا الأمر غريبا»، كما يقول دين بومرليو، الباحث في مختبرات «إنتل» في بيتسبرغ في حديث نقلته مجلة «كومبيوتر وورلد» الإلكترونية، الذي يضيف أنه عن طريق وضع قلنسوة تقوم بمسح دماغك وأنت جالس أمام الكومبيوتر، يمكن القيام بوظائفه جميعا، من دون الإتيان بأي حركة عن طريق اليدين.

كذلك شرع باحثون عالميون في جامعة «كاليفورنيا» في لوس أنجليس في السبعينات الماضية في ما يسمى «واجهات تفاعل كومبيوترية - دماغية» BCI مستخدمين الحيوانات أولا، وبعد ذلك البشر. وقد استخدمت في هذه التجارب زرع الأقطاب داخل الدماغ البشري، وبعد ذلك على سطحه. لكن إحدى المشكلات التي واجهتها هو أن نسيج الجروح والندوب التي تكونت حول الأقطاب المزروعة، كانت تتداخل مع الإشارات.

ورغم هذه القيود والصعوبات تتواصل هذه الأبحاث حاليا، إذ يعمل بومرليو حاليا مع باحثين من جامعتي «بتسبرغ» و«كارنيغي ميلون» على مشروع «نيورو سيس» (النظم العصبية) لرسم برنامج يمكنه من ترجمة النشاط العصبي إلى كلمات وأفعال.

والمشكلة هنا أن هناك القلائل من مستخدمي الكومبيوتر الذين لديهم الرغبة، أو القدرة المالية على الجلوس أمام جهاز «ماسح دماغي» بتكلفة مليوني دولار، بغية تسطير مذكرة قصيرة لرئيسهم تتعلق بحملة تسويقية جديدة.

وهنا لا بد من قفزة كبيرة في تقنيات الاستشعار بغية إيجاز العمليات واختصارها وتخفيض تكلفتها استنادا إلى بومرليو. وفي الوقت الراهن يمكن للنظام هذا التعرف على خمسة أحرف في الدقيقة، وهذا ليس بالسرعة الكافية، لكنها بداية جيدة. ونظرا إلى تكلفته الحالية البالغة 12 ألف دولار، فقد يستخدم أولا مع الأشخاص المعاقين ذوي القدرات الجسدية المحدودة. والمسير لا يزال هنا طويلا، قبل أن تتطور هذه التقنية، وتصبح ممكنة عمليا وماليا.