شاشات متعددة كبيرة.. لمواكبة سيل بيانات الأعمال

تزيد إنتاجية العمل إلا أنها قد تشتت التركيز

TT

قد يشعر العاملون كثيرا في العصر الرقمي وكأنهم يمارسون نوعا من ألعاب الفيديو، عندما يردون على التدفق الهائل في الرسائل الإلكترونية والفورية، ويقومون بمعالجة الوثائق، وتصفح مواقع الشبكة والتقاويم اليومية. ولمجاراة هذا الواقع أصبح هؤلاء سريعين في استخدام الماوس، والتحول بين عشرات النوافذ التي تداخلت بعضها ببعض على شاشة واحدة.

لكن هنالك حلا جديدا لمجابهة هذا الفيض من البيانات، ألا وهو إضافة شاشة كومبيوتر ثانية، وحتى ثالثة.

* تعدد الشاشات

* مثل هذا الانتشار الواسع للشاشات هو آخر التحديثات، وأضحى مسؤولا عن المظهر الجديد لمكاتب الشركات والمنازل الذي بات يشبه مركز السيطرة والتحكم في المركبات الفضائية.

وبالنسبة إلى الذين يقومون بأعمال متعددة على شاشات متعددة، تبدو الشاشة الواحدة أشبه بالإنترنت القديم الذي كان يجري الدخول إليه عن طريق قرص إدارة الأرقام في الهاتف الذي عفا عليه الزمن. وتقول جاكي كوهين، 42 سنة، التي تستخدم ثلاث شاشات قياس 17 بوصة في منزلها في سان فرانسيسكو، حيث تقوم بتحرير مدونة حول «فيس بوك» «إذا ما عدت إلى استخدام شاشة واحدة أشعر بأنني بطيئة في العمل».

وتقوم شاشتها الوسطى بعرض الذي تكتبه أو تدونه، إلى جانب البريد الإلكتروني والرسائل الآنية، بينما تقوم الشاشتان اليمنى واليسرى بعرض المواقع الجديدة في الشبكة، إلى جانب المدونات وتعليقات «تويتر»، كما تبقي على 3 إلى 10 بطاقات تبويب على كل منهما. وعندما تعطلت إحدى الشاشات شعرت بإعاقة كبيرة، لأنها لا ترغب في افتقاد أي معلومة.

وبينما يبدو أن جهازها الكومبيوتر وكأنه يعمل بسرعة أكثر مع شاشتين، بدلا من ثلاث، لكن عقلها كان أمرا آخر، معلقة على ذلك بالقول «أستطيع معالجة الأمر، لكن هنالك البعض الذين لا يستطيعون».

وكانت شركات التقنية قد باعت 179 مليون شاشة عالميا في العام الماضي، مقابل 130 جهاز كومبيوتر منزليا، مما يعني بيع أكثر من شاشة واحدة لكل مكتب، وفقا إلى رودا ألكسندر التي ترأس مركز HIS iSuppli لأبحاث الأجهزة اللوحية. وهذه الشاشات المسوقة كبيرة الحجم أيضا، إذ بلغ متوسط قطرها في المبيعات العالمية 21 بوصة، مقابل 18 بوصة قبل خمس سنوات، استنادا إلى مركز الأبحاث هذا.

وتقول «إن إي سي ديسبلاي» إحدى الشركات الكبيرة المنتجة للشاشات إن نحو 30 إلى 40 في المائة من موظفي زبائنها من الشركات والمؤسسات يستخدمون أكثر من شاشة واحدة، مقابل نسبة واحد في المائة قبل أربع سنوات.

* زيادة الإنتاجية

* وثمة العديد من الأسباب لهذه الفورة في المبيعات، منها أن الشاشات أصبحت رخيصة السعر. كما أضحت أقل سمكا ونحافة أيضا، بحيث شرعت المكاتب تستوعب المزيد منها، فضلا عن وجود المزيد من أدوات التواصل، مثل الرسائل الفورية، و«تويتر»، و«فيس بوك» التي يتوجب على العاملين الانتباه إليها.

والمزيد من الشاشات الكبيرة الحجم لها مميزات عديدة منها مثلا، قيام شاب روسي الذي يستخدم ثلاث شاشات للتنقل بين العشرات من بطاقات التبويب خلال عمله الهندسي في «فيس بوك»، حيث يكشف على مئات تحديثات البرمجيات الجارية على الموقع يوميا قبل أن تصبح علنية.

والمهندسون بصورة خاصة يهتمون كثيرا بشاشاتهم كما يقول، مشيرا إلى أن أحدهم، على سبيل المثال، المرشح لوظيفة جديدة قد يذكر أمام صديق له متباهيا، «إن العمل الجديد بالمناسبة سيوفر لي شاشة بحجم 30 بوصة».

والمغزى الرئيسي من الشاشات المتعددة هو زيادة الإنتاجية، لكن ذلك يتوقف أيضا على نوعية العمل، وما إذا كان الشخص المعني يحتاج إلى ذلك فعلا بشكل دائم؟ بيد أن النظرية الأخرى تقول إن الناس باتت مدمنة على التقليب بين المعلومات والبيانات، مما يعني بروز اتجاه للكشف والاطلاع عليها في مطلق الأحوال.

وأظهرت دراسة أجرتها جامعة «يوتاه» في أميركا، ومولتها شركة «إن إي سي ديسبلاي» بمبلغ 50 ألف دولار، أن الإنتاجية بين الأشخاص العاملين في التحرير هي أعلى بكثير، عندما تكون هناك شاشتان بدلا من واحدة. ويقول جيمس أندرسون أستاذ الاتصالات في الجامعة المذكورة الذي أشرف على الدراسة، إن وجود المزيد من الشاشات يوفر كثيرا في عملية التقليب والتبديل بين النوافذ في الشاشة الواحدة، مما يوفر نحو 10 ثوان في كل خمس دقائق عمل، «فعن طريق الشاشات المتعددة يمكن استيعاب الكثير بمسحة عين واحدة، بدلا من تقليب النوافذ في الشاشة الواحدة ذهابا ورجوعا»، على حد قوله.

بيد أن ديفيد ماير أستاذ علم النفس في جامعة ميتشيغن، الذي أكد بحثه أن الشاشات المتعددة لها تأثيرها الكبير على الإنتاجية، حذر أيضا من مغبة تأثر هذه الإنتاجية، عندما يسرف الأشخاص في تقطيع حبل أفكارهم بسبب ما يعرض على هذه الشاشات المتعددة، بدلا من التركيز على عمل واحد. وأشار إلى أن «روما هوت واحترقت لأنها كبرت وتوسعت أكثر مما يجب، فحال تعدي الخط المرسوم، فقد تنتهي كما انتهت روما».

وبمقدور مات ألفري التعامل مع ست شاشات، وليس اثنتين فقط. فهو يعمل في قطاع تجارة السندات في شركة «كريست سيكيورتيس» في بورتلاند في ولاية اوريغون الأميركية. ويمتلئ هذا الجدار الكبير من الشاشات بالرسائل، والعناوين، والخرائط، والرسوم البيانية، وأسعار البورصة، التي يراقبها كلها للخروج بنمط معين من الاستنتاجات والتكهنات التي ترسم توجهات الأسواق.

* خدمة «نيويورك تايمز»