الامم المتحدة تصنف تونس من أكثر الدول النامية اهتماما بالتقنية

تيكايا: الاهتمام بالتقنية يعود إلى بداية الستينيات، ومدينة تكنولوجيا تتمتع ببنية تحتية متطورة والانترنت تدخل المدارس الابتدائية

TT

ذكر تقرير حول الفجوة التقنية بين الدول المتقدمة والنامية، نشره برنامج الأمم المتحدة للإنماء (UNDP) أخيرا، الجمهورية التونسية كأكثر الدول ديناميكية في استخدام التقنية الحديثة في العالم النامي، إلى جانب الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، كما أشار إلى ما يطلق عليه «مدينة تكنولوجيا المواصلات» في تونس كنموذج على نجاح البلدان النامية في سد هذه الفجوة حيث اعتبر واحدا من 46 مركزا للابداع التقني المنتشرة في العالم. وعلى الرغم من ذلك الازدهار في قطاع تقنية المعلومات التونسي، يندر أن يقرأ المواطن العربي أخباره وبخاصة في دول المشرق، مما دفعنا إلى محاولة إلقاء بعض الضوء على هذا القطاع والتعريف به. ولهذا التقت الشرق الأوسط السيد رضوان تيكايا مدير وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية، [email protected] ) ) ومقرها لندن، للتعرف على هذا القطاع النامي.

* تاريخ تقني

* بدأ تيكايا بالاشارة إلى الاهتمام الذي تبديه الحكومة التونسية بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات قائلا «يشكل دخل الجمهورية التونسية من هذا القطاع حاليا ما لا يزيد عن اثنين في المائة فقط من الناتج القومي، إلا أن هناك برنامجا لزيادته ليصل إلى ثمانية بالمائة مع حلول عام 2007 مما سيجعله مقاربا للدخل الذي تحصل عليه الدولة من قطاع السياحة»، وأضاف «إلا أن الاهتمام بتبني التقنية في الأعمال في تونس يعود الى عشرات السنين، إذ يجدر بالذكر أن أحد البنوك التونسية، وهو «الشركة التونسية للبنك» (www.stb.com.tn) كان أول بنك على مستوى القارة الافريقية يستخدم الكومبيوتر في أعماله، وكان ذلك في العام 1962». وبين تيكايا أن تونس كانت قد بدأت بشكل مبكر في بناء بنيتها التحتية المعلوماتية، فقد عملت ابتداء من السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي على تدريب مجموعات من مهندسيها في تخصصات تقنية المعلومات، وابتعثتهم إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى من أجل صقل خبراتهم وتزويدهم بأحدث ما يستجد من معلومات، إلا أنه من المؤسف أن هناك أعدادا منهم لم تعد إلى الوطن، إذ فضلت البقاء في البلاد التي أرسلت إليها، حيث عملوا هناك في تخصصاتهم سواء كموظفين أو أصحاب أعمال. إلا أن هذا الوضع تغير في التسعينيات، إذ تطور الوضع المعيشي والتقني في تونس حيث بدأت الدولة تعمل على اعتماد حلول تقنية المعلومات في دوائرها، وتشجيع استخدامها في جميع مناحي الحياة، مما أوجد سوقا واعدة جذبت إليها التونسيين العاملين في الخارج، وقرر بالتالي العديد منهم أن يؤسسوا أعمالا لهم في وطنهم الأم، سواء لتمثيل الشركات التي كانوا يعملون فيها بالخارج، أو للبدء بأعمال جديدة بالكامل، وقد استطاع العديد من هذه الشركات تحقيق نجاحات باهرة، وامتدت نشاطاتها لتشمل أسواقا عالمية مختلفة بالاضافة إلى السوق المحلية.

ومن هذه الشركات كما قال لنا رضوان تيكايا، شركة BFI التي تأسست عام 1993 من قبل تونسي درس وتدرب في فرنسا، وعمل في «فرانس تيليكوم» وشركة أخرى، وعندما عاد لتونس أسس شركته اعتمادا على خبرته في وضع برمجيات خاصة بالبنوك. واعتمدت الشركة وقتها على خمسة أشخاص فقط، أما الآن فتضاعف عددهم ليصل إلى 250 موظفا يعمل معظمهم في البحث والتطوير، مما جعلها من الشركات الضخمة في مقياس السوق التونسية، وأصبحت تصدر منتجاتها إلى العديد من بلدان العالم، مثل فرنسا وكندا واسبانيا وجنوب افريقيا وبريطانيا والمغرب واليونان وسورية ووصلت حتى تايلند، بالاضافة إلى أسواق أخرى. ويعتبر رضوان تيكايا هذه الشركة نموذجا متميزا للشركات الناجحة، إذ أنها لم تحبط بسبب الصعوبات الكبيرة التي واجهتها عندما تأسست، حيث كان هناك في تونس من يرى أن الأعمال البنكية فيها أكثر جدية من أن يخاطر باستخدام تقنيات الكومبيوتر في معالجتها، خاصة إذا جاءت من شركة حديثة التأسيس، مما جعلها تواجه مشكلة حقيقية في أن تحصل لها على موطئ قدم في السوق، إلى أن جاء الفرج عندما وجد أحد البنوك المحلية أنه من الحكمة أن يعتمد على أخذ حلوله البرمجية من شركة محلية، مما سيضمن له الحصول على الدعم التقني بأسرع مما لو أخذها من شركة أجنبية من المؤكد أن تضعه في أدنى قائمة زبائنها عند الاستجابة لطلبات الدعم، مما سيجعله في خطر دائم. وكانت هذه الخطوة بداية لانطلاقة كبيرة لهذه الشركة، التي حققت سمعة طيبة وصلت إلى أقصى الشرق، فمن كان يصدق أن يعتمد بنك تايلندي على حلول برمجية منتجة في تونس. والطريف في قصة BFI كما يقول تيكايا أن شركات البرمجة العالمية التي كانت ترفض في البداية التعامل معها في مجال انتاج البرمجيات من الباطن (Outsourcing)، أصبحت تنافسها بل أصبح بعضها يحاول التعاون معها للاستفادة من قدراتها. وتحدث رضوان تيكاي كذلك عن شركة برمجيانت أخرى هي «ساينكس» (Cynex Software) التي عاد مؤسسها إلى تونس بعد سنوات من العمل مع شركة «نورتل» العالمية، ليؤسس شركة متخصصة بحلول الاتصالات وخدماتها أصبحت صادرتها إلى الخارج تقدر بملايين الدولارات. وبالاضافة إلى هذين النموذجين برز العديد من الشركات التونسية الأخرى التي أصبحت ذات بعد إقليمي وعالمي بعد أن نجحت محليا، وهو الأمر الذي ساهم في اعطاء تونس سمعة طيبة في صناعة تقنية المعلومات دفع العديد من الشركات الأجنبية لتأسيس أعمال لها في تونس، خاصة أن عصر الإنترنت والبريد الإلكتروني قد أزال الرهبة من الحواجز الحضارية والثقافية التي كانت تعيق في كثير من الأحيان دخول الشركات الغربية إلى البلاد العربية. وذكر لنا رضوان تيكايا نماذج لشركات بريطانية أدركت، أن مدينة لندن لا تبعد عن تونس سوى ساعتين ونصف الساعة فقط، أي نفس المسافة التي تبعدها عن مدينة بيرمنغهام البريطانية، على حد تعبير تيكايا، مع تمتع تونس بميزة توفر العمالة الماهرة التي يمكنها تقديم خدماتها بأسعار أقل بكثير من مثيلاتها البريطانية.

وتقدم الشركات التونسية العديد من الحلول البرمجية في مجال التجارة الالكترونية، وتطبيقات الحكومة الاكترونية، وتطبيقات الأعمال BB، وإدارة علاقات الزبائن (CRM) وخدمات هندسة الكومبيوتر، وحلول الوسائط المتعددة (مالتيميديا) وقواعد البيانات وغيرها من التطبيقات.

ويذكر أن شركة «ماركوني» العالمية قد فازت في شهر ابريل (نيسان) من العام الحالي بعقد لبناء العمود الفقري للاتصالات في تونس وذلك في جامعة تونس، معتمدة على تقنية ATM، كما أبرمت شركة «فلاغ تيليكوم» (FLAGTelecom) عقدا مع مؤسسة الاتصالات التونسية لتوفير قناة اتصال عريضة تصل إلى ميغابت بالثانية (STM)، والتي تمتد من ايطاليا إلى نيويورك عبر وكيبل FLAG الأوروبي الآسيوي، وكيبل FLAF في المحيط الأطلسي (FA).

وأوضح رضوان تيكايا أن النتيجة الحتمية لما توفر في تونس من قدرات في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، كانت أن تبدأ حكومتها بالعمل على جعل تونس مركزا تقنيا يجتذب إليه الشركات الأجنبية للاستثمار فيها، واستثمار الطاقات التونسية الشابة عن طريق توفير مراكز تقنية تحتضنهم وتنمي قدراتهم بالتدريب العالي، وتتيح لهم الابداع والانتاج. وتجلى ذلك في تأسيس مدينة تكنولوجيا المواصلات (The Communication Technology Park of Tunis) التي أسستها الحكومة في منطقة الغزالة التي تبعد 6 كيلومترات تقريبا عن مطار تونس قرطاج الدولي، لتكون مجمعا تنمو فيه الأنشطة المتعلقة بتقنية الاتصالات في محيط متناغم يشجع على الاستثمار في قطاع استراتيجي يرتكز على المعرفة والذكاء والتطور التقني. وزودت المدينة ببنية تحتية متطورة تناسب شركات ومؤسسات تقنية المعلومات والاتصالات، وهي تضم حاليا العديد من المؤسسات مثل المركب التكنولوجي للمواصلات، والمدرسة العليا للمواصلات، والمعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية في المواصلات، ومركز الدراسات والبحوث للاتصالات، ومركز التنمية لاتصالات تونس، والوكالة التونسية للانترنت، بالاضافة إلى حاضنة (Incubator) مشاريع، وغيرها من المؤسسات. كما أنها تضم مجموعة من شركات القطاع الخاص مثل معهد أبحاث علوم الكومبيوتر والاتصالات (IRIST)، ومركز تونس لتطوير البرمجيات «ألكاتل»، وغيرها. وكشف تيكايا النقاب لنا عن أن الحكومة التونسية تنوي تعميم فكرة هذه المدينة على باقي محافظات تونس في المستقبل القريب.

* إحصائيات

* وتشير الاحصائيات إلى أن عدد المشتركين بالانترنت في تونس قد بلغ ما يقارب 400 ألف مستخدم مقارنة مع بضعة عشرات عام 1997، كما أن الاتصال بالانترنت متوفر حاليا في جميع الجامعات والمدارس الثانوية، وسيشمل في العام المقبل جميع المدارس الابتدائية، علما بأن هناك 12 جهة مزودة لخدمة الإنترنت في تونس، سبع منها في القطاع العام والباقي من القطاع الخاص، ويتوقع أن تزيد أعداد المشتركين بالانترنت بعد تنفيذ الحكومة خطتها لتخفيض أسعار الاشتراك، وبخاصة للعاملين في قطاع الاعلام.

وتقدر نسبة انتشار أجهزة الكومبيوتر الشخصي بالنسبة لعدد السكان فيها بمعدل جهازين لكل مائة شخص حسب احصائيات عام 1999، حيث يمتلك 4.5 في المائة من العائلات التونسية جهاز كومبيوتر، وهناك خطة لدى الحكومة بتوفير جهاز كومبيوتر لكل عائلة بمبلغ لا يتجاوز ألف دينار تونسي (500 جنيه استرليني)، اعتمادا على قروض ميسرة.

ويوجد في تونس الآن ما يصل إلى 400 ألف هاتف نقال. ويقدر عدد العاملين في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في تونس بحوالي 11500 شخص، أما عوائد هذا القطاع فتقدر بحوالي 650 مليون دولار، وهناك في تونس 10 شركات تجميع أجهزة كومبيوتر، في حين يصل عدد من يتاجر بها من الشركات إلى 450 شركة، كما أن هـناك 270 شركة لانتاج البرمجيات.

[email protected]